لا يهمني إن كانت أقراص الـ DVD مقرصنة أم أصلية، فالمهم هو مشاهدة الفيلم بنوعية جيدة وسعر بسيط، لذلك كنت كلما مررت بأحد الأكشاك التي تبيعها أتوقف للمعاينة.

وذات مساء، وخلال معاينة لأحد أكشاك ساحة باب توما، رأيته ...
رأيت المسيح ...

لكثرة الصور التي رأيتها تمثله، حفظت صورة وجهه، ولن أخطئ أبداً في التعرف عليه! ملامحه، عيناه، لحيته، وأجمل ما فيه شعره المتدلي على كتفيه. فارق وحيد غير مهم هو أن لباسه كان من نظام الجينز؛ وما المهم؟ فالمسيح رجل متفهم، ويعلم يقيناً أن القرن 21 مختلف عن القرن الأول. وذلك الشعر المسترسل لم يكن خرنوبياً كما اعتدت أن أراه في الصور بل كان من السواد الفاحم اللامع، وهذا حقه، فصبغات الشعر متوفرة برخص مدهش فلم لا يستعملها؟

كان يحرك رأسه وفقاً لتصاعد أو هبوط لهجة حديثه فتتحرك خصلات شعره يمنة ويسرة، يتحدث مع مجدليته الشقراء وقد قبض على ساعدها خوفاً أن تطير. حملتُ الفيلمين اللذين اشتريتهما، وكانت صورة المسيح تحتل غلاف أحدهما، وتركت بقية الأفلام ورائي وتبعته كما تبعه الحواريون من قبل وتركوا كل شيء وراءهم. كانت المجدلية الشقراء تعطي انطباعاً حقيقياً عن مجدليتها، فلن يشك أحد في أنها إحدى مجدليات صالات الديسكو المنتشرة في دمشق أكثر من مطاعم الفلافل.

اقتربت أكثر لأسمع تعاليم السيد، ففوجئت بلهجته الخليجية ...
يااااه ... هذا مسيح من نوع خاص!
فكما أنه للزنوج مسيحهم الأسود، وللهنود الحمر مسيحهم معتمر الريش، صار للخليجيين مسيح!
توغلا باتجاه القصّاع ... يبدو أنها سترغم فريستها على شراء بعض المكتسبات العينية، فلحقت بهما. ومن خلال بعض الكلمات الملتقطة في غفلة عن ضجيج الحي عرفت أنه سعودي.

توقفا أمام إحدى الواجهات، فاقتربتُ بوقاحة ...
كانا في شغل شاغل عني
فتماديت واقتربت أكثر ...
وتعمّدت أن أعاين وجهه بوقاحة أكثر، فأحس أخيراً ونظر إلي باستغراب وكذلك فعلت مجدليته مضيفة بعض نظرات التهديد حتى خيل إلي أنها ستزمجر كهرّة عندما تسحب من فمها قطعة اللحم النيء. لكنني نقلت نظري عدة مرات بين وجهه وبين غلاف الفيلم في يدي مبدياً استغراباً ودهشة مصطنعين مع بدايات ابتسامة، فضحكا ... تصنعت ملامح العَبَط، ورسمت إشارة الصليب على وجهي، فاسترسلت المجدلية في الضحك بينما تجهم وجه المسيح الأسمر فجأة، وقال: هذا حرام! فلكزته المجلية، وفطنت للتو إلى الصليب المتدلي من عنقها.

اكتفيت، ولم أتبعهما أكثر.
تذكرت، وأنا أتابعهما بنظراتي مغادرين المكان، أن أحد أصدقائي أيام كنا في الأمارات قرر أن يسافر إلى دمشق برّا، وعند عودته روى مغامرته على الحدود السعودية والتي تسبب في حدوثها طول شعره، حيث أصرّ أحد رجال الحدود على أن يحلق له شعره واصفاً إياه بالمخنث والمتشبه بالكفار! وبعد أخذ ورد وشد وجذب، اكتفى رجل الحدود بالتوبيخ.