جقل
عضو متقدم
المشاركات: 678
الانضمام: Oct 2004
|
قراءة فنيه "سورة العاصفة"
تبدو ظاهرة تقليد النص القرآني غريبة لأن العين لا يمكن إلا أن تميز بين ما هو أصلي و ما هو تقليد مهما كانت هذه العين "كليلة" و كأن حصانة خفية تغلف آي القرآن لتبعد عنه كل دخيل,رغم التشابه الظاهري الذي قد يكون واضحا لا يمكن أن ندرك سر تمييز ما هو قرآن و ما هو مختلف عنه, و الغرابة تظهر أكثر عندما يبدو النص"أي نص" المشابه للقرآن هزيلا و متهالكا بالمقارنة معه و قد يكون كاتب النص أديبا أو شاعرا أو متمكنا من اللغة إلا أن ذلك يهرب كله بمجرد أن تنعقد النية لمقاربة ما هو قرآني.نص العاصفة نموذج مثالي لما اقول للوهلة الأولى يبدو قريبا من القرآن و لكن الفحص الأولي يكشف مدى الخلل و الضعف الذي يلفه رغم أن صاحيه الختيار شاعر و صاحب تجربة جيدة يمتلك أدوات لغوية جيده و لكنه هنا يصاب "بالسكته البيانية" فجاءت عاصفته بردا و سلاما و لا تكاد تنقض وضوء و أليك الحكاية...
أراد صاحب العاصفة لعاصفته أن تحاكي الآيات المكية بقوالبها القاطعة الحاسمة و بدأ بقسم محاولا تقليد أقسام القرآن فكانت السقطة محطمة للأضلاع منذ القسم الأول و منذ الآية الأولى حيث يقول "و الذي خلق فقدر",هذاالقسم يستدعي فورا قسما مضحكا يقول "و حق الذي يقوم فيقعد"قسم يشبه قسم لا عبي الميسر على طاولة خضراء لا يمكن أن تأخذه على محمل الجد و يتابع ليقول "و رفع الشمس و القمر"يغوص الكاتب أكثر و يكاد يصل حتى الركبتين بتوريط نفسه بقسم من هذا النوع فلا ينتبه الى عدم جدية قسمة الأول و بدلا من محاولة تكحيلها يعميها فيهرب من الخلق و التقدير الى الرفع تشكيل يهرب بالقارىء من مكان الى آخر و يكاد أن يصيبه بالحول و تتابع الأقسام على طريقة "من كل قطر أغنية" حتى ينهيها.., السقوط المريع كان في آية و خلق الجنة و البشر في هروب مذعور من السياق القسمي الذي بدأ به حيث زاوج في البداية بين الخلق و التقدير ثم الشمس و القمر و لكنه هنا يخلط عباس و دباس بقرنه الجنة و البشر و كأنه يستجدي قافية الراء في البشر ولو قال الجنة و النار لكان ذلك أخف وطأه و لكن الأمر يبدو و كأنه فخ أراد الختيار أن يقع فيه طائعا مختار و قد فعل.
حالما ينتهي الختيار من قسمه نعتقد أنه سيقول لنا لماذا يقسم تلك الأيمان المغلظة التي أثار فيها غبارا و عجاجا كاد أن يسبب لنا سوء الرؤية,و لكنه فجأة ينسى أنه كان يقسم فيتودد الى الإنسان بقوله "أشريك مع الله العظيم", خطاب بهذا الود ,و الحميمة لا يتناسب مع قسم يثير كل ذلك الغبار فيتذكر الختيار قسمه فيستدرك سريعا "كلا و المطر" و هذا ليس أستدراك العارف بقدر ماهو أستدراك من "أكل خبطة" على دماغه أيقظته من سبات فأختلط عليه الصحو بالمنام فينفي الشرك بالله و يعاود القسم بمخلوق سبق أن اقسم به سابقا و هو المطر بما يشبه الفقدان المؤقت للذاكره مع قوله "و التراب إذا زفر" يتأكد فقدان الذاكرة تماما و كأن الختيار لم يمر عليه أختلاط المطر و التراب و ماذا يسبب مزج من هذا النوع فبدلا أن يحدثنا عن الطين يهرب الى فكرة الموت و لكن بشكل بائس يدعو الى الرثاء فلا يعرف من الموت إلا الحفر و هذه قد تستدعي الى الذاكرة ورشات صيانة الهاتف أو المياه و لكنه أبدا لن تستدعي فكرة الموت.عند هذه النقطة يستسلم لسجع مرسل يشبه سجع مقامات بديع الزمان الهمذاني و لكن بدون أن يكون له هذف محدد غير حشد أكبر عدد من المترادفات مثل "زمر,كفر,شكر,نحر ,قدر",يوحي مثل هذا الترادف المسجوع بعزائم السحرة و أحابيل المشعوذين أكثر من الكلم المقدس الذي يخاطب الأرواح, يخلص الختيار الى "نمرة" بيانية تصيب بالجمود لبرودها و ثقلها على النفس عندما يسحب الكلمات من نحورها و يجر المعاني من شعورها ليقول "تئز الأرض أزا وترز الرعود رزا و تنز القبور نزا" أزيز الأرض و رز الرعود و نز القبور كل هذا "المكس" موضوع في خلاط واحد يبرمه الختيار ليقول أن هذا "مثله"فلم نسمع عن أرض أزت و لا قبور نزت و لا حتى رهوت رزت, يصبح الشك أكبر في أن الختيار يهدف الى التطريب و الطرافة و ليس الى سبك المعاني الجيده ليحاكي القرآن و قد تعاظم مأزقه في هاته الأيات الثلاث التي لا تريد أن تقول شيئا و لا تريد أن تضيف الى سورة بل جاءت عالة عليها متمسحة فيها و كل ما تملمة غرابة حرف الزاي الذي يتكرر و كأنه أزيز الزلاقط أو الدبابير.
يتغير مزاج الختيار فجأة و دون سابق إنذار عندما يحدثنا عن يوم النفير و كأنه مخرج سينمائي فاشل ينتقل من مشهد كوميدي الى مشهد رعب فتختلط المشاعر و يضيع المضحك بالمخيف فيقول " انه يوم النفير" تذكر هذه الجملة بأفلام شارلي شابلن غير الناطقة عندما يضع المخرج كلمات الحوار مكتوبة على الشاشة لنعرف ماذا يقول الأبطال بنفس الطريقه ينبهنا الختيار الى أن مايلي هو يوم النفير و حسنا فعل لأنه لو لم ينبه ليوم نفيره لأعتقدنا أن خناقة تحصل أو "هوشة عربان" , و لكن ما هو يوم النفير الذي يعنية الختيار في سورة العاصفة يوم النفير هذا هو يوم تعصف العاصفة تتبعها القاصفة تعبير أجوف بثير قرقعة معنوية دون أي تأثير حسي و نتابع مع الختيار لنرى ما هو هذا النفير و لكنه فجأة يتخلى عن التسمية و يتبنى اسما جديدا هو يوم المشيب و لا يلبث أن يغير من جديد فبدلا من العاصفة التي تقصف يقول أطلقنا عليهم ريحا قاتلة يا أخي حيرتنا معك كيف تريد أن تقتل قوم نون هؤلاء هل بالعاصفة أم بالريح القاتلة و الملفت للنظر أن هؤلاء سيقاومون بالنحيب و النحيب هو البكاء بصوت منخفض كما تبكي الطلاب المشاغبون الذين ينتظرون عقاب معلمهم و هي صورة في منتهى الهزال ليوم اسمه يوم النفير أو المشيب فقد نتوقع اصواتا أكثر هولا من مجرد نحيب يصدر عن طفل صغير.
نص شديد الحيرة قلق يسودة اضطراب في ترتيب الأفكار و اضطراب في ترتيب المعاني ناهيك عن الشرود الذي هو آفة النص الرئيسية , آياته متنافره متدافعة يدفش بعضها بعضها و كأنها على خصام بل يلاحظ تآمرها على النص,ليس هناك فكرة رئيسية يدور حولها السرد, هي مجموعة من الخواطر لا يجمعها جامع تبدأ بقسم ثم تتوقف فجأة لتحدثك عن يوم النفير دون أن يكون للقسم معنى أو داع. وصف يوم النفير الذي يتحول ليوم المشيب اقرب الى الكوميديا بعد ذكر الحفر و الرز و النحيب و يقتل النص نفسه عندما يركض خلف بديع لغوي من صنف الجناس الذي يظهر في "السافلة" و "السالفة" و كأن النص كله "مصنوع" ليستعرض هذاالنوع من المقدرة البلاغية ففقد جانبة التحريضي و التعليمي و الروحي الموجود بالقرآن, لم يستطع النص أن يقترب من تلقائية السرد القرآني و موائمة الكلمة للجملة و الجملة للمعنى و المعنى للفكرة لتكوين عجين مغذ.
|
|
03-27-2006, 02:45 PM |
|