الجريمة و الخازوق..
الجريمة و الخازوق..
نعرف الخازوق بأنه عصا أو قضيب "سيخ" معدني طويل أو قصير, ثخين أو "رفيع" مدبب الرأس, أو غير مدبب الرأس قد يطلى بمادة ملينه عند إستعماله و قد لا يطلى , يستعمل لقتل و تعذيب البشر, يتم إدخاله في الظهر أو البطن أو الفم أو الفرج عند أستعماله للسيدات ,وكثيرا ما يغرس عن طريق الدق "كما يدق المسمار" في فتحة الشرج لما يحمله هذا المكان من دلالات و معاني "عميقه", و يمكن أن يرفع المحكوم و يلقى على الخازوق من عل .المواضع السالفة الذكر ليست حصرية حيث يمكن إدخاله في أي مكان طالما كان الجسد مباحا, راجت طريقة الإعدام على الخازوق في المنطقة العربية في فترتي الحكم المملوكي و العثماني و ليس مصادفة أن تكون الفترتين المذكورتين من أحلك الفترات و أشدها وطأة,لذلك يمكن أن نقيس مدى تطور المجتمعات حسب طرق الإعدام المستخدمة,هناك دول تفصل الرؤوس عن الأجساد, و دول تستعمل "حبل المسد" لتخنق الضحية,و دول تستعمل التكنولوجيا عن طريق الصعق بشحنه كهربائية مقدارها عشرين ألف فولط,أو الحقن بالسموم الكيمائية, أو إجبار الضحية على أستنشاق غاز قاتل.القتل على الخازوق طريقة "نسخت تلاوة" و ما زال معمول بها "روحا" لأن فتحات الشرج تعددت و الخازوق واحد.
آلام الموت على الخازوق رهيبة و مروعة لذلك كان المحكومون يتوسلون لقتلهم بغير الخازوق, فقد يقضي بعضهم يوما و ليلة "مخوزقا" يعاني آلاما مبرحة قبل أن يموت, و يعد الموت خوزقة من خيبات الأمل الكبرى التي يتعرض لها المحكوم بالموت بإعتبارة يتوقع أن يموت بطريقة أسلس و أسرع, و ما زلنا حتى هذا اليوم نقول عن شخص خاب أمله "تخوزق",الألم الثاني هو معاناة نفسية مهولة فلن يكون سعيدا من ينظر الى نفسه و قد دخل فيه مسمار من أسفله و خرج من كتفه الأيمن,و للدخول الموارب للخازوق بهذه الطريقة حكمة يقتضيها منطق تحاشي أختراق الأعضاء "النبيله" القلب و الرئتين, و محاولة الخازوق الهروب منها ليس إكراما لنبلها و لكن لإطالة أمد حياة الضحية ليستمتع قدر الإمكان بجلسته غير المريحة على وتد قاس.يذكر ابن طولون في كتاب مفاكهة الخلان بعضا من معاناة المخوزقين الطويلة فيقول عن أحدهم:
" وفيه (924 هجرية) ربط شخص من الأروام في حبل،، مربوطاً في دابة، وطيف به ظاهر دمشق مسحوباً، ثم إنه خوزق تحت القلعة في بطنه، واستمر يتحدث إلى العشاء، فجاء المشاعلي فذبحه حتى مات، ولم ير أبشع من هذه القتلة، ويقال سببها أنه قتل أستاذه وأخذ ماله ." و هذه خوزقه بسيطة من البطن فقط,أما الخوزقة من الدبر فيرسم لها بدر الدين العيني في كتاب عقد الجمان في صورة محاورة بين محكوم بالخوزقة و أسمه قطلوشاه و حاكمه و اسمه دوباج فيقول:
" ثم أمر بعد ذلك بأن تنصب لهم خوازيق، فلما نظر قطلوشاه إلى ذلك عرف ما يريد به وبكى وتحسر، ونظر إلى دوباج، وقال له: يا أمير ارحمني، فالله عليك لا تهلكني بهذه الخوازيق، واعلم بأنك ميت بعدي، وبلادك تخرب، فقدم إلي حبلاً، وما يضيع فيّ، فقال له: يا كلب بن كلب ما عملت معي من الخير حتى أقدم لك جميلاً، وقد قتلت ولدي وقطعة كبدي. فأمر لمماليكه بأن يشيلوه فشالوه، وهو يبكي ويقول: هل من مخبر يخبر خربندا بحالنا، وما نحن فيه، وأرموه على الخازوق فدخل في دبره وخرج من ظهره.".
"ولاة الأمر" كانوا يخوزقون حسب المزاج ,أو حسب الجريمة ,كان تصرفهم طريفا في أحيان كثيرة إزاء المجرمين, فقد أمر مصطفى باشا والي دمشق العثماني بعد رجوعة من الحج في أحدى السنين بإطلاق كافة "المحابيس" و في العام التالي أمر بخوزقة المحابيس جميعا,أما العصاة و الخارجين على ولاء السلطة فهؤلاء نهايتهم الخوزقة دون أدنى شك , لعظيم الذنب المقترف,و لا مجال ابدا للعفو عنهم, لذلك كان الخارج على السلطان يعرف بأنه أما أن يجلس على كرسي الحكم أو يجلس على خازوق.و يعمد الوالي الى أرهاب الناس و ضمان الأمن بهذه الطريقة , يقول في ذلك ابن طولون في مفاكهة الخلان:
"وفيه خوزق شخص من منين، غربي المارستان القيمري بالصالحية، ولم يعهد قبل ذلك أنه خوزقه فيها أحد، خوزقة الصوباشي بنفسه، وقصد بذلك ردع زعر الصالحية، ثم وجه لكل حارة من حارات دمشق خازوقا ليفعل فيها ذلك، وسبب تخوزق هذا الشخص أنه ظهر أنه حرامي."
و حكى المقريزي في السلوك لمعرفة دول الملوك عن شخص يدعى ايدمر الشمسي القشاش فقال : وكان يعذب أهل الفساد بأنواع قبيحة من العذاب منها أنه كان يغرس خازوقاً ويجعل محدده قائماً، وبجانبه صار كبير يعلق فيه الرحل، ثم يرسله فيسقط على الخازوق فيدخل فيه ويخرج من بدنه، و لم يجرؤ أحد من الفلاحين بالغربية والشرقية في أيامه أن بلبس مئزراً أسود، ولا يركب فرساً ولا يتقلد سيفاً، ولا يحمل عصا محلية بحديد".
المبالغة في أيقاع أكبر الأذى بالخصم يقصد منه الإنتقام و ليس الإلغاء فقط, و في أحيان أخرى يقصد منه تحقيق أكبر كمية من العدل و كأن العدل يقاس بحج الألم الواقع على الجاني, و هذه الفكرة ما زالت رائجة حتى الآن,بحيث يتفنن الجمهور في إبتكار طرق قتل شخص اقدم على اقتراف جريمة بشعة بتقطيعه الى "شقف و كباب" أو نشره بالمنشار الكهربائي الى أجزاء..الخ.
ما بين أيقاع أكبر كمية ممكنة من الأذى التي يطلبها الحاكم , و ما بين خيبة الأمل التي يتلقاها المحكوم يمكن أن نرسم صورا لخوازيق كثيرة,تدق إثر بعضها البعض و قد لا تتحملها مؤخرة واحدة,و من هذا الباب أطلق شخص أعرفه على نفسه لقب "أبو طيزين".
|