وديعة رابين و وديعة الأسد
وديعة رابين و وديعة الأسد.
لم "تقبض" الدول العربية "المعنية" خطاب الرئيس بشار الأسد , فلم يبدر عنها رد فعل رسمي تجاهه ,بل أوكلت أمر الى روؤساء تحرير صحفها لتحبير بعض الردود "الإعلامية "المناسبة , و الصحوة المتأخرة لذاكرة "طبيب السادات", و التي قدمت شهادة تاريخة "طريفة" تقول بأن القيادة السورية في 67 باعت الجولان , قد تكون جزءا من تلك الردود, فيما تولى سعد الحريري أمر الرد على الشق الذي يتهم مجموعة 14 آذار بأنهم "منتجات إسرائيلية",و قد جاءت دفوعة غريبة بعض الشيء لأنه صاغها بطريقة "بياض الوش", بإعتباره قد ركز على فكرة "نكران الجميل", ضاع سعد في ردة و أحتار في أن يكون لبنانيا أم سعوديا. أسمي هذا الجزء الذي تهجم فيه الأسد على بعض العرب و كل مجوعة 14 آذار "قسم الطرطشة", أراد منه أن يلاعب أحلام و أنفعالات تظاهرات العواصم العربية التي تعقب صلاة الجمعة , كما لم يرغب القفز فوق تقليد رسخته خطابات الرئاسة السورية بذكرها "للعملاء" في كل خطاب , و كان الدور هذه المرة على مجموعة " الأكثرية اللبنانية".
الجانب " الهام" الذي بقي من الخطاب بعد أن "لحس" وليد المعلم معظم الأجزاء الخاصة بالإتهامات , هو جانب إظهار العنفوان و القوة مخلوطا بالحديث عن السلام ,و يمكن أن يفهم من هذا الخلط بأن الرجل يحضر نفسه للحرب أو يحضر نفسه للسلام,الآن و بعد أن بدأ الدخان ينقشع عن بيروت . تصاعدت نغمة الغزل , و جس النبض , الرسائل المتكررة عبر إتصالات هاتفية من كوفي عنان بإيعاز من بوش للرئيس الأسد,و كلام أحد وزراء كاديما بما يتجاوز ما يعرفة السوريون "بوديعة رابين",و مجموعات العمل في وزراة الخارجية ,ثم زيارة أمير قطر صاحب الوجه المتجهم و الذي تنطبق عليه أغنية أيهاب توفيق "شكلو عامل عمله",و هو الذي يمارس سياسة "طموحة" يريد بها أن تصبح بلاده قطبا سياسيا و قد فاتها أن تصبح قطبا تجاريا و سياحيا كدبي .و يحتفظ ووزير خارجيته بعلاقات "سرية" جيدة مع إسرائيل و لعله زارها قبل أن يحط في دمشق و "عروجه" في ليلة الإسراء الى لبنان نوعا من لعب "الكشاتبين", لأنها كانت بلا زيارة بلا معنى محدد .
تنبئنا ذاكرتنا القريبة أن حراك دبلوماسي نشيط يعقب كل حرب , و تحتفظ ذاكرتنا القريبة بمبادرة روجرز بعد حرب 1967, و سياسية الخطوة خطوة الكيسنجرية بعد حرب 1973 و قد كانت سياسة ناجحة فهي التي أنتجت أتفاقيات كامب ديفيد و أتفاقية الفصل السورية ,ثم أعقب غزو لبنان 1982 أتفاق ايار الذي رعاه جورج شولتز و فيليب حبيب و الذي سقط فيما بعد بضغوط سورية , ثم عقد مؤتمر مدريد في أعقاب حرب الخليج التي سميت عاصفة الصحراء, الآن و قد أنتهت هذه الحرب و قد أعطتها قناة الجزيرة الرقم ستة يجب أن نتوقع حركة دبلوماسية و لعلها بدأت بالفعل و نحن نشهد كل ذلك النشاط المحموم و اللغط العالي حول مفاوضات سلام .و يبدو أن الرئيس الأسد قد ألتقط كل هذا و ربما ألتقط أشياء أخرى أكثر وضوحا, فأراد أن "يغلي مهره" بتبني خطاب متشدد يظهر فيه مقدار الإلتصاق بإيران و موحيا بأن ثمن الإنفكاك منها سيكون غاليا جدا.و في نفس الوقت يرفع من معنويات المفاوض السوري ليجعل "الكيس" الذي سيصطحبه الى قاعة المفاوضات أكبر ما يمكن .
في اي مفاوضات قد تحصل لا أظن بأن السوريين سيطالبون بمتابعة المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها, لأن هذا يتطلب عودة رابين و حافظ الأسد الى الحياة , و ربما عودة فاروق الشرع الى وزارة الخارجية , و هذه أشياء من المستحيل أن تحدث , كما لن يطالب السوريون يوديعة رابين , فهذه ربما فقدها كلينتون في أحدى لقاءاته الحميمية مع لوينسكي,و لكن بين أيديهم وديعة تمثل إرثا يقدسونه هي وديعة الأسد التي تضع أمامها السلام في طرف و مياه طبريه في الطرف الآخر , و هذا دونه "تنازلات "مؤلمة لإسرائيل , و قد يتوقف كل شيء على مقدار الألم الذي يمكن أن يتحمله ألمرت.
|