" ليس الذكر كالأنثى "الله

لو أدخلنا مجموعة من الصبية والفتيات ، إلى ساحة كبيرة تعج بالألعاب : فيها السيارات والبنادق البلاستيكية والدمى الصغيرة - "فلة " مثلا ؛ لو قمنا بهذا وسألنا : إلى أين سيتجه الصبية ؟ وإلى أين ستتجه الفتيات ؟

الملاحظ - كما هو متوقع - أن الصبية يميلون لألعاب السيارات وغيرها ، بينما تكتفي الفتاة بملاعبة دميتها . السؤال : ما سبب هذا الإختلاف ؟ هل يمكن أن نرجعه لاختلاف جوهري فطري بين جنس الذكر وجنس الأنثى ، أم أننا نستطيع أن نشير إلى أن هذا الإختلاف ناشئ عن تأثير الثقافة التي يخضع لها أحدنا مجرد أن يولد ؟

هذا سؤال مهم ، يمكن صياغته مرة أخرى : هل الفروق التي نراها بين الذكر والانثى : هي فروق ناشئة عن التربية ؟ أم انها مغروسة في التكوين الجيني لكل جنس ؟

لدينا تجربتين ، يلقيان الضوء على الإجابة :

- التجربة الأولى قامت بها كل من "مليسا هاينز" من جامعة سيتي في لندن ، و "جيريان ألكزاندر" من جامعة تكساس . فكرة التجربة كالتالي : أخذ ثلاث أنواع من الألعاب : نوع لوحظ أن الصبية يميلون إليه كالسيارات ، وآخر لوحظ أن الفتيات يملن إليه أكثر كالدمى ، وأخير محايد .. يميل إليه الجنسين بنفس الدرجة ، كالكتب المصورة.

تم أخذ كل هذه الألعاب وتقديمها لمجموعة من "أبناء عمومتنا" القرود . النتيجة كانت كالتالي : ذكور القردة لعبوا باللعب الذكورية وقتا أكثر من الوقت الذي قضوه باللعب الأنثوية . وكذلك إناث القرود قضين وقتا أكثر باللعب بالدمى . وكلا الجنسين قضى وقتا متساويا باللعب بالألعاب المحايدة !

هذه التجربة تقوّي احتمال أن يكون الفروقات بين الذكر والأنثى فروقات فطرية. لننتقل للتجربة الأخرى ..

- قام الدكتور سايمون كوهين ، بإجراء دراسة لتفسير هذه الظاهرة : عندما يكون الطفل الرضيع بجانب أمه ، تطيل الأنثى النظر في وجه أمها أكثر من الرجل . كوهين ، أراد أن يعرف هل هذا الفرق في التصرف : ناتج عن اختلاف تعاملنا ، نحن الكبار ، مع الرضع بحسب جنسهم . أم أنه يعود لاختلاف فطري بين الجنسين ؟

قام بعرض مجموعة من الأفلام على هؤلاء الأطفال ، لاحظ أن الفتيات يطلن النظر في الأفلام التي تحوي وجوها .. أكثر من الذكور . قد يعترض أحدهم قائلا : أننا لا نعرف سرعة تأثر الرضيع بما حوله ، فقد يكون هؤلاء الأطفال الذين أجريت عليهم التجربة ، يتصرفون نتيجة معاملتنا لهم .

تفاديا لهذا ، أخذ كوهين إحدى طالباته ، واتجه لقسم المولودين في أحد المستشفيات . ووضع على سرير كل طفل قطعة بلاستيكية من تلك القطع التي تعلق على أسرة الأطفال . وجعل الفتاة تتنقل بين الأطفال دون ان تعلم أيهم الذكر وأيهن الأنثى ، وقام بتصوير المشهد بالكاميرا . النتيجة كانت إيجابية : البنات أطلن النظر في وجه الطالبة أكثر من الصبية الذين أكثروا التحديج بتلك القطعة البلاستيكية المعلقة فوقهم .

بعيدا عن هذا كله : سلوك الكائنات الحية وإدراكها ، مركزه : الدماغ. سلوك الإنسان وإدراكه يتناسب مع حجم دماغه ، لكن تعقيد هذا السلوك - ليس دائما - متناسبا مع هذا السلوك . وبشكل إجمالي الدماغ عند الذكر أكبر منه عند الأنثى . ولكن الدماغ ليس كلا كاملا ، بل هو مجموعة من الأجزاء ، كل جزء يختص بوظيفة محددة.. كما في هذا الشكل :
[صورة: brain.gif]

هناك أجزاء من الدماغ في الذكر أكبر من الأنثى ، وبالمقابل هناك أجزاء من الدماغ في الأنثى أكبر من الرجل . وحجم الجزء ينعكس على سلوك الكائن ، فالإنسان عموما مركز الإبصار لديه أكبر بكثيرمن مركز الشم ، لذلك نجد أن اهمية البصر أكبر بالنسبة إليه ... بينما الفأر يكون مركز الشم في دماغه أكبر بكثير من غيرها .

هناك منطقة في الدماغ تسمى الـ"أميجدالا" هذا موقعها :

[صورة: amygdala.jpg]

وظيفة هذا المركز ، هو الاستجابة لكل ما يثير الإنفعال .. أي شيء يجعل نبضات القلب تزداد ، كالخوف والترقب والحنين . وحين يستثار إنسان .. يقوم الدماغ بالتهدئة عن طريق افراز جزيئات تحمل إشارات التهدئة ، تسمى "السيروتين". فكلما زاد تركيز هذه المادة .. كلما كانت قدرة الكائن أكثر على تهدئة الإنفعال.

ولمعرفة ردة فعل الأميجدالا تحت الضغط النفسي عند كل من الذكر والأنثى ، أجريت تجربة على نوع من القوارض يعرف باسم الـ"ديجو" ، وهي حيوانات اجتماعية تعيش كمجموعات. تم فصل أحد الجراء عن أمها ، وعزلها عنها تماما لفترة من الزمن ، وبعد ذلك سمح لها بسمع صوت أمها .. وملاحظة نسبة تركيز السروتين في أدمغتها ... وكانت النتيجة : أن الإناث اضطربت أكثر من الذكور.

وهناك منطقة أخرى في الدماغ ، منها يدرك الإنسان : المكان من حوله وكذلك قدرته على الحفظ ، تعرف هذه المنطقة باسم "قرن آمون" وهذا مكانها :
[صورة: hippocampus.jpg]

هذه المنطقة أكبر عند الإناث. وقد يؤثر حجم هذه المنطقة على سلامة التحرك ، وأمانه. وقد يكون هذا مستندا جيدا للنساء اللواتي بحت حلوقهن ، وهن يطالبن بقيادة السيارة.

نستطيع معرفة أهمية هذا الفرق في التالي : لو أتينا بطائرتين وسلمنا الأولى لذكر والثانية لامرأة . الرجل في قيادته يميل لتقدير المسافات والتعرف على المحيط من حوله .. مما يجعله يعتمد على تقديراته في القيادة ، في المرأة لوحظ العكس .. فهي تتقيد بالعلامات والأجهزة. هذا الفرق لوحظ ، أيضا ، لدى الفئران في لعبة المتاهة.

تجارب كثيرة أجريت على "قرن آمون" من نتائجها : أن الصدمات النفسية تحفز الذكور على التعلم ، بينما تقلل الضغوط النفسية من قابلية الإناث للتعلم- مما يساعد أصحاب اللحى في بلادنا لتدعيم موقفهم في الفصل بين الجنسين أثناء التعليم . وكذلك ، الأنثى أكثر جلدا على مقاومة الصدمات من الرجل - مما يهز مقولة "سي سيد" الشرقية.

أبحاث كثيرة تجرى على الفروق الدماغية بين الجنسين. منها أن الذكور يتذكرون الأجزاء المركزية من الحوادث المفجعة التي مرت عليهم ، بينما تترسخ في الإناث الأجزاء التفصيلية ، وحين تذكر هذه المشاهد يعمل الجزء الأيمن في الرجل ، وفي المرأة يعمل الجزء الأيسر.

مثل هذه البحوث لا تجرى للتندر ، والترف .. بل يبنى عليها قضية مهمة . فنتيجة البحوث التي تتعلق باختلاف تعامل الجنسين مع الصدمات .. أدت إلى أن يأخذ الطبيب جنس مريضه بعين الاعتبار عندما يصف علاجا لهذه الصدمات. فعلاج الأنثى لا يؤثر على الرجل . أيضا نتيجة هذه التجارب ، اكتشف أن الأنثى أكثر قابلية للإدمان من الذكر. فالمواد المخدرة تزيد من افراز مادة في الدماغ تبعث السرور للمتعاطي ، هذه المادة يزيد افرازها لدى الإناث أكثر من الذكور .

من هذا كله نجد أن الفروق بين الذكر والأنثى تتجاوز الاختلاف في السلوك أثناء التزاوج ، والحميميّة.

شكرا للمتابعة

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني