كنت اتابع قناة المنار ، مشاهداً لاحتفالات "النصر" بها ، احتفائهم بجند السيد حسن ، واستعراض لتدريبهم الذي لا يشق له غبار ، ثم سمعت خطاب الرئيس الاسد ، و مهاجمته لقوي 14 اذار واعلانة ان المقاومة "انتصرت" و عقدت مقارنة سريعة في ذهني بين هذا الحدث وبين حدث اسقاط البرجين في 11-9 ، فالحدثان من النوع التاريخي الذي كما يقول السيد حسن " نصر تاريخي واستراتيجي" وكذلك هدم ال WTC كان "تاريخياً واستراتجياً " ولكنه قطعاً لم يكن انتصاراً ، بل كان عملاً دفع ثمنه العرب و المسلمون .
كلا المنظمتين حزب الله و القاعدة سريتان وكلاهما تعتمدان موقفاً اسلامياً من العالم ولكن هناك فروقاً كبيرة يننهما

- الموقف "الحقوقي" لكليهما:

يرتكز حسن علي موازنة بسيطة ، اسرائيلتحتل جزءا من جنوب لبنان ، ومن حق اللبنانيين اخراجهم منها ، وهذا خطاب بديهي و مرتكز علي البدائيات في السياسة فلا احد يستطيع ان يقول ان حسن نصر متعدٍ علي اسرائيل الا اذا كان منحازاً لها ، بينما نجد ان اسامة يرتكز علي خطاب يعتمد علي موقف "القران" ، والقران ليس ملزماً لمن لايؤمن به .

- اختيار الهدف:

اسامة وضع هدفاً من الصعب تحقيقه ، فهو يريد اخضاع الامريكان ومن ورائهم الغرب بأن يكفوا يدهم عن المسلمين ، وهذا هدف ابسط ما يقال عنه انه..ضد التاريخ ذاته ، فالغرب الان يجني ثمار احقاب من الانضباط وسلطة القانون وحرية الكلام بما فيه مصلحة الوطن ومصلحة الوطن ..فقط ، هذا التراكم من الثروة والسلوك المحافظ علي الدولة وتقديسها جعل الغرب يستحق ان يكون الاقوي ، وهناك قانون في الطبيعة يقول ان القوي يخضع الضعيف فمن الطبيعي ان يخضع الغرب المسلمين ، اذ اان المسلمين ببساطة لا يعرفون لا الانضباط ولا حرية الكلام بما فيه مصلحة الوطن ولا يعرفون سلطة القانون علي الجميع ، اذاً فهدف اسامة ضد الطبيعة ذاتها.
اما هدف حسن نصر الله فمحدد ومقدور عليه : انسحاب اسرائيل من مساحة معينة من الارض وبسط نفوذ الدولة اللبنانية عليه ، وهكذا فمن الممكن ان نقيم انجازات حسن ولا نستطيع بأي حال تقييم انجازات اسامة : فنحن نستطيع قياس الاراضي التي انسحبت منها اسرائيل ولا نستطيع قياس " اخضاع الامريكان" بأي مقياس موضوعي بحت.

-الخطاب واختيار اللغة :

لغة السيد حسن لغة معاصرة ، فهي تتناول بذكاء المفردات المعاصرة بوعي كامل للانا وبدون اصدار احكام قيمية علي اي احد ، لغة مهذبة تعرف اين تبدأ واين تنتهي ولماذا ، كما ان خطاباته متماسكة بمعني انك لاتجد كثيراً معانٍ تشتت ذهن المستمع عن الهدف الرئيسي ، هو يتحدث في موضوع محدد طوال الوقت وغالباً ما يكون هذا الموضوع معاصراً وهناك ما يستحق ان يقال فيه ، وهذا ما يجعل الاعداء يتسابقون مع الاصدقاء لسماعه ( خطابات السيد حسن كانت تترجم فورياً للعبرية ليسمعها الاسرائيليون).
اما لغة اسامة بن لادن فهي لغة غير معاصرة ، فهي لغة تتماهي مع لغة القرون الوسطي ، ولا يستطيع الكثيرون فك طلاسمها ، ولكن لاعجب فأسامة يستمد شرعيته ذاتها من القرون الوسطي فليس غريباً ان يتحدث بلغتها ، فخطابه يتبختر بفصاحة دسمة ثقيلة ، وهو ملئ بالاحكام القيمية ، فمن السهولة ان تجده يصدر حكماً قيمياً علي هذا بأنه كافر او ذاك بأنه منافق ، الامر الذي لانراه في خطابات سماحة السيد رغم انه يستطيع وصف فلان بأنه "خائن" مثلاً ، وهذا ان دل علي شئ فأنه يدل علي ثقة السيد حسن بقدراته علي الارض وقدرتها علي تحقيق اهدافه ، اما اسامة فهو يعتبر اصدار الحكم في حد ذاته هدفاً ، بمعني اخر الكلام وسيلة عند سماحة السيد وهو هدف عند اسامة .

- صدقية الخطاب:
كثيراً ما نسمع اسامة يهدد ويتوعد ولكننا لا نري شيئاً مما يهدد به أما سماحة السيد فهو ان هدد بشئ فان الاعداء يحسبون الف حساب لكلماته ، نظراً لما تراكم عنه من الصدقية في الحديث.

-الاحترافية بين حزبالله وبين القاعدة:حزب الله شركة سياسية رابحة ، يديرها مجموعه من المحترفين الذين يعرفون عملهم جيداً ، فأنت اذا ادرت لقناة المنار ستجد مارشات عسكرية مصورة باحتراف وبتقنيات انفق عليها بسخاء ، الامر نفسه نراه مع التدريب الاحترافي ومناسبة الاسلحة للمعركةلاعادة توازن الرعب بدقة بينه وبين الاسرائييين ، اما اسامة فتنظيمة ماهو الا مجموعة من الهواة المتطوعين ، الشبان المتعاطفين غالباً، ونتيجة لذلك فكفائتهم منخفضة ولا يستطيعون الا تنفيذ عمليات انتحارية تكون دائما اخر عملية في حياتهم ، خطابات اسامة مصورة بكاميرا VHS عادية وبطريقة تشعرك انه يتحدث من تحت الارض بكل مافي هذا الامر من مهانة.
كل هذا بالطبع يؤثر علي كفائة المنظمتين ، فكفائة القاعدة العسكرية منخفضة جداً ولولا عملية البرجين ما اهتم بها احدهم ، بنما حزب الله فمن كفائته ان اجبر العدو علي الانسحاب مرتين من جنوب لبنان.

-الجيش :حزبالله جيش ، وبغض النظر عن مصادر تمويله ومن يخدم بتحركاته ، فاننا رأينا جيشاً مدرباً تدريبا جيداً استطاع هزيمة جيش اخر ، بمعني انك - ان كنت محايداً- فسوف تشعر بتعاطف مع الجيش الذي ترك اهله ليقاتل في الميدان او علي الاقل فسوف تعتبر المعركة اخلاقية وفيها الحد الادني من التحضر .
اما جيش اسامة فهو مجموعة من الشباب المشحون عاطفيا الذي يعتبر الارض كلها ميداناً لممارسة القتال في سابقة تاريخيةلم تحدث من قبل ، فحتي ايام الرسول لم نسمع عن ارسال جنود لينتحروا وسط كفار قريش مثلاً ، فكانت نتيجة هذا التكتيك الغير مسبوق اعتبار جميع العرب جنوداً في هذا الجيش حتي يثبت العكس بكل مافي هذا الاعتبار من تصعيب لحياة العرب والمسلمين في الغرب.
-من يضرب ولماذا؟
عند اسامة الامر سهل ، جميع الكفار غير المسلمين هم اعداء يستحل ضربهم ، لانههم وببساطة "يدفعون الضرائب لتمويل الجيوش الصليبية" ، شاهدناه يضرب سفينة فرنسية وقت كانت فرنسا هي الدولة الوةحيدة التي تقف ضد ضرب العراق ، وشاهدنا عمليات في الدول الاكثر ليبرالية مع المسلمين : برطانيا مثلاً التي يقبع بها العديد من المطلوبين للعدالة في مصر لتهم تتعلق بالارهاب ، فاسامة يضرب بدون تمييز ، كف متعدية تهوي علي الجميع ولاتقيم اي اعتبار لسياسة او تاريخ او استراتجية او تكتيك ولا تقيم اعتباراً الا لثوابت دينية ذاتية .
اما حسن فاهدفة لم تخرج ابداً من دائرة الاسرائيليين .

-عسكريون ام مدنيون؟
لايوجد عند اسامة اي نوع من التمييز بين العسكري والمدني ، فخطابه ينتمي لحقبة ماقبل الحروب الحديثة ، الحروب القذرة التي لايتم التمييز فيها ابداً بين جيش وبين بقية المواطنين وهذا النشاز يجيش الجميع ضده ، فالعالم المتحضر لا يريد الرجوع لهذا العصر من المعارك القذرة .

تحية