هذي العيـون لهـا صبّ ٌ يحيّيها **** ودمع الشوق في عينـي يغشّيـها

والقلبُ صار ضعيفاً يشتهي وصلاً **** لكنْ تريّثْ يا قلبـي وداريـها

والله يشـهد أنّ الـروح تذكركِ **** في كل حينٍ وما شيءٌ يسلّـيـها

يا ليـت شعري إنْ أمضي إلى بلدٍ **** غريبَ الحال أقضي حاجتي فيـها

إنـّي ظننتُ أني قد أراكِ هنــا **** يوماً بقربي، والأحلام نمـضيـها

لـكنّ بحراً قد أمسى يبـاعدنـا **** والسفنُ تاهت لم ترسي مراسيها

لهفي عليها لو تحتـاجُـني وأنـا **** بُعدي يباعدُني عن أنْ ألبـّيـها

لهفي عليهـا إنْ أنـَّت أداريهـا **** لهفي عليهـا إن تحزن أواسيهـا

لهفي عليهـا إن تـبردْ أدفّئـهـا **** وإنْ هبـّت لها نـارٌ أطفّيـهـا

لهفي عليهـا إن تهمس لها شـفةٌ **** لهفي عليهـا إن ملّت أسلّـيهـا

لهفي عليهـا إن تاهت فأرشدهـا **** لهفي عليهـا إن تظمأ فأسقيهـا

وأعطيها رموش العين إن طلبـت **** وأقطع الدهر ملاحاً بعينيها

وأفرش الكون أزهاراً إذا وطِـئتْ **** وأعبد الله كي أدعو ليرضيـهـا

وأسهر الليـل تـوّاقاً أسامرهـا **** وإن تمرضْ بدمع العين أشفيهـا

وأضحك الدهرَ إن تضحكْ لها شفةٌ **** وأشغل الكونَ إن رفّـت مآقيها

وأتـبعُهـا إذا تمضـي إلى سفرٍ **** وإن خافت ففي جفني أخـبّـيها

وإن داسـت على أرضٍ لها قدمٌ **** سأعبد الأرض ما توطأ مواطيـها

قلبـي وروحي والأهواء سـاكنةٌ **** فيهـا، وشهد العمر في لمى فيهـا

يا ربّ ما ذنبي إن مهجتي خُطِـفت **** من غير علمي، وغيري كان واطيها

قد ساءلتنـي أن أنسى لياليـهـا **** إمّا نسيتُ فكيف الروحَ أنسيـها

قد ساءلتنـي أن أنسى وأهجرهـا **** لا عشتُ بعد نسـياني لياليـهـا

إمّا حييتُ فلا عينـي رأتْ بـدلاً **** لعينيها، ولا قلبـي بناسيـهـا

أو إنْ قتـلتُ، فإن الروح تحرسهـا **** تحيـا بقرب الروح كي تحيّـيها

لا قـدّر الله أن نمضي على مضضٍ **** لا قدّر الله أن يقضي ويقصيهـا

لا قـدّر الله هـجراناً وحـرماناً **** وغرباناً تنـوح العمر تبكيهـا

لا قـدّر الله آلاماً وأشـجـاناً **** وأيـاماً على حزنٍ نقضّيـهـا

هذي الحياة دموعٌ نحن نصنعهـا **** وإن شـئـنـا سعادتَنا نلاقيها

لا تصنعي الحزن، بل حبّاً وعاطفةً **** وأحـلاماً تجمـّعنا ونحميـهـا

وأشـواقاً وأمنيةً لنـا، وغـداً **** نمضـي سوياً في الدنيا ندانيهـا

بعد الوفاة ادفنوني قرب فاتنتـي **** لا يُضجرُ الموتُ في أرضٍ رنا فيها