حروب أهلية على الشبكة
2006 السبت 10 يونيو


بلال خبيز من بيروت

ردود القراء واراؤهم التي تنشر في الصحف وعلى شاشات التلفزيونات واثير الإذاعات ليست من الأمور المستجدة في الصحافة عموماً. فالصحف كانت على الدوام تحرص على معاينة ردود فعل قرائها، ونادراً ما صدرت صحيفة من دون ان تتضمن باباً يهتم بردود القراء. بل ان صفحات الرأي في الصحف الكبرى غالباً ما تتحول إلى نوع من بريد الكتاب تيمناً ببريد القراء.

لكن ردود القراء في الاحوال العادية غالباً ما تكون مقدمة لدخول القارئ الذي يهتم بنشر رده عالم الصحافة الاحترافية في ما بعد. والقيمون على الصحف والوسائل الإعلامية يولون عناية كبيرة لهذه الردود، وبعض اصحابها يتحول في ما بعد كتاباً في صدر صفحاتها الاولى.

هذه العلاقة بين القارئ والكاتب تفترض ان الكاتب في الصحيفة او المجلة يتصل بقرائه ويتوافق معهم على تفاهمات ومعايير مشتركة. فيقرأ القارئ، ويعلق بسبب وجود ما هو مشترك بينه وبين الكاتب في ما ذهب إليه وفي مجمل آرائه عموماً. وهذا من طبيعة الأحوال التي يمكن ملاحظتها في بلاد مستقرة او على قدر من الاستقرار. لكن ما يجري في بعض البلاد العربية، وعلى وجه الخصوص في لبنان وسورية وفلسطين والعراق يتجاوز هذه الأحوال إلى ما هو ابعد منها بكثير. اي ابعد من علاقة طبيعية بين قارئ وصحيفته أو كتّاب صحيفته.

من يراقب الردود التي ارسلها قراء فلسطينيون وعراقيون تعقيباً على مقتل ابي مصعب الزرقاوي ونعي حركة حماس له في "إيلاف" يكتشف ان العلاقة بين القراء والصحيفة لا تستقيم بوصفها علاقة يمكن ان تؤدي إلى نتائج تعقب اي حوار جدي بين متحاورين. فالقراء ينطلقون في مثل هذه الأحوال من مطلقات لا يمكن مقاربتها بالنقاش. هي اشبه بمقدسات لا يجوز في عرف القراء الاقتراب منها او مناقشتها. وجل ما يريدونه لا يتعدى اسكات صاحب الرأي او الاعتراض على حقه في ابداء الرأي. ليس هناك من منطقة وسطى بين الرأيين: ابو مصعب الزرقاوي هو كافر ومجرم ويستحق نار جهنم في رأي البعض، وهو مناضل ومجاهد ويستحق الجنة في رأي البعض الآخر. في الحالين اما هو مجرم بكليته واما هو قديس بكليته. وفي الحالين ليس ثمة مجال للمناقشة او ابداء الرأي. بل مواقف حادة لا تستطيع العبور إلى منطقة الطرف الآخر ومعاينة مشكلاته ومعضلاته واخذها في الاعتبار. والحق ان ما يحدو الفلسطيني ان يوالي الزرقاوي ويعتبره قديساً في مثل هذه الردود انما يتعلق بكون الزرقاوي لم ينشط في فلسطين والانحياز انحيازاً حاسماً إلى النار الإسرائيلية التي تحرق اجسام الفلسطينيين ومستقبلهم.