لا أعرف على وجه الدقة تاريخ " المطيباتي " وهل كانت مهنة ادى الحكام والسلاطين يوكل لصاحبها مهمة " تطييب " كلام الحاكم والتأمين عيله بطريقة إي والل .. إي والله ، أو هل كان دوره الترقيع وراء الحاكم عثراته ، أو قلب الحقائق والذود عنه في الزلات .. لكن - تقريبا - بتنا نعرف ماهو دور المطيباتي .. والسوريون مثالا .

على أن السوريون ليسوا حالة عربية فريدة بقدر ماهي بالغة الخصوصية .. فكل العرب - بحمد الله - مطيباتيون سواءا أكانوا ينتمون لأوطان أو أديان أو مذاهب أو أحزاب ، وبالذات أحزاب لاتزال تعيش " ميثيولوجيا " الزعيم الأوحد والأب القائد ، والثابت والرمز .

خصوصية الحالة السورية أنها علاوة على كونها حالة عربية وليس لأمر الله تبديلا ، فهي أيضا ناتجة عن عدة عوامل :

- الزعيم الأوحد طويل العمر :
التصاق صوة الحاكم الأوحد في أذهان السوريين حد الإستيطان ، فأربعون عاما على حكم الرجل الواحد * والحزب الواحد والإتجاه الواحد استطاع أن يلغي كل الأشكال الأخرى تماما ويرسخ نفسه صورة أحادية وحيدة في أذهان جيل سوري كامل صار بعضهم آباء وربما أحفاد ، وبزعمي أن الكثير من السوريين لا يستطيعون تخيل سوريا دون علم ونشيد وطابور الصباح وصورة الأب القائد منتشرة في كل مكان ، وتلك حالة لا يشبه السوريين بها إلا حال الأنظمة الوراثية العربية ، وهي حالة بالغة الخطورة جعلت صورة الحاكم تتماهى في صورة الوطن ذاته أمام هؤلاء بحيث صار من الصعب التفريق بين الوطن والنظام .

- الصراع العربي الإسرائيلي :
فسوريا هي الدولة الوحيدة التي لا تزال في حالة صراع مع إسرائيل ، وبغض النظر عن ما إذا كان هذا الصراع شكليا إعلاميا ككل حروبنا ، أم صراعا سياديا حقيقيا .
وفي الحالتين ، فإن الصراع السوري مع إسرائيل يستمد شرعيته من الخطاب القومي السوري المتمثل في (( استثمار )) الحالة الفلسطينية ، ومن هضبة الجولان التي ترفض سوريا حتى الآن الدخول حولها طرفا مسالما أو محاربا ، وبالتالي هي حالة قائمة احترمانها أو ازرديناها .

- الحالة الطائفية والتنوع الإجتماعي :
إن كل من يدعي أن سوريا لا تعيش حالة (( طائفية )) فهو يجافي الحقيقة ويضرب صفحا حتى عن الخطاب السياسي السوري ذاته الذي يرمي كل من يعارضه بأنه ( يعمل على إثارة النعرات الطائفية ) ، وهي تهمة لا تطال الإخوان المسلمين كحركة دينية مذهبية ضيقة الشعاع ، بل طالت معارضون مسيحيون وملاحدة ولا دينيون ، وطالت برلمانيين كانوا حتى ساعات من ضمن النسيج الحكومي ويلعلعون تحت قبة البرلمان .
تلك حالة لا تحتمل تأويلات غيبية ،وتهم كتلك يوجهها النظام لمناوئيه ليست إلا (( شرعنة )) لطائفيته وحماية لها و طائفية أخرى مضادة محتملة لم تعد قاصرة على الأغلبية السنية فحسب ، بل حتى على بقية الأقليات الدينية والعرقية التي أقصيت على أسس عرقية ومذهبية ودينيه ، وهو استغلال آخر لحالة ( كامنة ) في سبيل البقاء استمدت قوتها من رفض الخطاب الطائفي لدى شرائح سورية أخرى كثيرة ، ناهيك عن المحاذير الكثيرة في تناول هكذا خطاب في الشارع السوري .
وهذه الحالة أفرزت معارضين طائفيين للنظام السوري من السنة وغيرهم ، لكنها أيضا أفرزت مؤيدين طائفيين له ليس فقط في الطائفة العلوية ، بل وخارجها أيضا ، هذا اذا استثنينا الحالة الكردية كحالة خاصة .

- الحالة القبلية في المعارضة السورية : وهذه موال طويل جدا ..

تلك ظروف خلقت – طوعا أو كرها – طبقة من المطياباتيه ليس فقط على مستوى ابن الشارع العادي ، بل بين (( المثقفين )) ، مطيباتيه وجدوا أنفسهم على هذا الشكل بفعل التقادم ، أو أنهم اختاروها بناءا على العوامل أعلاه .
وعن الزيارة الودية التي قام بها الطيران الإسرائيلي للقصر الجمهوري أتحدث ..
وسوف لن أخرج خارج حدود هذا المنتدى ، فمن اللافت فعلا أن يقوم بعض الزملاء باستقطاع وقت كبير وجهد أكبر في إثبات حالة واضحة للغاية وليست بحاجة إلى إثبات ، مستخدمين في دفوعاتهم حشدا من الأسباب (( الهامشية )) ردا على الطرف الآخر المنتقد للموقف من قبيل التهليل والفرح والتأييد والتشفي .. الخ ، وهي محاولة يائسة لتصوير الطرف الآخر على أنه عميل أو كاره أو غير وطني ، تماما .. تماما كالحالة التي ترافق هزائم المنتخبات العربية .
الأدهى أن يختلق هؤلاء الذرائع لتقصير أجهزة الجيش السوري المتعددة في درء العدوان كالحالة الفلسطينية ووجود قادة حماس في سوريا وما يحدث الآن في غزة ، وهو بحد ذاته استغلال رخيص للقضية الفلسطينية التي – وللأسف – باتت أحد أهم أسباب استمرار الحالة الدكتاتورية العربية ، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة : لماذا تستضيف سوريا قيادات غير قادرة على حمايتها ولا حتى على حماية نفسها ؟ ومن كان سيلوم سوريا لو مارست (( سيادتها )) وأسقطت ولو طائرة واحدة من الطيران المعادي ، وأين منظومة الصواريخ والرادارات التي تحمي سماء الوطن من المتسللين أساسا ؟

وربما يصح ما ذهب إليه البعض ، لكنه بالتأكيد ليس كذلك .. فالطيران الإسرائيلي كان " يتمشى " فوق قطع الجيش السوري في لبنان ويقصف القرى والمدن اللبنانية التي من الفترض أن أمر حكايتها منوط بقوات الردع العربية الممثلة بالجيش السوري ، وأكثر من ذلك ، قصفت الطائرات الإسرائيلية مواقع ومحطات رادار سورية دون أن (( يجرؤ )) الجيش السوري على مجرد الإطلاق العشوائي على الطيران المعادي وببرود لا يتماشى أبدا مع همة الجيش السوري العالية في قمع السوريين وارتكاب المذابح في لبنان ضد الفلسطينيين واللبنانيين .

مخجل ومؤسف أن ينصب المثقف السوري نفسه (( مطيباتي )) للنظام السوري ويزين له فشله وتحت أي ذريعة كانت ، فطبيعة المرحلة وصراعنا مع العدو الإسرائيلي جميعها ذرائع أسقطتها التجربة اللبنانية ، والجولان ، وعشرات الطلعات الجوية الإسرائيلية في السماء السورية .

ربما نلتمس لهؤلاء العذر بسبب الحملة الأمريكية على سوريا ومحاولة أمريكا لاستمالة بعض أطراف المعارضة السورية إلى صفها ، لكن حتى هذه لا تبرر تزيين الخطأ وتقسيم السوريين إلى معادي للوطن أو موالي له واختصار هذا الوطن في حذاء حكامه .

وإلى المطيباتية أقول :
أين أنتم من الحالة القمعية وتردي الأوضاع الإقتصادية والأخلاقية في سوريا ، وتفشي الفساد ومراكز القوى (( الأسرية )) التي تمتلك لوحدها معظم مقدرات الوطن ؟!
لا عذر لكم إلا أننا خونة ، وأنتم فقط وطنيون ..

تحياتي
وكل زيارة بني وطني وأنتم مطيباتيه .







* قول الحمد لله أنه لم يعد واحد ، صار اتنين بفضل الجملوكية السورية .