بقلم امير ريشاوي

لو ان شابا توجة الى احد المنادين بالتطبيق الفوري للشريعة الاسلامية وقال له : (اريد ان انكح ابنتك فلانة) "يعني ان يتزوجها باللفظ المتعارف علية اليوم" لا ستشاط الرجل غضبا وطرد الشاب من منزلة ورماة بقلة الادب" . مع ان الشاب لم يخطئ بل استعمل اللفظة الشرعية الصحيحة !

وكما ان اللغة _اي لغة_ كائن حي يتطور بمرور الايام ، فكذلك كل جيل في كل زمان له طروفة الاجتماعية والاقتصادية واعرافة وتقاليده ، ومحاولة قسر جيل حديث على ظروف تقاليد واعراف أجيال سبقتة محكوم عليها بالاخفاق والفشل .

لقد روى في الاثر : "لا تقسروا اولادكم على اخلاقكم ، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم" . فاذا كان الامر كذلك خاصا بالاولاد الذين لا يفصلهم عن ابائهم اكثر من ثلاثة عقود ، فمابالكم اذا كانت تفصلها قرون عديدة ؟

هذه بديهة كنا في غنا عن ذكرها لولا ان المسلمين يتجاهلونها في غمرة حماسهم لمقولة التطبيق الفوري للشريعة غير مدركين العواقب الوخيمة المترتبة على هذا التجاهل الذي يصادم سنة كونية وناموسا من نواميس المجتمع .

والغريب ان هذا التجاهل الذي قد جاوز حدودة العامة والدهماء الى اهل الاختصاص في الفقة والشريعة الذين اماد اجزم ان الغالبية العظمى منهم لم يدرسوا بدقة ابواب الحدود والديات التي جاءت في كتب الصحاح ولو فعلوا لايقنوا ان المسالة ليست بالبساطة التي يتصورنها ، وان الامر يحتاج الى جهود مضنية خاصة بعد غلق باب الاجتهاد لجعل الحدود ملائمة للظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الناس الان والا كانت النتيجة سقطة مدوية ونكسة مريعة واساءة بالغة لا للشريعة فحسب بل للاسلام كلة عقيدة وشريعة .

فاذا اردنا الدليل على ما سبق ذكرنا :

روى عن محمد قوله : "ليس على العبد ولا على اهل الكتاب حدود" (رواة الدارقطني في سننه) ومعنى الحديث انه اذا قتل مسلم مسلما عمدا اقيم علية الحد اي (القتل) واذا قتل مسيحي مسلما عمدا فلا يقام علية الحد اي لا يقتل ولكن يعزر . والتعزيز عقوبة اقل من الحد !

وعن ابن عباس قال : قال محمد : "ليس على العبد الابق اذا سرق قطع ولا على الدامي" (رواة الدارقطني في سننه) ومعنى الحديث ان المسلم اذا سرق قطعت يده اما اذا سرق مسيحي فلا تقطع يده ! وليس الاشكال في تخفبف العقوبة على المسيحي بل على عدم المساواة بين رعيا الدولة في جريمة واحدة وما يحدثة ذلك من اثر في نفوس المسلمين !

وعن ام المؤمنين عائشه قالت : "سمعت محمدا يقول : لا تقطع يد السارق الا في ربع دينار فصاعدا" وعن عمر ان محمد قطع يد سارق سرق "برنسا" من صفة النساء ثمنة ثلاثة دراهم" (رواة احمد ابو داود والنسائي) ، وعن جابر ان محمدا قال : "ليس على الخائن ولا على المختلس ولا على المنتهب قطع" (رواه الخمسة وصححة الترمذي) ، ومعناه ان من يخون الامانة او يختلس او ينهب مئات الالوف من الجنيهات لا تقطع يده ومن يسرق ما يساوي ثلاثة جنيهات تقطه يده !!

وهذه الاحاديث المحمدية في النظام الاقتصادي والاجتماعي للدوله المنشودة يضع امام الاسلامين اشكالات عديدة بحاجة الى بحوث ودراسات قبل ان تنطلق الابواق قائلة : "الاسلام هو الحل – شرع الله عز وجل" . "مصحف وسيف" . "دين ودولة" وغير ذلك من الشعارات المستهلكة .

لقد كانت التجارة في عهد محمد عصب الحياة الاقتصادية فكانت جريمة السرقة هي السائده فنزل بشانها هذا العقاب الصارم المؤيد لما كانت علية الحال قبل محمد . واوردت كتب السيرة المعتمدة ان "سارق كنز الكعبة المشرفة قطعت يدة" لكن الحال الان تغير واختلفت اوجة المعاملات المالية واستجدت جرائم جديدة لم تكن معروفة في عهد محمد مثل اختلاس الاموال العامة والنصب واصدار شيكات بدون رصيد بمئات الالوف من الجنيهات . فاذا طبقنا على مرتكبيها حد قطع اليد خالفنا الاحاديث الصحيحة التي منعت القطع فيها . واذا لم نفعل كان مختلس مئات الالوف اسعد حالا من سارق الجنيهات القليلة !

عن عبد الرحمن بن عوف قال ، قال محمد : "لا يغرم السارق اذا اقيم عليه الحد" (رواة الدارقطني في سننه) فكيف الحال اذا سرق رجل مئات الالوف من الجنيهات وقطعت يدة وركبت له يد صناعية وعاش مستمتعا بما سرق في طيلة حياتة ؟ بل ان تقدم الطب جعل من الميسور تركيب اليد المقطوعة بعد قطعها !

عن ابن مسعود قال : "دية الخطأ أخماساَ! عشون جذعة وعشرون حقة وعشرون بنات لبون وعشرون بنو لبون ذكور وعشرون بنات مخاض" (رواة الدراقطني في سننه) . ونحن نسأل : هل سوف ينص في القانون الجنائي الاسلامي على هذا بلفظة ؟ وكم من القضاة الذين سيطبقونة والمحامين الذين يترافعون فيه ، يعرفون الفرق بين "الحقة" و "بنت المخاض" ؟ لقد كتب شيخ الاسلام الامام "الدراقطني" اكثر من ثلاث صفحات ليحقق كلمتي "الحقاق" و "بني لبون" الواردة في العبارة السابقة ، شعورا منة بمسؤولية من يغير في الفاظ احاديث الرسول !

فاذا رد المسلمون بانة لا بأس من استبدال هذه الالفاظ بمصطلحات متعارف عليها قلنا : ان من المعلوم ان احاديث الرسول (حسب ما يعتقد المسلمون) تطبق تطبيقا دقيقا يلتزم اللفظ ولا يخرج عنه . ونحن نذكر في هذا المقام ان محمدا كان يعلم احد صحابتة دعاء بقولة قبل النوم هذا نصه :
"اللهم اني اسلمت نفسي اليك ، والجأت ظهري اليك رغبة ورهبة اليك ، لا ملجأ ولا منجى منك الا اليك . امنت بكتابك الذي انزلت ، ونبيك الذي ارسلت" .

ثم طلب محمد من صاحبة ان يعبد علية القول فاسمعة اياه ولكن قال "برسولك الذي ارسلت" بدلا من "نبيك الذي ارسلت" فصححة له محمد بقوله "وبينك الذي ارسلت" .

اذا فتغير الالفاظ ليس سهلا في المعتقد الاسلامي وهذا بلا شك مشكل خطير يظهره ما روى عن محمد "ولا قود الا بالسيف" اي : "لا يجب قصاص القتل الا اذا كانت جريمة القتل تمت بالسيف" وهنا وضع محمد قاعدة شرعية هي ان القتل بالسيف وحده هو الذي فيه القود (اي القصاص) اما وسائل القتل الاخرى فلا قصاص فيها !

ومعلوم انه في عصرنا الحديث استخدمت عشرات الوسائل للقتل فاذا طبقنا فيها حديث "ولا قود" كان ذلك خروجا عن الحديث واذا قلنا بغير القود كان ذلك في غاية الغرابه لان من بين تلك الوسائل ما هو اقسى واشد اجراما من السيف فكيف لا يعاقب مرتكبها بالقود اي "القصاص" ؟! هذا فضلا على انه اصبح القتل بالسيف الان يكاد يكون في حكم النادر وبذلك نضع في قانون العقوبات نصا لا يطبق في ولقع الحياة !

جاء في مستند احمد ان الصاحبي سعد بن عبادة قال : "يا رسول الله ، ان وجدت مع امرأتي رجلا هل انتظر حتى اتي باربعة شهود ؟" قال : "نعم" . وفي هذا الحديث اثار الصحابي صعوبة اثبات جريمة الزنا باحضار اربعة شهود يرون "المرود يدخل في المكحلة" . وهي صعوبة ما زالت قائمة حتى اليوم بل ازدات وتحولت الى استحالة ، فاذا استطاع من يهمة الامر ان يثبت حدوث تلك الجريمة بطرق الاثبات الحديثة مثل التصوير الفوتوغرافي او التسجيل بالفيديو التي تؤكد لمن يراه ان الزنا تم فهل يقبل منه هذا الدليل ؟

ان اجزنا ذلك ، خالفنا السنة الصحيحة وافلت ازانيات رغم قوة الدليل .
ام لا بد من الدليل الشرعي : اربعة شهود؟ وهذا ان لم يكن مستحيلا فهو شبة مستحيل في ايامنا اذ ان جريمة الزنا تتم في غف محكمة الغلق ؟!

هذا قليل من المشكلات التي تواجة المطالبين بتطبيق الشريعة الاسلامية واقامة الحدود في القرن العشرين !

ان علامات الاستفهام التي نطرحها هنا قائمة منذ عشرات السنين ولم يتصد لها فقيه واحد ولم نقرأ لواحد من الدعاة تصورة لشريعة الاسلام بثوب جديد يليق بمعطيات العقل البشري في القرن العشرين بل كان كا ما قدمه علماء الازهر في باب الفقه ما جسده مفتي مصر عندما قدم فتواه بمفطرات رمضان من مثل الطين الارمني وبزاق الصديق الخ !! ولم يعلم ان هناك اشياء اخرى اصبحت مستخدمة غير الطين الارمني في الماكل والمشرب !!

لقد اطلق الامام الايراني الخميني على علماء الازهر بمصر انهم "علماء الحيض والنفاث" وقال عنهم : "انهم فقهاء دورة المياه" . وهو محق الى حد بعيد فيما ذهب اليه لان لدعاة المنتشرين في بقاع الارض والذين ينادون بتطبيق الشريعة لديهم تضخم في فقة دورات المياه وجفاف في معطيات العلم بما قدمتة الشريعة ، واعتقد ان مقابلة هذا بداك ضرورة عقلية لا مناص منها قبل ان يطلقوا شعاراتهم المستهلكة !!