القرآن كنص أدبي سورة المسد نموذجا
القرآن كنص أدبي سورة المسد نموذجا..
نحترم القرآن كنص مقدس و لا نتعرض له بإهانة و لكن ما نؤمن به ينظر الى الأشياء بمنظار التقريظ و إذا نظرنا الى القرآن ذات النظرة فلن يقلل من قدسيته.
كانت سورة المسد من أوائل السور التي تعلمناها في مراحل الدراسة الأولى و لعلها السورة الثالثة أو الرابعة التي يشرع الطلاب بحفظها,سورة قصيرة سهلة ألفاظها ليست مستغربة فكرتها طريفة في البداية و تتحول الى رسم كاريكاتوري في نهايتها و طالب الإبتدائية يتخيل زوجة أبي لهب مقرونة بحبل من مسد يجرها من عنقها نكالا وفاقا لما تسوم به النبي من أذى و تعذيب.لا تأخذ الطفل الذي يقرأ سورة المسد أي شفقة بالسيدة المشحوطة من عنقها حتى و هو لا يعرف ذنبها لأنه يلقن في البداية أن هذا النص مقدس كل ما فيه صحيح و بذلك يتحول أبطال سورة المسد "أبو لهب و زوجته" الى مجرمين قبل أن يعرف ما قاما به.ربما تبدو هذه المقدمة بلا طعمة و لا تفيد ما نحن بصدده من تحليل أدبي, و لكن أجدها ضرورية لتبيان النقاط التي يكتسبها القرآن لنفسه بلا وجه حق.
يقول متذوقي القرآن أنه روح واحدة و نص متفوق " بالجملة" كنص يتألف من مائة و أربع عشر قطعة أدبية و "بالمفرق" على صعيد كل قطعة على حدى, و قد أخترت حلا سهلا بوضع أسوأ سورة من سور القرآن من الناحية الفنية و الدلالية و أكثرها فقرا بالمضمون , و خلوها من أي أشارة أو رمز ديني, تحت المجهر الذي أملكة,و هنا أريد أن اشير الى أن نص "المسد" ليس أدبا على الإطلاق لأن في الأدب جانبا خلاقا يقدم افكارا أو توصيات بلغة راقية ترتفع عن مستوى "لغو الكلام", أما نص المسد فهو مجرد رصف لغوي يؤدي معنى الهجاء, يمكن قسمة الى جزئين يشتم في أوله ابا لهب و يتوعده , و في الثاني يسخر من زوجة أبي لهب و يصورها كحمار يشد بحبل.و رغم ذلك سأحلل في هذا النص الفكرة ,و الأسلوب , و العاطفة,و الخيال و هذه العناصر ما يسمية شوقي ضيف عناصر الأدب "1".
يضع النص كل ثقله ليوجه أكبر قدر من الأذى المعنوي لشخص عبد العزى المعروف بأبي لهب و هو العدو الأول "للنبي", فقد كان "على حد قول كتب السير و التواريخ" يصف محمدا بالكذب و لا يوفر فرصة سانحة لإيذائه بالقول و الفعل, فلا يمكن فهم نص المسد خارج هذا السياق, و بهذا المعنى يصبح النص مجرد رد فعل أو دفاع عن النفس بصيغة هجومية من ذات صنف الفعل أي الشتم, و يمكن تلمس الأنفعال القوي من مباشرة النص الفوري و منذ الجملة الأولى بالشتم "تبت يدا أبي لهب" و ينطلق الى الجملة التالية التي تحمل كما من الحسدا و ضيقة العين من مال أبو لهب الكثير فيستهين النص بكثرة مال أبو لهب قائلا "ما أغنى عنه ماله",رغم أن كثرة المال كانت من دواعي الفخر في ذلك العصر و تبدو فكرة الإستهانة هنا بكثرة المال عديمة الفائدة و لا تحقق غرض الأهانة المقصود من مجمل النص,يستدرك النص نفسه ليعلل سبب عدم جدوى المال بقوله "سيصلى نارا ذات لهب",و الحرق الشديد بالنار علىلا الصورة المذكورة يؤكد مفهوم الحقد على شخص أبي لهب , حيث لن تفتديه أمواله و لن تحول بينه و بين أن يكون وقودا لنارا ليست عادية بل نارا ذات لهب كناية عن ضخامتها, هذه الضخامة المقصودة للنار هي أنعكاس لضخامة الغل المحمول على ابو لهب,و هو ذات الغل الذي يحملة موتورر أو صاحب ثأر شخصي لا يقبل أن يقتل غريمة إلا بيده و على أبشع صورة و يؤكد عدم قبولله لأي فداء مهما كان كبيرا,و يخلص النص الى القول "أمرأته حمالة الحطب, في جيدها حبل من مسد", و في هاتين الجملتين الأخيرتين توكيد على العذاب الذي سيحيط ليس بأبو لهب فقط بل بعائلته أيضا و لم يخل هذاالجانب من سخرية مرة يلفظها النص كمن يبصق على جثة غريمه.
الفكرة هنا هي الإنتقام, و قد عبر النص عن فكرته بطريقة ذاتيه لم يرى فيها إلا الجانب الشرير الخاص بتنفيذ عملية الحرق, و قد ظلم النص قارئة بشده عندما حرمة من معرفة سبب هذه الثورة العارمة المؤدية الى الإنتقام,فالنص ناقص بشكل حاد و يفتقر الى الجانب الذي يشرح سبب الثورة على أبي لهب و زوجته فليس من المفروض على كل قارىء لسورة المسد أن يعرف الخلفية التاريخية لشخص ابي لهب,ولا يخفى الجانب المتعالي المترفع للنص الذي يكاد يصل الى حد أحتقار القارىء بحرمانه من معلومة هي حق له.حتى تكون الفكرة واضحة يفهمها القارىء يجب أن تذكر كل حيثياتها و ظروفها و هي أبسط العوامل التي يؤؤدي بالقارىء الى تفهم المزاج الحاد الذي ساد النص من بدايته و الى نهايته.
كان النص أنفعاليا تحركة موجة عصبية ,بدا أسيرا لها أحيانا,و حتى القافية التي جاءت على حرف الباء الذي يلفظ من الشفاه تشير الى شخص يبصق, و قد لا يتمالك من يتلو سورة المسد نفسه من أخراج بعض اللعاب و حرف الباء يتتابع متساوقا عند أنتهاء الآيات, الكراهية التي تتموج في النص تفصح عن نفسها ايضا بتوق الى ايقاع أذى جسدي "تبت يدا",ميل الى التشوية يهرب بالنص الى الشذوذ بكل جدارة,و رغم ما في النص من حقد و كراهية فأنه لم يستطع مداراة قلة حيلته وو قد كشف عجزة بقولة "سيصلى",و هو فعل مستقبلي طويل الأجل من المحتمل أن ابو لهب ذاته لم يأخذه على محمل الجد.عبر النص عن عما يجول في نفسه و فشل في إظهار الكراهية بأي لبوس فجائت فجة ثقيلة و مؤلمه, لا يلبث النص أن يبكيك على نفسه بقوله "سيصلى".
لم يوفق النص في تعابيره فأراد أن يظهر بمظهر الغاضب و لكنه ظهر بسحنة الكاره, أراد أن يظهر بمظهر من ينتقم لأمر وقع له فتلبس شكل الموتور الحاقد, و حين حاول أن يخفف دمة ووقع ألفاظه فوقعت حمالة الحطب ضحية حبل معقود في رقبتها بدون اي مبرر إلا أنها زوجة أبي لهب و النص نفسه من أوحى بذلك بإعترافه قائلا "و أمرأته حمالة....",هنا النص بدا أرتجاليا ليس لديه مانعا في أستخدام أي وسيلة تقع تحت يده ليعبر بها فحانبه التوفيق وقد سدد سهاما موجعة لسيده,و بهذا ضرب مثالا شيئا في التسامح و مثالا آخر في الغضب الذي يقع على الجميعع بمجرد أن يخطأ واحد.
لا أثر لأي خيال في سورة المسد, كتب النص باقرب لفظ الى لسان الكاتب دون أستخدام صورة واحدة, و لعل الخيال الملمح الأهم في الأدب و خلو أي نص خواء النص من الأدب نفسه, و تحولة الى مجرد إطار هزيل منزوع اللوحة,سورو المسد مجرد و صلة سباب,تلفظ بها غاضب لدية بعض الحس الشعري.
|