المستقبل - الثلاثاء 15/08/2006

رضوان السيّد

بصدور القرار الدولي، دخل الوضع في لبنان، بل وفي المنطقة، مرحلة جديدة تستدعي تحديات اخرى مختلفة عن تحديات شهر الحرب والتدمير. المسعى الوحيد الجاد والانساني والسياسي هو مسعى السير نحو الدولة. الدولة التي تُعيد السوية الوطنية، وتتخذ من الإغاثة والإعمار والإدارة السياسية الرفيعة المستوى أدوات لتجديد إيمان الناس بأنفسهم ووطنهم، كما تجدد ثقة العرب والعالم بلبنان. بيد أن هذا المسعى الهادف دونه أوهام عدة:

[U]الوهم الأول: إمكان العودة إلى ما قبل 12 تموز لعدة جهات. لجهة ما يسمّى بثنائية الدولة والمقاومة، ولجهة ما يُسمّى بتقسيم العمل أو توزيع المهام: أنت تُعمّر وأنا أقف على الجبهة، وأنت تُدير وأنا أصنع الحدث، وأنت تعمل وأنا أُمارس حقّ اليتو، وأنت متهم وأنا الوطني والقومي والإسلامي الخالص.

[U]الوهم الثاني: إمكان وجود مجتمعين سياسيين، وولاءين سياسيين، الأول غربي، والثاني عربي إسلامي. السلطة عميلة عند الغرب، والجهات الاخرى وكيلة للمشروع "الشعبي" العربي والإسلامي. الأولى تُمثّل المصالح الأجنبية والجهات الاخرى تمثّل المعارضة لما بقي من الموروث العربي والإسلامي.

[U]الوهم الثالث: إمكان الملاءمة أو التوليف بين الوجود الوطني اللبناني، و"التكيفات" الاخرى ذات المنحى الإقليمي أو الدولي. وبمقتضى هذه التوليفة "المعتدلة" بين المشروعات الراديكالية، يستطيع الأميركيون أو الإيرانيون أو الروس تكليف طرف سياسي بمهمة ذات طابع عقائدي أو سياسي أو عسكري، ويستطيع الطرف المكلّف أن يستخدم مساحته ومساحة مميزة بحجة انه "صاحب مشروع"، دون إمكان الاعتراض عليه إلا استناداً لتكليف آخر خارجي.

[U]الوهم الرابع: إمكان بقاء الحكومة وليس الدولة هيئة إغاثة، واجبها لملمة الخراب الذي تحدثه التكليفات والولاءات والثنائيات. فتكون مسؤولة وغير مسؤولة، ومهمومة وعاجزة، وعرضة للذم وليس للمدح، ولا تملك مقوّمات أي مقوّمات، للتحول إلى سلطة حقيقية أو دولة حقيقية.

لقد أنهت هذه الحرب العشوائية كل هذه الأوهام. لكن الأطراف السياسية التي كانت بلبنان قبل شهر ما تزال هي هي، وتملك الخطاب نفسه، والأوهام نفسها، وطبعاً المصالح والتكليفات ذاتها.

إن التحدي الراهن والباقي على هذا الجمهور والذي تشرّد والذي ضاقت به السبل، والذي شهد انهيار بلده وعيشه، فانطوى عديم الحيلة على نفسه. لكنه يخرج الآن ليضع حداً لكل الذين تلاعبوا ويتلاعبون بمصائره فيما أرجو، وهؤلاء لا يزالون حاضرين لاستغلال الفرصة السانحة. والفرصة السانحة سانحة للمستفيدين من المصائب، والمستفيدين من العجز، والمستفيدين من غياب الدولة الجامعة.

لا إنقاذ إلا بالدولة، دولة الطائف، وجمهور الطائف، أو نعود للسقوط تحت وهدة الأوهام، ويعود المزغردون في التلفزيونات طوال شهر المأساة، مزغردين بين الخرائب التي خلّفها العدو الإسرائيلي، وخلّفتها الأوهام المنقسمة والمتعاظمة: يرضى القتيل وليس يرضى القاتل.

رضوان السيّد