إحتار المسيحيين في العصور المتأخرة من المسيحية في شخصية روح القدس فجعلوه إقنوما من أقانيم الاله المثلث الاضلاع. ومصطلح "روح القدس" لم يرد في اسفار العهد القديم، ولكن في ثقافات اليهود هو عبارة عن الروح الذي يأتي بالوحي للانبياء. وفي القرآن هو الملاك جبريل. سنبدأ أولا من القرآن ثم سنأتي على الكتاب المقدس لكي تتضح لنا الصورة.

"قل نزله روح القدس من ربك ليثبت به الذين آمنوا" (النحل 102)

"نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين" (الشعراء 193 - 194)

"قل من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك باذن الله" (البقرة 97)

طبقا للأية 97 من سورة البقرة فإن أي إشارة الى الروح القدس أو الروح الامين فهي إشارة الى جبريل. وكلمة "أمين" مشتقة من الامانه. وكل ملاك أمين وصادق ومخلص، والملائكة في القرآن "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون." إذن أي صفة من الصفات الحسنة ممكن أن تنطبق على الملائكة. والملاك ليس له كيان مثل البشر لأنه روح. إذن كلمة "روح" مساوية تمام المساواة لكلمة "ملاك"، وهذا طبعا يعتمد على السياق الذي ترد فيه الكلمة.

وفي سورة مريم وصف الله جبريل بمصطلح "روحنا"، روح الله:

19.17- فاتخذت من دونهم حجابا فارسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا
19.18- قالت اني اعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا
19.19- قال انما انا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا

روح الله جبريل تشكل على هئية بشر وقال لمريم بأنه رسول ربها.

والان دعنا ننظر لبعض ما ورد في الكتاب المقدس بهذا الخصوص:

Mat 12:31 لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ خَطِيَّةٍ وَتَجْدِيفٍ يُغْفَرُ لِلنَّاسِ وَأَمَّا التَّجْدِيفُ عَلَى ((الرُّوحِ)) فَلَنْ يُغْفَرَ لِلنَّاسِ.
Mat 12:32 وَمَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ يُغْفَرُ لَهُ وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَى ((الرُّوحِ الْقُدُسِ)) فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ لاَ فِي هَذَا الْعَالَمِ وَلاَ فِي الآتِي.

لن تحتاج لكي تكون عالما بأسرار الكتاب المقدس وخفاياه لكي تدرك ان الاشارة لـ (الروح) الوارد في الاية 31 هو نفس (روح القدس) في الاية 32. وما قاله يسوع في الآيات أعلاه هو تكرار لما ورد في سفر الخروج:

Exo 23:20 «هَا انَا مُرْسِلٌ ((مَلاكا)) امَامَ وَجْهِكَ لِيَحْفَظَكَ فِي الطَّرِيقِ وَلِيَجِيءَ بِكَ الَى الْمَكَانِ الَّذِي اعْدَدْتُهُ.
Exo 23:21 احْتَرِزْ مِنْهُ وَاسْمَعْ لِصَوْتِهِ وَلا تَتَمَرَّدْ عَلَيْهِ لانَّهُ لا يَصْفَحُ عَنْ ذُنُوبِكُمْ لانَّ اسْمِي فِيهِ.

من لا يسمع كلام الملاك ويتمرد عليه فلن يصفح الله له. لاحظ استبدال مصطلح الروح بالملاك.

تجدر الاشارة هنا الى ان النبي عيسى وضع نفسه في مستوى أقل من الروح أو الملاك، "من قال كلمة على ابن الانسان يغفر الله له، أما من قال على الروح القدس فلن يُغفر له..." والسؤال الان، لماذا وضع نفسه في مستوى أقل من الملاك؟ الجواب يتضح من سفر الخروج. الكلام في سفر الخروج موجها للنبي موسى، والتحذير لموسى وقومه. فإن خالف موسى كلام الملاك أو تكلم عليه بما لايليق فلن يغفر الله له. ولكن إذا تكلم بنو اسرائيل على موسى فسوف يغفر الله لهم اذا تابوا وسامحهم موسى. فالامر يخص موسى وله الحق ان يسامح من يشاء في أي أمر يخصه. ولا حق له فيما لا يخصه. والملاك ليس تابعا لموسى وانما موجها له. ونفس الشيئ ينطبق على يسوع. مثله مثل موسى بالضبط. والملاك، كما كان الحال مع موسى، هو موجها ليسوع وليس تابعا له.

المسيحيين في القرون الاولى كانوا يستخدمون مصطلح الروح والملاك بشكل متبادل. وستتضح الصورة أكثر بعد قرآة القصة التاليه:

Act 8:26 ثُمَّ إِنَّ ((مَلاَكَ الرَّبِّ)) قَالَ لِفِيلُبُّسَ: «قُمْ وَاذْهَبْ نَحْوَ الْجَنُوبِ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُنْحَدِرَةِ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى غَزَّةَ» الَّتِي هِيَ بَرِّيَّةٌ.
Act 8:29 فَقَالَ ((الرُّوحُ)) لِفِيلُبُّسَ: «تَقَدَّمْ وَرَافِقْ هَذِهِ الْمَرْكَبَةَ».
Act 8:39 وَلَمَّا صَعِدَا مِنَ الْمَاءِ خَطَفَ ((رُوحُ الرَّبِّ)) فِيلُبُّسَ فَلَمْ يُبْصِرْهُ الْخَصِيُّ أَيْضاً وَذَهَبَ فِي طَرِيقِهِ فَرِحاً.

بغض النظر عن صحة هذه القصة، نلاحظ ان كاتبها ابتدئها بخطاب الملاك لفيلبس، بعد ذلك استبدل الكاتب مصطلح الملاك بمصطلح الروح. الاية 29 تبدأ بكلة "فقال"، الحرف (ف) في كلمة (قال) تكتب في نسخة الملك جيمس (Then)، ويقول قاموس الملك جيمس ان الكلمة (Then) لا تعادل بالضبط الكلمة الاغريقية المستخدمه، وهي تفيد الاستمرار في الحديث. ففي نظر الكاتب ان مصطلح الملاك يعادل بالضبط مصطلح الروح. وواضح من القصة ان فيلبس كان يأخذ أوامره من الملاك. إبتدأت القصة بمصطلح (ملاك الرب) وانتهت بمصطلح (روح الرب). فهل هذا يعني لك شيئ آخر غير ان المصطلحين متساويين؟

Mat 12:28 وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ أَنَا ((بِرُوحِ اللَّهِ)) أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللَّهِ!

في الاية أعلاه يقصد المسيح أنه بواسطة ملاك الله يخرج الشياطين. ويقول القرآن عن يسوع "وأيدتك بروح القدس" أي بالملاك جبريل. الاية أعلاه من انجيل متىّ يأتي بعدها ما قد سبق وتحدثنا عنه في الاعلى. وها هي الآيات مرة أخرى لكي تتضح الصورة:

Mat 12:31 لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ خَطِيَّةٍ وَتَجْدِيفٍ يُغْفَرُ لِلنَّاسِ وَأَمَّا التَّجْدِيفُ عَلَى ((الرُّوحِ)) فَلَنْ يُغْفَرَ لِلنَّاسِ.
Mat 12:32 وَمَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ يُغْفَرُ لَهُ وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَى ((الرُّوحِ الْقُدُسِ)) فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ لاَ فِي هَذَا الْعَالَمِ وَلاَ فِي الآتِي

وقد رأينا فيما سبق ان الكلام في الايتين أعلاه هو تكرارا لما ورد في سفر الخروج. فهل المصطلحات: روح الله، الروح، الروح القدس، شيئا آخر غير الملاك الذي ورد ذكره في سفر الخروج؟

متّى و لوقا يستخدمان مصطلح روح القدس والملاك جيرائيل بشكل متبادل:

Mat 1:18 أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هَكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ ((الرُّوحِ الْقُدُسِ)).

Luk 1:26 وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ ((جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ)) مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ.

وفي القرآن:
19.17- فاتخذت [مريم] من دونهم حجابا فارسلنا اليها ((روحنا)) فتمثل لها بشرا سويا

روحنا (روح الله)، هو نفسه الروح القدس وهو الملاك جبرائيل.

الاعتراض الذي نجده من المسيحيين حول هذا المفهوم هو قولهم اذا كانت مريم حبلت من الملاك جبرائيل (بإذن الله طبعا)، فلماذا إذن يقول جبرائيل في الاية 35 "الروح القدس يحل عليك"، ولم يقل "أنا أحل عليك." للاجابة على ذلك نقول بأنه اتاها بهيئة بشر، فان قال "انا احل عليك" فسوف يساورها الشك في ان هذا الرجل يريد اغتصابها. لذا قالها بطريقة أخرى حتى تتأكد مريم بأنها حبلت بطريقة روحانية بحته ليس فيها عنصر بشري.

ولكن: هل الطريقة التي استخدمها جبريل في التعبير عن نفسه تعتبر طريقة خاطئه. إذا كان كذلك، فان يسوع ليس هو ابن الانسان في الاية التاليه:
Mar 8:38 لأَنَّ مَنِ اسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي فِي هَذَا الْجِيلِ الْفَاسِقِ الْخَاطِئِ فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَسْتَحِي بِهِ مَتَى جَاءَ بمَجْدِ أَبِيهِ مَعَ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ».

لا أظن ان أحدا من المسيحيين سيقول بأن ابن الانسان في الاية أعلاه هو شخص آخر غير يسوع. فلماذا اذن قال "فان ابن الانسان يستحي به متى جاء..." ولم يقل "فإني أنا استحي به متى جئت..."

استشهد يسوع بهذه الاية من كتاب إشعيا:
Isa 61:1 رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ.

روح السيد الرب هو روح القدس، روح الله، الملاك جبريل. وهو أيضا حل على انبياء آخرين من بني اسرائيل وسار امامهم وارشدهم.

وأخيرا أرجو ان تكون شخصية الروح القدس قد اتضحت. وللتذكره: مصطلح روح يعني ملاك! وروح القدس هو الملاك جبريل، روح الله، روح الرب. وليس اقنوما من الاقانيم الثلاثه!

"لا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم انما الله اله واحد سبحانه" (النساء 171)