هذا الموضوع، ليس دعوةً مني للحوار أوالنقاش، بل دعوة للتأمل والتَّفكر بشكل جدي، وبعيد عن العند أو إيثار الذات الشديد-الأنانية.

في الخامس والعشرين من شهر أيلول من عام 2003، أمسينا على خبرٍ حزين، حيث فقد العالم الثقافي منارة من مناراته، هذه المنارة العربية المدهشة التي نعرفها ولم نعرفها جيداً بعد، كانت المفكر والناقد والموسيقار، والمناضل "إدوارد سعيد".

ليلتها فكرتُ بأن البكاء لا يعني شيء، والحزن لن يأتي بجديد، ولن يضيف شيئاً. لم أعرف ماذا أفعل، لكني في اليوم التالي، قررتُ نقل مذكراته "خارج المكان" الصادرة باللغة العربية عن دار الآداب وقام بترجمتها إلى العربية الأستاذ "فواز طرابلسي" إلى "منتدى أثير العرب"، ربما بعض الأعضاء هنا يذكرون هذا جيداً، وكيف قوبلت الفكرة بالتشجيع، ومنهم من ساندني جداً بل وكان متابعاً لما أنقل أولاً بأول مثل الدكتور نديم.

كنت أقوم بطباعة الكتاب حرفاً بحرف، وبعدها أقوم بالتنقيح، كان الأمر متعباً حقاً وشاقاً لكني كنت أشعر بالسعادة، ظنّا مني "وإن بعض الظن إثمن" أنني أقدم شيئاً، أنني بذلك أتيح قراءة مذكراته للعديد من الأشخاص غير القادرين على الحصول على الكتاب. لكن حدث ما لم أكن أتوقع، وهو ظهور "الصيّاد"، عضو زميل معنا في الأثير، وقف لما أفعل بالمرصاد، بالنقد، وقتها لن أخفيكم أنني استغربت، ولماذا أكاد أسمع وأستشف من كلامه "الله لا يعطيكي إياها العافية فوق تعبك"؟!

تحول الموضوع إلى شد وجذب، احترمت رأيه، ولكني لم أستمع إليه، أكملت نشر الكتاب، وأنجزتُ جزءاً لا بأس به، راكنة إلى الرسائل الخاصة التي كانت تصلني عبر المنتدى تشجعني على المتابعة، بل واشتد أزري وقتها بظهور عضو آخر في المنتدى –إن لم تخني ذاكرتي كان اسمه فرات- وبدأ يطبع معي الكتاب، وقسمنا الفصول.


ربما للآن لم تفهموا قصدي، إذ أنني وللآن لم أقل على ماذا كان يعترض "الصياد"، كان يذكرنا بـ "حقوق الملكية والفكرية"، لكن ما يلبث أن ينطق هذه الكلمة حتى نصرخ بوجهه "هل تتوقع بأن إدوارد سعيد سيغضب لأننا ننقل مذكراته ونقرأها؟ ماذا أصلاً نفعل هذا. أليس إحياءً منا لكلماته؟ وماذا يتمنى الكاتب أكثر من ذلك؟ أن يقرأ الناس ما يكتب؟
يقول لنا "الصياد" أنتم تغتصبون حق دار النشر، حق المترجم، خذوا إذنهم وافعلوا ما تشاؤون.
لكن لم يسمع أحد لأنه ما كان يُسمع أحياءً...
كنتُ من المَوات، لأنني لم أحكم عقلي، أخذتني الحماسة، حماسة القشور لا الحقيقة، حماسة الجعجعة لا الحقيقة والتطبيق
.
دعونا نفكر قليلاً، دعونا نطرح بعض الأسئلة ونحاول الإجابة عليها، نفكر بها جيداً قبل أن نجيب..

· لماذا لا يتفرغ كتّابنا العرب للكتابة؟ لماذا تكون الكتابة هي الأولوية الثالثة بأحسن حال أو رابعة؟
· لماذا دور النشر عندنا تُفلس، بينما المطاعم بجانبها تزدهر وتتوسع؟
· لماذا تموت الكتب بنفاذ طبعتها، وكأن أصحابها لم يكتبوها؟

هناك العديد من الإجابات، لكن دعوني أفكر معكم بصوت عالٍ، حين أخذ كتاباً من الانترنت، دون إذن دار النشر، بذلك أكون قد وفّرت على نفسي دنانير قليلة، ما كانت ستؤثر أصلاً على ميزانيتي، بينما الكتاب هذا هو مصدر دخل دار النشر، ومصدر دخل المترجم، ومصدر دخل الكاتب.
نعم القرصنة أحد الأسباب التي لا يجب أن نستهين بها بأي حال من الأحوال.

دعونا نتخيل أنني كاتبة لكني لا أعمل، وكل أملي وإتكالي في نفقاتي على ما أكتبه، أسهر، أكتب، أدفع بكتابي لدار النشر، دار النشر التي تتكفل بالكتاب، وتقوم بنشره تدفع تكاليف الورق، الحبر، العمّال، توزيع الكتاب والدعاية له، وغيرها وغيرها وغيرها من المصاريف، لأجد بعد ذلك أن كتابي تداوله المئات مجاناً وأن جهد الدار تم (سلبه) ببساطة على آلة سكانر، وإنزاله على النت. :)

كم تكون خسارتي أنا الكاتب؟ كم تكون خسارة دار النشر؟ ولا أقصد بدار النشر أعمدة الدار، بل الموظفين، صاحب الدار، عائلاتهم؟ هي خسارة كبيرة دون شك، إفلاس دور النشر وإقفالها يعني موت الكتب، وتالياً موت أصحابها، فقدانهم إلى الأبد. هل تدركون المخاطرة؟

لكن ما هو مكسب الذي استفاد من نسخة الانترنت؟ توفير بضعة دنانير لن ترهقه إن أنفقها؟

ربما تكون الحجة بأن "الكتاب غير متوفر في مكان إقامتي"، سأقول هذه ليست بحجة؟ :) هناك مكتبات على الانترنت تؤمن الكتب وبتكاليف بسيطة، هناك دائماً معارف يسافرون ويتنقلون وبإمكاننا أن نطلب منهم تأمين الكتب.
أو حتى دار النشر ذاتها في كثير من الأحيان تؤمن الكتب لطالبيها.

دعونا نكون صريحين قليلاً، من يحتاج كتاباً بشكل حقيقي، لن يعدم الوسيلة، لن يعدم الوسيلة بإيجاده أبداً.

سأذكر مثالاً بسيطاً، من ضمن الكتب المعروضة والمتوفرة مقرصنة في مكتب نادي الفكر كان كتاب "جناية الشافعي" لـ "زكريا أوزون". هذا الكتاب مثلاً جديد نسبياً بل هو جديد فعلياً، وثمنه ليس باهظاً ومتوفراً أيضاً، لماذا إذن عملية القرصنة وما هو مبررها؟ ألا ترون معي أن هذه القرصنة لن تشجع دار النشر على إصدار طبعة ثانية وثالثة منه؟ من يتحمل مسؤولية ذلك؟ مسؤولية حرمان نقل فكرة الكتاب إلى أشخاص آخرين غيرنا؟

كيف أنتظر كتب أخرى لزكريا أوزون وأنا أحرمه حقه من الاستفادة مادياً من كتابه؟ أخاله سيجد نفسه مضطراً للبحث عن لقمة العيش لنفسه وعائلته وإن بقي لديه الوقت ربما يكتب...

بينما الكتّاب في الدول المتقدمة يتفرغون للكتابة، وأوضاعهم المعيشية جيدة جداً.

مثال آخر ربما لا يكون دقيقاً لكن، حين فكرت به قلت هو كذلك بشكل أو بآخر، حين نشرت مجموعتي القصصية وضعتها على النت، كل الأصدقاء الذين كانوا يريدون قراءتها، طالعوها على النت، لكن لو لم تكن متوفرة ربما لطلبوها من دار النشر، دار النشر التي ربما كانت ستعوضني مادياً أو إن لم تعوضني مادياً كانت ستفكر بطبعة ثانية لها..! أو ربما كانت سوف تسأل عما أكتب هذه الأيام وتطلب نشره؟ من يدري؟! بدلاً من كوني لا أملك فلساً واحداً مرصوداً لنشر كتاب ثان؟ أنا التي تكبدتُ دَيناً لإصدار مجموعتي البسيطة...

ما أريد قوله، أن قرصنة الكتب بهذه الطريقة لن تفيدنا حقاً، لن يكون لها أثر ثقافي إيجابي كما نتوهم،، لكنها سوف تكون خسارة لدور النشر والكتّاب والكتاب نفسه، وتالياً ستكون النتيجة عكسية علينا على المدى البعيد، لكن ليس البعيد جداً إن أكملنا هذه المشاريع الخطرة فعلاً.

أقول هذا، أنا التي ارتكبت إثم نقل الكثير من أجزاء مذكرات إدوارد سعيد "خارج المكان" وكذلك رواية "زوربا" بترجمة جورج طرابيشي وربما غيرها من المحاولات التي كانت بنية حسنة، لكني كنت أنانية وسارقة دون أن أعلم أو أعي ذلك.


وكما ذكرتُ أعلاه، لستُ أقول هذا للنقاش، إذ أنني فقدتُ منذ زمن قدرتي على متابعة النقاشات والحوارات، ولكن للتأمل والتفكر فيما نفعل.
وأشكر "الصيّاد" وأطلب منه أن يسامحني على قلة إدراكي وقتها.

بالأمس أنزلت كتابين من المعرضات هنا لأعرف كيف تمت عملية السطو، لكن بعد ذلك قمت بحذف الكتابين برغم حاجتي لهما، وسأبحث عنهما وبالتأكيد لن أعدم الوسيلة بإيجادهما.

دمتم بود عظيم
بسمة