كنت أعلم في إحدى قرى الريف السوري في الفترة التي توفي فيها المرحوم باسل الأسد , و طبعاً تعرفون القصة وتاليها ولكن الموقف المحرج الذي وضعت به وأنا من النوع الذي أكره الاحتفالات الجماعية و الخطابات و المسيرات و التصفيق والخطباء إن كانوا سياسيين أو من نوع خطباء يوم الجمعة
القضية وما فيها أنه وقد أقيمت الحفلات التأبينية للمرحوم باسل الأسد في كل مناطق وقرى القطر وفي تلك الفترة كان الجميع – يحب – أن يشارك طوعياً:) , على قول أحد أساتذتنا أيام المدرسة عندما كنا طلاباً أننا "سنخرج غداً" في مسيرة " عفوية " , المهم خصص مدير مدرستنا يوماً وجمعنا نحن و الطلاب وبدأ المدير في إلقاء كلمته وبما أننا متعودون على التصفيق ولا نملك إلا أن نصفق فقد حدثت عدة مفارقات مضحكة فقد كان من بين الطلاب أطفال صغار صف أول و ثاني ابتدائي وكان يكفي أن يصفق أي طفل ولأي سبب بدون طبعاً أن يفهم أي كلمة مما يقال كأن يقول الخطيب مثلاً : ( وفي هذه المناسبة ...) فيصفق الطالب حتى ترى الجميع مجبرين أن يصفقوا وراءه من أكبر أستاذ حتى أصغر مستخدم ويتكرر هذا الموقف كل دقيقة . لكن الموقف المحرج بالنسبة لي و الغبي بالنسبة للمدير عندما قال متوجهاً بالحديث لنا نحن الأساتذة والآنسات :

والآن لنقرأ الفاتحة على روح المرحوم الشهيد باسل الأسد .!!
وهنا ساد الصمت لحظة , بدت كأنها دهر فقد
انتبه المدير إلى أنه وضع نفسه في موقف محرج جداً :

فالانسات جميعهن مسيحيات وطبعاً غير مطلوب منهن قراءة الفاتحة ولن يلومهن أحد على ذلك . ومن بقي ليقرأ الفاتحة سوى أنا وهذا المدير الأحمق الذي ورطني وورط نفسه في هذا الموقف المصيبة .
فوقفت حائراً ماذا أفعل وقد دام الموقف لثوان بدت دهراً فعندما تطلب الأمر أن أصفق فقد صفقت وأنا صدقاً حزين على موت باسل الأسد ليس لأي من الأسباب سوى أنه إنسان .
ولكن الان يجب أن أقرأ الفاتحة و الجميع يعلم أنني غير معني بهذا الموضوع وأنني على قبر أبي لا أقرأ الفاتحة بل أقف صامتاً . فأخذت قرارا سريعاً أن أقف صامتاً مثل الانسات المسيحيات رغم علمي أن هذا الموقف قد يعرضني إلى عواقب قد تكون وخيمةأقلها التشكيك في وطنيتي و ليس ديانتي طبعاً إذ لا أحد يهتم . ومع هذه المحاكمة السريعة للموضوع قررت أن لا أقرأ الفاتحة ولو تمثيلاً إذ كان باستطاعتي أن أضم يدي وأمسح وجهي وأمثل أنني قرأتها.

و كان المشهد المضحك المبكي للمدير وقد وقف يقرأ الفاتحة لوحده وقد احمر وجهه خجلاً وقد بدا مثل إمام الجامع الذي يؤم المصلين وليس مدير مدرسة .

ومضت الأيام وأنا أتوقع كل يوم أن يأتي أحد – من الأحباب -إياهم ويسألني : ليش ماقريت الفاتحة ولا ...؟؟ ولكن هذا لم يحصل .!!