تتصدر المجتمعات المتحررة جنسيا لائحة الإنتاج عالميا على جميع الأصعدة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية؛ باختصار الحضارية. الجنس، كما يبدو، هو المحرّك الحضاري الإنساني الأسمى والأقوى، بينما يشكّل الكبت الجنسي، معتمدا كان على أسس دينية أو على الأعراف والتقاليد الإجتماعية، يشكل هذا الكبت الحاجز الأهم أمام الإنتاج والإبداع الحضاري.

وبخلاف عامة الأجناس الحية التي تمارس الجنس للتكاثر، تمارس بعض القردة، ومنها الإنسان، الجنس لاسباب رفاهية بحتة تبدو متأصلة في تركيبتها الجينية. ولقد أظهرت أجهزة الموجات فوق الصوتية وجود الإنتصاب لدى الجنين الذكر حتى قبل ولادته بشهور، ويلاحظ أيضا فى غرف الولادة حدوث كثير من حالات الإنتصاب لدى الأطفال الذكور فى الدقائق الأولى بعد الولادة مباشرة. هذا الإنتصاب لا يخبو، نفسيا وفيزولوجيا، الا مع مواراة الذكور الثرى ..

الجنس وكبت النمو الثقافي

يقول البروفسور "الفرد كينزى" أن الداقع الجنسي لدى الأطفال هو دافع إيجابي يشجّع على تكامل النمو العاطفي والحسي والمعرفي لدى الأطفال. ويقول كنزي أن الإسقاطات السلبية التي يربطها الآباء بممارساة أطفالهم الجنسية، كحكّ ومداعبة أعضائهم مثلا، أو استمتاع الرضيع بثدي أمه، إنما هي اسقاطات الكبار وعقدهم النفسية على عالم الطفولة.

حين يصل الطفل إلى سن الثانية وحتى الخامسة تشتد به الرغبة ويجمح به الفضول لمعرفة جسده وأيضاً جسد الطفل الآخر سواء من نفس الجنس أو من الجنس الآخر، وهنا تأتي العاب "العريس والعروس" أو لعبة "لدكتور"، وهى ألعاب تسمح بالإكتشاف وتتيح الفرصة للمس والتعرى والإحتكاك. وبدل أن يشجع الآباء الفضول المعرفي لدى الطفل نراهم يبدأون حملة كبته جنسيا في سن مبكر من خلال التدخل القاسى والتوبيخ العنيف الذي يبدأ حالة من الإضطراب الجنسى والنفسي لدى الطفل مؤديا، بذاته فيما بعد، الى الكبت والتشوّه الخلقي لدى البالغين ومن ثم التخلّف الحضاري لدى الشعوب.

الجنس والتطوّر الحضاري

يطرح التباين بين مجتمع قرود البونوبو و الشمبانزي تساؤلات عديدة على المستوى الأخلاقي والسلوكي. فقد انفصلت هاتين المجوعتين من القردة جغرافيا منذ حوالي مليونين سنة بشكل يمكن تشبيهه بانفصال دول شرق المتوسط ومصر وشمال افريقيا عن الحضارة الأوروبية بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية وقدوم الفتوح الإسلامية.

بعكس الكبت الجنسي الذي تعاني منه فصيلة الشمبانزي، تلعب الممارسة الجنسية دورا أساسيا في مجتمع البونوبو، فهي تستخدم كوسيلة للمصالحة و حل النزاعات والصراعات. البونوبو هي القردة الوحيدة التي شوهدت تمارس نشاطات جنسية تشبه نشاطات فصيلة الإنسان كالتقبيل الفموي، الممارسة الجنسية وجها لوجه، الجنس الفموي، المداعبة في المناطق التناسلية بين الإناث و بين الذكور، الخ.

تتميز قرود البونوبو بشعرها الأشقر، وعيونها المائلة الى الزرقة، وقامتها الأكثر انتصابا من قرود الشمبانزي. أما مجتمعها فهو مجتمع تسوده المساواة وتلعب فيه الممارسة الجنسية دورا هاما. تعيش البونوبو في قبيلة تتألف من مئة فرد تنفصل إلى مجموعات صغيرة أثناء النهار للبحث عن الطعام، و من ثم تجتمع مجددا لتنام. البونوبو هي بشكل أساسي نباتية خلافا للشمبانزي الذي يصطاد غيره من السعادين ويعيش حياة ً من الغزو والسطو.

ويقول علماء الحيوان أن قرود البونوبو المتحررة جنسيا استطاعت التوصل الى المساواة الإجتماعية والمساواة بين الجنسين. وفي الحين الذي يشير البعض الى أن الأنثى في البونوبو هي الجنس المسيطر، يشيرون أيضا أنها سيطرة طفيفة وتساهم في الحد من تفاقم السلوك العدواني لدى الذكور.

وتستخدم البونوبو الجنس للصلح بعد القتال، ولتخفيف التوتر، و للترابط و توثيق التحالفات. عادة ما ينتظر البشر الانتهاء من وجبة طعام طيبة ليمارسوا بعدها الجنس، لكن البونوبو يمارسونها قبل ذلك، لتخفيف المنافسة و التوتر التي تشاهد عادة بين الحيوانات عندما تجد مصدر غذاء. وتعزز البونوبو الانسجام الاجتماعي بالجنس، فممارسة الجنس تتم في كل التنويعات الممكنة: ذكور و إناث، ذكور و ذكور، إناث و إناث، و حتى أطفال و بالغين . الممارسة الجنسية تتضمن الإيلاج، حك المناطق الجنسية ببعضها، الجنس الفموي، الاستمناء المتبادل و حتى القبلة الفرنسية.

بعيدا عن الاختلاف الشكلي بين قرود الشمبانزي و البونوبو فإن الاختلافات السلوكية هي ما يميز هذين النوعين. البونوبو أقل عدوانية و عصبية من الشمبانزي وأكثر منهم تحضرا. البونوبو ليسوا ميالين للعنف الجسدي، وهم اقل هوسا بالسلطة و المرتبة الاجتماعية. وفي الحين الذي تحل الشمبانزي فيه نزاعاتهم الجنسية بالسُلطة، فيما تحل البونوبو نزاعاتهم السُلطوية بالجنس.

وللموضوع تتمة ..