وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ
القرآن الكريم المعجزة الإلهية التي أوحى بها الله تعالى لسيدنا محمد عليه السلام لا يزال يقدم لنا المعجزة تلو المعجزة....في هذا الموضوع سوف أقدم لكم نبوؤة من نبوؤات القرآن الكريم تتعلق بأحداث العصر الحاضر وأهم اختراعات التي تمت فيه.....بعض هذه الاختراعات على قدر كبير من الأهمية وكان له دوي عظيم وتداعيات كبيرة على المستوى العالمي .......إحدى هذه النبؤات تتعلق بأخطار الإبادة النووية (Nuclear Holocaust).
وقد جاءت هذه النبوءة في زمن ما كان للإنسان أن يتصور وقوع إنفجار نووي مهما جمح به الخيال أو هامت به الأفكار. ولكن.. كما سنبينه فيما يلي.. هناك بعض الآيات المعينة في القراّن الكريم تتحدث بوضوح عن أجسام دقيقة تبدو وكأنها عديمة القيمة, ولكنها توصف بأنها مخازن لطاقة عظيمة, وكأن نيران الجحيم الموقودة قد أغلق عليها بداخلها. ومما يثير العجب والدهشة البالغة أن هذا هو بالضبط ما تذكره حرفيا الاّيات التالية:
[CENTER]بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ[/CENTER]
وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (9)
أي الويل لكل مغتاب عياب، الذي جمع ثروة من الأموال وأخذ يعدها ويكرر عدها مرة بعد أخرى, وهو يتصور أن هذه الأموال سوف تمنحه الخلود والبقاء. كلا! إنه سوف يُطرَح في "الحطمة", وما يدريك ما هي " الحطمة"؟ إنها نار موقدة من لدن الله تعالى, سوف تنفذ إلى القلوب. إن هذه النيران محبوسة داخل أعمدة تتمدد فتكون أعمدة من النيران.
هذه السورة القصيرة تحمل في كلماتـها الكثير من العبارات والمعاني المذهلة, والتي كانت بعيدة تماما عن افكار وتصورات الناس في ذلك الزمن الذي ذكرت فيه. وإنه لمن العجيب حقا أن يذكر القرآن المجيد أن أولئك الأثمين الذين يتصفون بصفات معينة.. سوف يقذفون في "الحطمة", وهي تعني الجزيئات الصغيرة الدقيقة التي نراها عادة تسبح في الهواء عندما يتسرب شعاع من الضوء الى داخل حجرة مظلمة.
وتذكر القواميس المعتمدة للغة العربية أن للفظ "الحطمة" أصلين.. لكل منهما معنى خاص. الأصل الأول وهو "حَطَمة", بفتح الحاء والطاء, بمعنى "دق وسحق" أو "جعله قطعا وأجزاء صغيرة جدا". والأصل الثاني هو "حِطْمة" بكسر الحاء وسكون الطاء , بمعنى "الجزء الصغير الذي لا قيمة له". والحطمة هي الجزء الذي ينتج عن دق شيء وكسره وسحقه وتحويله إلى أصغر مكوناته.
ويمكن أن ينطبق هذان المعنيان على أصغر أجزاء من أية مادة يمكن أن تنقسم إلى أصغر أجزائها القابلة للإنقسام.
وحيث إن فكر إنشطار النواة لم تكن قد ولدت بعد منذ أربعة عشر قرنا من الزمان, فإن أقرب تعبير يصف هذا الإنشطار هو لفظ" الحطمة" وهو اقرب ما يكون من "atom" من ناحية اللفظ أيضا. ولا يكاد المرء يفيق من العجب لما يعلنه القرآن الكريم من أن يوم ما سوف يأتي حين يلقى الإنسان في أتون الحطمة, اي في جحيم الإنشطار النووي, حتى يتبع القرآن ذلك بذكر امر آخر أكثر عجبا وأشد إثارة للدهشة.
فالقرآن المجيد يبين ويشرح ماهية الحطمة, فيقول إنها نار الله الموقدة, وإنها مؤصدة داخلها ومحبوسة في أعمدة ممتدة. كذلك فإنه يقول إن الإنسان حين يلقى في هذه النيران فإنـها سوف تنفذ إلى قلبه مباشرة وكأنه لا يوجد ما يمنعها من قفص صدري أو أي شيء يقف في طريقها. وهذا يشير إلى أن هذه النار مختلفة تماما.. فهي تهلك القلب قبل أن تحرق الجسم الخارجي. ومن المعلوم أنه لم يكن الإنسان في ذلك الزمن يعرف نارا يمكن أن تنفذ الى القلب مباشرة بـهذا الشكل الذي جاء وصفه في الاّيات الكريمة.
ولكن ليست هذه وحدها جميع العوامل المثيرة للدهشة والعجب في هذا الوصف, فما يأتي بعد أشد غرابة وأكبر عجبا. فقد ذكر عن هذه النار أنـها مؤصدة في أعمدة ممتدة, وهي تنتظر أن تنفذ إلى قلب الإنسان حين يأتي الزمن الذي تنطلق فيه هذه النيران من محبسها. إنـها حقا دهشة بعد دهشة, وعجب يتلوه عجب, يتراكم جميعه في نطاق هذه العبارات القليلة والاّيات البينة التي تحتويها هذه السورة الكريمة. فأولا يأتي الإعلان بأن زمنا ما سوف يجيء حين يلقى الإنسان في أصغر جزء من أجزاء المادة.. أي "الحطمة", ثم يأتي وصف هذا الجزء الأصغر من المادة وما يحتويه من النيران, وأن هذه النيران محبوسة في أوعية تظهر في شكل الأعمدة الممتدة.
ولا يعني قذف الإنسان في هذه الحطمة الصغيرة الدقيقة أن فردا واحدا سوف يقذف فيها, فالإنسان هنا إسم عام, وقذفه في الحطمة يعني خضوع جنس البشر لآفتها ومصائبها التي يهلك فيها. وقد صار من الممكن حدوث هذا في زمننا المعاصر فقط, حين استطاع الإنسان أن يكتشف أسرار الذرة ونواتها بما تحويه من خزائن الطاقة الجبارة. وهذا هو الزمن الذي يمكن فيه لهذه الطاقة أن تنطلق من محبسها وتكتنف مساحات شاسعة تبلغ الألوف من الأميال المربعة, بكل ما تحتويه هذه المساحات من مبان أو نبات أو إنسان. وهكذا فإن الأمر الذي كان من المستحيل حدوثه منذ أربعة عشر قرنا من الزمان قد صار اليوم أمرا حقيقيا معروفا, يستطيع أن يفهمه الجميع حتى الأطفال.
إن أكثر تعبيرات العجب إطنابا لا تعطي هذه النبوءة العظيمة حقها في الوصف والتعبير. ولا يقل عن ذلك عجبا أن الناس في الأزمنة الماضية لم يدركوا أهمية هذه السورة القصيرة.. سورة الهمزة, وإلا لكانت قد نفذت إلى عقولهم وعقائدهم. فكيف لم تلفت هذه الاّيات أنظارهم ولم يثر أحد منهم إعتراضا أو تساؤلا عن كيفية دخول المرء في حطمة دقيقة, ولعلهم ظنوا أن هذه الاّيات لا تتعلق بأحداث هذا العالم, وإنما تنطبق على العالم المجهول الذي يختص بالحياة الاّخرة. لذا فقد تجنب العديد من المفسرين الخوض في تفسير هذه الاّيات إلى يوم البعث والنشور, ولكن بغير تقديم أي دليل لإثبات أنها كذلك. بغير إدراك المعاني الحقيقية التي تحويها هذه الاّيات الكريمة.. كان من السهل عليهم أن يلقوا بـها إلى نطاق عالم المجهول.
وكان المستشرق سيل (Sale), أحد المستشرقين الغربيين الذين قاموا بترجمة القراّن الكريم إلى اللغة الإنجليزية, قد واجه المشكلة نفسها لدى ترجمة كلمة "الحطمة" حرفيا. وببساطة.. قال سيل إن الاّية تعني أن عددا كبيرا من الناس سوف يلقون في (Al-hotamah) بغير أن يترجم كلمة "الحطمة" إطلاقا. وبذلك لم يكن أمام الناطقين بالإنجليزية أية سبيل للإعتراض على إمكان إلقاء عدد كبير من الناس في جزيء دقيق متناه في الصغر. وحيث أنهم كانوا يجهلون تماما ما تعنيه كلمة hotamah فقد أعطوا لخياله العنان في تصوير أنها عبارة عن بـهو واسع كبير من النيران المتقدة وتسمى حطمة. وبـهذه الاستراتيجية أنقذ "سيل" نفسه من الارتباك الذي واجهه في ترجمة الكلمة, بيد أنه فشل في نفس الوقت أن يعطي هذه النبوءة المدهشة حقها الذي تستحقه.
عن المستشرقين:
كانت الجامعات البريطانية- وما زالت- من أهم مراكز الاستشراق في أوروبا؛ ففي ثلاثينيات القرن السابع عشر أسست جامعتا "أوكسفورد" و"كامبردج" فروعًا للدراسات العربية، في الوقت الذي انتعشت فيه حركة الترجمة عن المؤلفات العربية في مجالات العلوم العديدة.
وكانت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم من العربية إلى الإنجليزية مباشرة تلك التي أنجزها المستشرق "جورج سيل" المولود في لندن في حدود عام 1697، والمتوفَّى سنة 1736، وظهرت في لندن عام 1734. وسبق ذلك ظهور ترجمة إنجليزية غير مباشرة لمعاني القرآن الكريم، مثل تلك المترجمة عن الفرنسية في عام 1688، وكانت الترجمة الفرنسية المشار إليها قد أنجزها "دي ريير" في عام 1647.
إن النار التي تتحدث عنها، سواء كانت لهيبا مدمرا هنا على الأرض أو جحيما مستعرا في الآخرة، لا يمكن بأية حال من الأحوال ضغطها وحبسها في نطاق المكان الصغير المتناهي في الصغر الذي تشغله "الحطمة". غير أن هذه لم تكن هي المعضلة الوحيدة التي واجهت "سيل" والمفسرين الأوائل. فماذا عن النيران المحبوسة في أعمدة ممددة, وهو أمر كان من المستحيل تصوره قبل أن ينبلج فجر العصر النووي؟ اما الاّن فقد أمكن أخيرا حل اللغز المستعصي واتضحت تماما جميع اركانه.
وما لم يكن المرء على معرفة بالتوصيف العلمي لكيفية حدوث الانفجار النووي والتغيرات التي تحدث نتيجة لذلك داخل النواة, فإنه يصعب على المرء أن يفهم تماما معنى التعبير القراّني: {في عمد ممددة}. إذ يصف الخبراء في شؤون الإنشطار النووي الحالة الحرجة للكتلة التي توشك على الإنشطار بأنها تتمدد وهي تخفق وتنبض تحت الضغط الهائل الذي يتنامى بداخلها. وينتج الضغط بسبب الإستطالة والتمدد الذي يحدث للأنوية قبيل إنشطارها, وأثناء هذه العملية ينشطر عنصر من ذوي الأوزان الذرية العالية إلى عنصرين كل منهما له وزن ذري يقل عن العنصر الأول . والجموع الكلي للأوزان الذرية للعناصر المتكونة تقل عن الوزن الذري للعنصر الأول, الذي عادة ما يطلق عليه اسم العنصر الثقيل. والجزء البسيط من الأوزان الذرية التي تم فقدها في هذه العملية يتحول إلى طاقة. وهذا لا يشكل بالطبع النمط الوحيد للقنبلة النووية, ولكننا اخترنا هذا النمط البسيط لوصف عملية العمد الممددة.
وحين ننتقل إلى موضوع كيفية نفاذ هذه النيران إلى القلوب مباشرة, نقدم في ما يلي التفسير العلمي لهذه الظاهرة:
عند لحظة الإنفجار.. تنطلق على الفور كميات كبيرة من النيوترونات وأشعة جاما وأشعة إكس, وترفع أشعة إكس درجة الحرارة إلى مستويات عالية جدا تشبه درجة حرارة الشهب عند اصطدامها بالغلاف الجوي, وهي بذلك تكون كرة كبيرة من النيران ترتفع بسرعة إلى أعلى على متن الحرارة الشديدة المنبعثة نتيجة للإنفجار النووي. وهذا هو سرادق النار الذي يرتفع بما يشبه شكل نبات عش الغراب, وهو ما يمكن رؤيته في كل مكان من مسافات بعيدة.
كذلك تنطلق أشعة إكس مع النيوترونات في إتجاه جانبي, وإلى جميع الإتجاهات, فتسبب ارتفاعا شديدا في درجات الحرارة, مما ينتج عنه احتراق كل شيء في طريقها. وتفوق سرعة حركة هذه الموجة الحرارية سرعة الصوت عدة مرات, فتخلق أيضا موجات اهتزازية رهيبة. غير أن الأسرع من كل هذا والأكثر نفاذا, هي أشعة جاما التي تسبق سرعة إنتقال الجبهة الحرارية, حيث إنها تتحرك بسرعة الضوء. وهذه الأشعة تتردد بسرعة كبيرة جدا حتى إنه بمحض تأثير سرعة ترددها هذا.. تنفذ على الفور إلى القلب وتصيبه بسكتة فورية. فالموت لا ينتج بفعل الحرارة الشديدة الحارقة الناتجة عن تأثير أشعة إكس, بل إنها الطاقة الجبارة لأشعة جاما هي التي تسبب الموت الفوري. وهذا هو بالضبط ما يقرره القراّن المجيد.
كذلك يذكر القراّن في سورة الدخان أن سحابة قاتلة من الدخان المحتوي على الإشعاع المهلك سوف تكتنف الناس, فيقول :
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) الدخان
وتتضح خصائص هذه السحابة الدخانية بشكل أكبر من الاّيات التالية:
انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) المرسلات
إن كلمة {إنطلقوا} تشير إلى أن الإنسان سوف يتوجه تدريجيا إلى مرحلة زمنية حيث يكون عليه مواجهة هذه السحابة الدخانية الرهيبة التي لا تمنح ظلا ولا توفر حماية. فالظلال تمنح الحماية من الحرارة الشديدة, وتقف السحب حائلا بيننا وبين الحرارة المستعرة لأشعة الشمس. ولكن لا يوجد في هذه الاّيات ذكر للشمس؛ وإنما ذكر اللهب وشرر النيران التي لا يحجبها ظل ذلك الدخان؛ بل إن ظل ذلك الدخان, نفسه هو الوسيلة التي تنقل العذاب الأليم تشعه تلك النيران, فلا ينجو شيء من هذا الظل, ولا يكون أحد في مأمن الاحتراق. وهذا الوصف الدقيق لتأثير سحابه الإشعاع النوري. وبالأضافه.. فإن هذه السحابة الدخانية سوف تموج فيها النيران حتى إن ألسنه اللهب والشرار المتصاعد يبدو في لون الجمال ذات اللون الأصفر الفاقع ، بينما يبلغ حجم ذلك الشرر حجم القصور والقلاع. ولعل أوجه الشبه بين ألسنة اللهب والِجمال ليس فقط في اللون، وإنما في كل انحناءات سنامات الجمال أيضاً.
إن الناس الذين كانوا يعيشون في القرن السابع الميلادي.. حين نزلت هذه الآيات الكريمه.. لم يكن لديهم التصور اللازم لإدراك خطورة هذه السحابة الدخانية القاتلة, فإن كيفية حدوثها كان أبعد مما تعيه مداركهم.أما اليوم فإننا ندرك ماهية الانفجارات النووية ونعلم حقيقة السحب المشعة التي تنتج عنها.
ويمكن أن تشير لفظة " يَوْمَئذٍ" إلى يوم القيامة, كما يمكن أيضا أن تشير إلى زمن هنا علي الأرض, حين يرفض أولئك "المكذبين" الإيـمان بآيات الله تعالى, فيغشاهم عذاب أليم من دخان يلقى بظلال الموت والهلاك على كل ما يوجد من تحته. وسوف تتحرك هذه الظلال المميتة وتنقل من مكان إلى مكان, فلا تحمل في طياتـها أي أمن أو سلام, بل ظلال من عذاب وآلام. وذلك هو الزمن الذي حين يشهد فيه الإنسان ذلك العذاب الأليم, فحينذلك يعود ويرجع أخيرا إلى الله تعالى, ويسأله أن يرفع عنه هذا العذاب الذي لا يحتمل. غير أن غضب الله سبحانه حين ينـزل بساحة قوم.. يكون زمن العفو والمغفرة قد ولّى وانقضي.
إن النبوءات التى تحتوي على تحذير وإنذار إنما تهدف إلى إيقاظ الإنسان وتنبيهه إلى أخطار الكوارث التي تحدث نتيجة لسوء عمله. ومن الواضح أن النبوءات التي ذكرناها فيما سبق تختص بالعصر الذي نعيش فيه, وهي تتحدث عن أمور كانت مجهولة تماما للناس في العصور الأولى. وإن المرء ليعجب إن كان الله تعالى قد كشف للرسول (صلى الله عليه وسلم) عن جميع مدلولات هذه النبوءات بكل تفاصيلها, غيرأن الدقائق من الأمور التي وصفها (صلى الله عليه وسلم) والوضوح الذي وصف به الكثير من الأمور الغيبية المستقبلية, تترك لدى لمرء إنطباعا وكأنه (صلى الله عليه وسلم) كان يشاهد هذه الأحداث تمر أمام عينيه, كأنها كانت تقع في فيلم سينمائي على مسرح الأقدار. ومع ذلك فقد تعين على الإنسان الانتظار أكثر من ألف عام قبل أن تبدأ هذه النبوءات في التحقق. ولم يكن لهذه الأحداث أن تنقل من عالم الغيب إلى عالم الشهادة إلا بعد حلول عصر الذرّة.
إن فظاعة الكارثة النوويّة أمر مهول ورهيب, ومع ذلك فإن الإنسان لا يبذل الجهد الكافي أو اللازم للبحث عن جذور وأسباب هذا الشر المستطير. ونادراً ما ينفذ بصر الإنسان إلى أعماق السطح الذي يتفرس فيه, وخاصة إذا كان يتعلق بـهذه الأمور. وقليل من الناس من يستطيع أن يختبر أفكاره ويتأمل بواطن نفسه من أجل الكشف عن الوجه الخفي لجوانب الشر التي تقبع في أعماق النفس. وهذا نوع من العماية تتعلّق بالاعوجاج الكامن في الإنسان. فكلّما كان هو نفسه المسؤول عن التسبب في حدوث المعاناة وانتشار الشرور من حوله, كلما قصرت عيناه عن رؤية يديه وهي تخلق هذه الشرور والمعاناة.
هذه هي سلسلة الكوارث التى نبحثها والتى تؤثر على العالم بأجمعه. ويستطيع العالم أن يشرح ظاهرة الانشطار النووي, ولكنه يفعل ذلك في نطاق الأسباب الطبيعيّة والمادية فقط. ولكن حين تستخدم هذه القوى المدمرة الجبارة في تدمير أمن الإنسان, فلا يقع اللوم حينئذ على العلماء الذين خلقوها. إن جذور المشكلة تنبت في مكان آخر, فالمسؤول الخقيقي دائما هو القوى العظمى التي تتخذ القرارات الرعناء باستخدام العنف الذي يعصف بأمن العالم كله. وبالرغم من عظمة تلك القوى.. فهي لا تدعو أن تكون مجرد دمى في أيدي الإدارة الجماعية الأنانية للجماهير.
ورغم أن القرآن المجيد يتحدث عن الأحداث والتطورات العلمية بدقة بالغة، إلا أنه لا يسلك مسلك مدرس العلوم كما هي, وإنما يوجه الانتباه إلى الاسباب غير الأخلاقية لاعوجاج وفساد السلوك الإنساني. وهو حين يذكر لنا أخطار الزناد وما ينتج عنه, فإنه لا يركّز الانتباه على الزناد فقط بل على الإصبع الذي يضغط عليه, وهذا هو الهدف من ذكر تلك التحذيرات في القرآن المجيد. وفي هذا الشأن يذكر القرآن المجيد تكرارا أن كل البشاعة التي تصيب الإنسان, يكون هو نفسه المسؤول عنها, ولا يقع اللوم إلا عليه. وعلى هذا فإن إجراءات الوقاية التي يبينها القرآن تتعلق بإصلاح أخلاق الإنسان وتقويم سلوكه. ويؤكد القرآن المجيد على أنه إذا غير الناس من مسلكهم, وأصلحوامن أنفسهم بما يتفق مع الهدى الإلهي, فإن هذا سوف يخلق المناخ الصحي المناسب واللازم لإقامة العدل واستمرار الحياة.
إن منار النبوءات القرآنية يبين بوضوح أماكن الصخور التى ينبغي تجنبها, والقنوات التي يتحتم الإبحار فيها لضمان السلامة. ولكن يبدو أنه من غير المحتمل لهؤلاء الذين يتولون قيادة سفينة شئون الانسان ان يلقوا بالا للتحذيرات ويقود السفينة عبر الأخطار المحدقة ليصلوا بها في سلام في بر الامان وبدون التحليل العميق والحقيقي لسلوكيات الانسان على كل مستوى من مستويات أنشطته فليس هنالك من حل معقول يمكن أن يتصوره أحد لحل المشاكل التي تواجه الإنسان اليوم وبعبارة بسيطة نقول أن الأمر كله يتوقف على احياء القيم الانسانية الأساسية مثل الصدق والأمانة والكرامة والعدل والمساواة والاهتمام بمصالح الآخرين والاحساس بمعاناة الناس حتى ولو لم يكونوا من الأقارب والمعارف والالتزام العام بفعل الخير فإن أزلنا هذه العوامل من العلاقات الانسانية فلا ننتظر أو نتوقع شي سوى أن تحل بنا كارثة وهذه هي النتيجة المنطقية الوحيدة.
ان سورة القمر تشرح هذا الأمر بما يتعلق بالأقوام السابقة التي لم تلقي بالا للتحذيرات التي أبلغوا بـها على لسان رسل الله تعالى الذين جاؤوهم في زمانـهم. وترتب على ذلك أنـهم جميعا وبغير استثناء قد شاهدوا بأعينهم النهاية المحزنة التي أنذروا بـها ولم تنفعهم توبتهم بعد فوات الأوان والغرض الوحيد من ذكر هذه التحذيرات هو ان تتعض الأجيال المستقبلة ولا تعير تلك التحذيرات أذنا صماء وهذا يقص علينا القران المجيد أنباء الكوارث التي صابت تلك الأقوام لكي تتعلم الأقوام التالية فنون الحياة من دروس الموت الذي اصاب السابقين بقول الله تعالى :
وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) القمر
فإن لم يتعلم الناس الدروس المستفادة فلا يقع اللوم إلا عليهم عما يترتب على ذلك من كوارث تنتظرهم لتعصف بهم.
وتتحدث سورة طه أيضا عن موضوع الأبادة النووية الذي نبحثه وتذكر النتائج النهائية التي تؤول إليها الأمور وتشير بعض الآيات إلى أن كبرياء وعجرفة القوى العالمية العظمى في هذا الزمن سوف تنكسر وتتحطم ولكن لن ينمحي الجنس البشري من الوجود.
وتذكر الآيات المعينة ان هذا الأمر لن يؤدي الى فناء البشر جميعا وانما سوف تتفتت وتسوى بالأرض قوة تلك القوى السياسية المتعجرفة فقط. ومن جنبات قبورهم سوف ينبعث ويقوم النظام العالمي الجديد. ان هذي القوى الت هي كالجبال الراسية سوف تدق وتسحق وتسوّى بالأرض حتى لكأنها قد صارت مثل الأرض المنبسطة التي تكسوها الرمال فلا ترى فيها أعالي ولا أسافل ولا عوجا ولا أمتا ويقول تعالى :
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) طه
إن الله تبارك وتعالى هو الذي سوف يحقق بيده الكريمة هذا التحول المدهش. والجبال في هذه الآيات ليست سوى استعارة مجازية للتعبير عن القوى العظمى والأمم والشعوب ويذكر القرآن المجيد انه متى تم سحق عجرفتهم وزال تكبرهم واستقام امرهم فحين ذاك فقط سوف يستمعون الى نداء الداعي الى الله الذي لا عوج له وهذا الدمار الذي يذكره القرآن المجيد لا ينتج الا عن ابادة تتم بانفجار المئات من التفجيرات النووية مما يعني ان الانسان لن يتعلم الدروس بسهولة وانه لا بد من يطأطأ رأس كبره تحت ضغط وثقل فظاعة الكوارث التي تلم به ومع رسالة الوعيد المرعبة هذه تأتي ايضا رساله جليلة تحمل الأمل بأن الفناء لن يعم الجنس البشري بأكمله بل انه سينجو من هذه الكوارث في نهاية المطاف ويدلف الى عهد جديد من عهود النور وسوف يتعلم الانسان كيف يصلح من أساليبه وسلوكياته ان لم يكن من قبل فعلى الأقل من بعد ان يذوق ثمار سيئاته وعصيانه لله تعالى.
وفي سورة أخرى يحدثناالقرآن الكريم عن تغيرات ضخمة وشاملة في المناخ وفي جغرافية الأرض وستكون لها طبيعة فظيعة ومرعبة حتى أنها ستحول وجه الأرض في أماكن كثيرة في البلاد والقارات الى خراب ودمار شامل وقد تكون هذه النبؤات عن الحالة بعد الإبادة النووية التي نتحدث عنها وقبل حدوث هذا الدمار كانت نفس الأراضي والأماكن تعد من أكثر البقاع في العالم كله جمالا وسحرا بطبيعتها. وكانت فريدة في غناها الذي يبهر العيون ويخطف الأبصار واننا لنتمنى اللا تتحقق هذه النبوءة على الأقل من بين جميع النبوءات التي ذكرها القران المجيد ويقينا ليس في هذه الأمنية أي شائبة من عدم الاحترام للنبوءات التحذيرية التي ذكرها القران العظيم بل أنها تنبع من ايماننا الذي لا يتزعزع بالرحمة العامة الشاملة لله تعالى الله الرحمن الرحيم.
فأن جميع النبوءات التي تحمل الانذار والوعيد مهما كانت قوية يتوقف تحققها على مدى استجابة الانسان لها. وهناك المثل الذي ذكره القران المجيد عن قوم يونس عليه السلام الذين نجوا من عقاب الله المقدر لهم حين رجعوا الى الله تعالى بتوبة صادقة نصوح فهذا يضيء لنا اليوم نور الأمل ورغم انه لا يبدو هناك من سبب معقول يبرر التفاؤل بالنظر الى الانحطاط المستمر والمتواصل في القيم الاخلاقية لدى الانسان. الا أن نجاة قوم يونس تظل هي الأمل الوحيد الذي يمكن أن نتعلق به وغير ذلك ليس سواه ليل أسود مظلم من اليأس الكامل ولكن العلاج لأمراض العالم المتأصلة لم يعد في أيدي المسحاء الكذبة وأدعياء الدين. وأنما هو في يد الله تعالى وحده اذا ارتفعت ايدينا الى الدعاء الصادق المخلص فقط وربما يكون كلامنا هذا في لغة يصعب فهمها على الانسان المعاصر لأنه على عكس ما اعتادت اذنه ان تسمعه ان الله وحده هو العليم بحقيقة الأمور.
سلام
|