وصف حزب الله العملية التي قام بها في الجنوب و "خطف" على إثرها جنديين إسرائيليين , بأنها "نوعية",لا تفيد هذه الكلمة في تحديد الكيفية التي جرت فيها العملية و لا توضح شيئا من ملابساتها, و يكاد يكون هدفها "بلاغيا" صرفا,لم يساير السيد حسن نصر الله هذا النسق "النحوي" في لقائه الإعلامي , فابتعد عن البلاغة و هو يؤكد بكل الإصرار الممكن بأن أحدا مهما كانت صفته لن يصل الى الأسيرين إلا عن طريق مفاوضات أكد بأنها غير مباشرة ,و الملاحظ بأنه لم يستثن الله على عادة الإسلاميين, نصر الله أعطى لنفسه مظهر من حشر خصومة "بخانة اليك" ,فهو عاد الى لعبته المفضله بتوجيه لطمات من تحت الحزام الى إسرائيل , و بذات الوقت مسك بعض خصوم الداخل اللبناني من ذراعهم المكسورة.

منذ خروج الجيش السوري من لبنان , لم تعد جبهة الجنوب اللبناني مع إسرائيل هي خط المواجهة الوحيد لحزب الله , فقد فتح لنفسه , و فتحت بوجهه جبهات أخرى من الناحية المقابلة , جميع جبهاته الداخلية ذات وجه سياسي , و لكنها لا تقل ضراوة عن جبهة الجنوب ,و حزب الله يعرف أن تسخين جبهة الجنوب سيصيب جبهة "الشمال" ببعض بتصدع , و خاصة بعد عملية "نوعية" تثمر عن أسرى , البريق الذي يرافق وجود الأسرى يغري الإعلام و المحطات الفضائية و هو أمر مهم في ظل الحظر المفروض على محطة المنار, و يثير إسرائيل أكثر و يحفز دور "السماسرة" و هواة "الكومسيون" للتوفيق بين الأطراف,و الأكثر من ذلك يجبر إسرائيل على التفاوض و هذا ما كانت ترفضة بكل صلف في الأحوال العادية , و التفاوض هو الأمر الذي أكده نصر الله أكثر من مرة و لو أنه أكد أكثر على أن يكون غير مباشر.

أيهود ألمرت و عمير بيرتس ورثة السياسة الإسرائيلية من أنبيائها الغائبين "شارون" و أنصاف الحاضرين "بيريز", يجدون أنفسهم منقادين الى "دان حالوتس" رئيس أركان الجيش الأسرائيلي ,الذي يستغل جهلهم العسكري , و يقوم هو الآخر بعمليات "نوعية" على طريقته بدأها في غزة , و وسعها بعد عملية حزب الله لتشمل مواقع لبنانية مدنية بعضها جسور و مطار ,تتعدى هذه العمليات مستوى إرسال الإشارات الى مستوى "الأذيه" المباشرة , الأمر الذي يوحي بمقدار الألم الذي يحس به العسكريين الإسرائليين , و يعكس أكثر الحيرة و التخبط "وفوكسة" الرؤيا,و كذلك التسرع , بتصريحات أولمرت الرافضة لأي مفاوضات ,و لعله يقصد في الوقت الحالي,لأنه أن لم يفاوض حماس و هو أمر مؤكد , و لكنه على الغالب سيفاوض حزب الله ,و إسرائيل فعلت ذلك مرارا و يبدو أنها مستعدة لتفعله ثانية.

"همروجة" قصف إسرائيلي ستنتهي , و ستبدأ التوسل لإطلاق سراح جنودها, و كالعادة الرأس الإسرائيلي يساوي قطيع عربي كامل,و لكل طرف "فلسفته في العد", و من الخطأ أن نعد رأسا برأس و نفرح بهذه التجارة التي "لا تبور" , لأن الثمن هذه المرة كان جسورا و مطارا و عائلات و منازل و سماء منتهكة , و مادة إعلامية خصبة يمكن توجيهها حسب المزاج , و ليس مجرد أسيرين تم القبض عليهما بعد عملية "نوعية". و ستؤكد إسرائيل بشكل خفي أنها تفرق بين السنة و الشيعة , بإصرارها على أحتقار حماس و تجاهلها,و معاملة حزب الله على أنه الند , و دمجه مع الحكومة اللبنانية بدون تفريق ,و هي تدرك تماما أن هذا غير صحيح.

عملية حزب الله " عملية إيقاظ" لكل الأطراف , استفاق على وقعها "أحمد سعيد و سعيد الصحاف",و أعادت أجواء كأس العالم في إسبانيا عام 1982 الذي ترافق و أجتياح "لبنان", و نبه المجتمع الإسرائيلي الى خلفية قادته غير العسكرية "غير الكفوؤة", و أيقظ الإتهامات الأمريكية لسوريا بعد أن كادت تضيع في حمأة قضية إيران "الذرية",و أيقظت الطيور النائمة على طول الخط الأزرق ,و أيقظت أحلام جبهة الجولان التي أصيبت طيورها بالترهل ,و أستيقظت أنا شخصيا و في رأسي هدف واحد هو البحث في المعجم عن معاني جديدة لكلمة "نوعية".