من المؤكد بأن "الطائفية" وتعريفاً لدي هي "الحكم على شخص أو مجموعة مسبقاً من خلال ما يعتبره شخص ما تعبيراً عن هوية الشخص المقابل أو المجموعة التي يحكم عليها".
هذه الطائفية هي لدي شرٌّ مطلق، تنتمي لطبقة من الأفكار الهدّامة التي تنفي من ناحية خصوصية الإنسان كفرد ومواطن، والتي تقبع من ناحية أخرى في جملة من الأحكام المسبقة على الأشخاص كمجموعات، كالحكم على اليهود بأنهم حكماً كذا، أو أن الشيعة "مذا" وأن المسيحيين "بطيخ" والـ "علويين" شمام. هذه الأحكام تطلق على عواهنها أيضاً من قبل الأقليات على مجموعات الأغلبية رغم أنه ليس لها نفس الزخم بحكم الكثرة العددية عموماً للأغلبية.
هذا إذاً ما أراه شراً مطلقاً لا تبرير له ولا مهادنة معه بل "هدماً هدما". هذا تفكير يعدم طاقات البشر ويشتت الصراعات بصراعات عامودية تهدم الوطن وأبناء الوطن.
ولكن هناك خلفيات ثقافية، هنا يمكن الحكم على الاختلافات من نوع الإغناء والثراء الثقافي بكل أنواعه لوطن ما، فوجود مجموعات لها خلفيات ثقافية مختلفة هو غنى لهذا البلد لمن يعرف استخدامه، هي طاقات بناءة إذاً.
فالملحد ذاته الآتي من خلفية ثقافية مسلمة أو مسيحية، سنية أو شيعية أو علوية، يختلف بخلفيته الثقافية وهذ الأمر ليس عيباً ولا معيباً، ليس هدّاماً إلا بقدر ما تقمع الأغلبيات هذه الطاقات الكامنة برأيي.
أذكر ههنا قصة حدثت معي منذ سنين إذ كنت معزوماً على حفل إفطار برمضان، وكنت الملحد الوحيد، قبلت دعوتهم بلطف، وذهبوا ليصلوا سوياً، بآخر الحفل الإفطاري الساهر، ترك العزومة زميل لنا شيعي، فجعل الجمع يتحدثون عنه بأنه خلال الصلاة (التي لم أحضرها) لاحظوا أن زميلهم الشيعي ذهب ليصلي من جديد ولوحده، فصاروا يهرجون بأنه من المؤكد وبما أنه شيعي يعتبر أن صلاته خلف سني غير مقبولة، فتدخلت لأقول لهم بأني لا أعتقد بأن ذلك صحيحاً ذلك أن الشيعة تجمع صلاتي المغرب والعشاء بوقت واحد، ومن المؤكد أنه ذهب لصلاة العشاء لا أكثر ولا أقل. خطأ زميلنا الشيعي والذي لم يرغب بأن يحدثهم عن هذا الخلاف المذهبي، هو عدم رغبته بمصارحتهم بهذا الخلاف. وخطأ البقية من السنة هو بأنهم يغرقون بهواجسهم الطائفية دون محاولة فهم الأسباب فيخلقون لها أسبابا متخيلة.

يكون الاختلاف دوماً إثراءً حين نعرف كيف نستغله ليصبح كذلك. ويصبح طائفية مقيتة وشراً مطلقاً حين يكون حجة وسبباً لتفريق أبناء الوطن الواحد.
رأيي الخاص بأن أحد أهم أسباب هذا، هو عدم المصارحة وعدم الحديث عن موضوع الأقليات وكأنه عيب نريد أن نخفيه، بينما هو أمر موجود ولا بد من الحديث عنه.
من ناحيتي أستمتع كثيراً ولدي فضول كبير للاستماع لقصص المذهب الشيعي وعاداتهم، مثلاً حفلات عاشوراء وقصص فاطمة رغم الحزن الذي يعتمرها، وكيف كسر ضلعها وفقدت ابنها، مما أسس لفن شيعي جميل جداً في هذا المجال.

هناك الكثير نبنيه سوياً، وبالطبع فإن كون الشخص ملحد أصلاً لا يمنعه أن يكون لديه خلفية ثقافية، فبالطبع من جاء من بيئة شيعية سينقهر حين يسمع عن الخرافات حول الشيعة من قبيل "التشريق" المقذع، والاتهامات بتأليه علي وما غير ذلك ويرى لإحقاق الحق بأن عليه أن يدافع ويبين تلك الحقائق. ومن معرفتي للدروز مثلاً كنت أرى الاتهامات من السنة لهم بعبد العجل غاية في الإضحاك والتضحيك. وهلم جراً.
كما أني وكإنسان من خلفية مسلمة وثقافة مسلمة كثيراً ما أدافع أو أصحح الأفكار الخاطئة عن الديانة الإسلامية في فرنسا حين أستطيع لذلك سبيلا رغم إلحادي.

أرى إذاً؛ أن الطائفية كما عرّفتها أعلاه هي شرٌّ مطلق، وأن الخلفية الثقافية بما فيها الدينية، هي ذات حسنات وإثراءات ونبع لا ينضب، بشرط توفر جو المواطنة الحقيقي في البلاد للعباد.

فقبل أن نرمي الأقليات بحجر الولاء للغير، فلنجعل من البلاد بلاد مواطنة، لا يحتاج بها أحد أن يبحث عن كيانه الوطني خارجها. وحينها فقط فلنرمي الآخرين بحجر.

(f)