{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
بوسع الكردي الآن، أن يسمي عطره
محارب النور غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 5,508
الانضمام: Oct 2004
مشاركة: #1
بوسع الكردي الآن، أن يسمي عطره
عطر الكردي

ابراهيم محمود
عفرين -نت 07.04.05
في ( العطر) رائعة " باتريك زوسكيند" الروائية، يكون المسمى بـ( البطل) في الرواية " غرونوي" منذ ولادته من امرأة، في أسفل السلم الاجتماعي، منزوع الرائحة، لكنه يتملك العالم شمياً، ويصبح مجرماً، عبر تقصي النساء من خلال روائحهن. المفارقة تقوم هنا بين مولود منبوذ ليس له أي رائحة تصدر عن جسمه، وفي الوقت نفسه ، يذهل العالم من حوله بقدرته الفائقة على التمييز بين الروائح، ويحدد مصدرها بدقة، وكأن الروية تريد أن تقول: إن خطيئة غرونوي تقع على عاتق الذين هم وراء ظهوره دون رائحة. أو ليس مثيراً للاستغراب أن يولد المرء دون رائحة على الإطلاق، ليكون أقدر الجميع، وبامتياز، على معرفة الروائح، من كل جنس ونوع؟
ربما كان الكردي في تاريخه التراجيدي، ذلك الكائن المنزوع الأبوّة، والجاري تنسيبه إلى أكثر من جهة، طالما أن نسبه مجهول، والصحيح: جرى تجييره، ليولد في التاريخ، ولكي تمارس الطبيعة في كائنها الطبيعي، وليس الميتافيزيقي، كما جرت وتجري عادة الخائفين من مسميات الطبيعة وحقائقها، ما يبقيه ابنها الأقرب إليها أكثر من البقية، وهو الموزع بين الجبل، الذي يتحرك عالياً( رغم أن لكل شعب جبله أو جباله، لكن جبل الكردي، ربما مظهراً من مظاهر العطرية داخله) والسماء القريبة منه هنا بدورها، والاستشراف على كل من السهل والبحر، ولهذا كانت الروائح من حوله هي التي تعرّف به، وليس هو الذي يعرّف ، وربما – أيضاً- كانت روائحه الطبيعية وراء هذا الكم الكبير من الأعداء التاريخيين والجغرافيين بالإكراه، والمشاركين له في العقيدة ( الاسلامية أكثر)، ومحاولة تفتيته باسم الدين نفسه، ويكون هؤلاء المتصيدون المتعددو الأطياف والأسياف والأخلاف له متعقبيه مذ وجدوا قريباً منه أو بعيداً عنه، وهم ساعون إلى كيفية النيل منه، لكأن بقاءه لوحده انتزاع لرائحتهم المكانية، المزيفة ، ونزع لها منهم.
طويلاً طويلاً عاش الكردي بين جسد متكتم على رائحته، أو عطره ليكون علامته الفارقة، ليستطيع بقدرته الشمية، أن يمارس قراءة الأمكنة والأعداء والأصدقاء، النساء والرجال، الكبار والصغار، الكائنات الحية والجمادات، الموت والحياة، الأفراح والأتراح..الخ، وحتى أن يعيش حروبه التي لم تنته بعد، مثلما لم تتوقف في أي يوم من قبل( لهذا فهومنزوع من قَبل ومن بعد)، ويمارس حالات سلمه كما لو أنه في حالة حرب، بسبب تربص الأعداء به الدوائر، ويتواصل مع جسده، مع مثيله الكردي برائحته الخاصة به، إلى درجة أن التدخل الهائل للأعداء من كل حدب وصوب، كان يُخل بميزان القوى العطرية، قوى روائحه، فيشتبك مع بني جلدته وقتاً معيناً، أو بعضاً من وقت غير محدَّد. كل ذلك التواصل المتعدد المرامي والأبعاد كان بفضل عطره المبصر لما حوله، أو ليس لأن العطر يقوم على المفارقات أو الاختلافات؟ وهل ثمة من مفارقات واختلافات موجودة في أكثر بيئات أو جغرافيات الآخرين، مثلما هي في بيئته أو جغرافيته، كما تقول صفة( الجبلي) المعرّفة به هكذا، ولا يكون الجبلي إلا بنقاط استناده: براً وجواً وبحراً، تكويناً وتلويناً، وحتى الذاكرة التي هي إحدى مآثره الكبرى، لأن لا مفر منها، تبدو من وطأة الروائح فيها، إنها ترسم إحداثيات المكان والزمان بعطورها، من خلال تشديد الكردي على موطنه المعمَّر كونياً.
الذين تابعوه بفعل نفاذ الرائحة فيه، كانوا يريدون التشديد عليه، لنزعه من كل ما يحرره من الداخل، دون لغة، دون تاريخ مكتوب، متعقبينه كما لو أنه المسكيُّ، وهم ماضون في إثره، لئلا يمارس اللغة لمناظرتهم، التاريخ لمكاشفتهم، الجغرافيا الفعلية لمقارعتهم، الانسانية( على أرض الواقع) لمبارزتهم.
هذا ليس مديحاً لعطر الكردي، ولا سيرة مولده المأسوية، وإنما هو القول على قول، يدور حول الكردي الذي يريد الاحتفاظ برائحته الخاصة، ومواجهة المحيطين به، ممن أمضوا زمناً طويلاً في استعباده، أو التعتيم عليه، بوصفه الأبعد من حدود الآخر، والأقل من أن يكون في حدود الأنا، كما هو المقروء في السجلات اليومية لأعدائه وخصومه، كما جرى تقديمه، أو التعريف به موهوباً طبيعياً ربانياً لهؤلاء الآخرين اللاآخرين وحدهم، وذوي الأنا( القسطاسية) وحدهم، كما هو جبله الفاصل ما قبل الحقيقة وما بعدها، وما قبل جبل الكردي حقيقة تشير إليه مأسويَّ التاريخ، خطأ ما بعده، لأنه ليس من صنعه، مثلما لم يكن هو انحراف وتيرة التاريخ، ليلاحقه من لا يريد له استقراراً البتة، إنما كان من صنع صانع يخصهم جميعاً، إذا أردنا استخدام منطوقهم الديني الحميد، وهاهو يسعى إلى ابراز مبكوت الآخرين فيه، ما جعلوه طويلاً دون تاريخ يشير إليه باسمه.
في التجربة العراقية، تبدو الفسحة الأولى للكردي في العصر الحديث، وهو يجاهر برائحته، ضداً على الذين فقدوا رائحة التاريخ والإنسية فيهم، من خلال دور الكرد في المناصب الحكومية، ليس لكرم ضيافة تاريخ غير معهود، وإنما لتحول سياسة القوة التي أفضت إلى سبيل، كالذي نجد أنفسنا إزاءه، وبصورة خاصة، حين يكون أول كردي في العراق الجديد، بعد زوال نظام صدام الموبوء دون رجعة، هو الاستاذ، أو ( مام جلال) رئيساً للعراق، وبصورة رسمية، وفي هذه الحالة، كيف يمكن لدول الجوار وجوار الجوار والأبعد من ذلك أن تحدد علاقتها به؟ حيث أفصحت معاً وعلى انفراد، زرافات ووحداناً، عن المزيد من الفتك بالكردي في تعقب رائحته هذه المرة مباشرة وبصورة غير مباشرة( ارهابيو هذه الدول علامات فارقة على ذلك).
هل يمكن تجاهل حقيقة ما يجري؟ إن السياسة وتفعيلاتها الدولية تفرض نظامها الأخلاقي الخاص، مثلما الطبيعة تفرض سلطتها الفيزيائية على موجوداتها، وإلا فإن ثمة ما لا يتمناه المعنيون في الدول هذه، يحصل لهم.
يدخل الكردي برائحته، كما كان، والآن برائحته ولغته الزمان المرئي والمسموع، وعبروكالات الأنباء العالمية، لأن الحدث هذه المرة غير معهود، مثلما سيكون هناك أكثر من حدث في سياقه، كما تقول التوقعات، أعني توقُّع ما كان يندرج قبل سنوات عدة، في عداد ماوراء الغرائبية في السياسة، الجهات لا يعود لهامحل من الجغرافيا الصرفية شوفينياً، لن يكون هناك ( شمال العراق) إنما كردستان العراق على الأقل، وهذا ما يخيف الآخرين الذين يعززون مواقفهم بالجهات، ولكن الجهات دائماً تكوم حدودية، أي أن الجهة هي الحد الفاصل بين داخل يُخشى جانبه، وخارج يُخشى غائبه، وكأن الدولة هي حدودية باستمرار، دولة تعتبر كل شيء حدودياً، فحيث تكون السلطة في الدول هذه، تعلن عن حربها، بشكل علني أو تتهيأ لها، بوصفها ممارِسة اغتصاب لشعوبها، أو مصادرة الحياة من شعوبها، فتكون مواقع جيوشها حيث تكون المدن و مشارفها، أي أن مجتمعاتها في مجملها جبهات حرب خامدة أو نشطة من الداخل، ولهذا يكون التركيز العنفي على قدم وساق، والكردي كان شاهداً على هذه الجبهات الغرائبية وشهيداً لها بين الحين والآخر.
ليس بروز( مام جلال) رئيساً للعراق الجديد، مبعث فرح استثنائي لي، وفي الطرف الآخر: القريب جداً يكون الأخ مسعود عيناً على كردستان العراق، لأن متعقبي روائح الكردي لا زالوا شرسين بما فيه الكفاية، ليبقى الكردي يقظاًبما فيه الكفاية كذلك..
أن أفرح، يعني أنني أستغرب تحولاً كهذا، لأن ما يجري حديثاً، هو ما أبسط ما كان يجب أن يحصل قبل الآن، وأن يكون هناك تحول في الخارج، لئلا يستشعر الكردي مخاطر تاريخ من يعتبرون أن كل ازورار فيه هو بسببه، وليكون الجميع معنيين بالتاريخ والجغرافيا معاً.
ثمة كثيرون عبَّروا عن غبطتهم بما يحدث من كردنا، هل هذا كثير عليهم؟ إنه شعور بالحد الأدنى من سلطة الأنا، من قيمة المرء فيما يملك انسانياً، من حق في الاختلاف، مقبل الآخرين طبعاً، وعلى الكرد ادراك حكمة التاريخ وهم يتابعون قراءة الآتي، داخل مجتمعاتهم، ليحسنوا قيامتهم على أنفسهم، وقيامة أنفسهم في التاريخ، وبالتالي قيامة التاريخ الموعود والذي تأخر بوعوده كثيراً، ليهنأوا بتاريخ مشترك مع المحيطين بهم بسلام أكثر عقلانية، ولكن ككرد خارج التنسيب المقدَّم ضمن لوائح في مغلفات مغلقة، كما كان عهدهم بهم.
كثيرون كثيرون من الآخرين هنا وهناك، كان هذا اليوم ( 6/5/2005) حداداً تاريخياً لهم، وخصوصاً الذين لا زالوا يقولون بصوت عال، خارج ( جمهورية الرعب والمقابر الجماعية سابقاً): صدام لم يسقط، صدام لن يموت، وكأن الكرد كانوا وراء تجلّيه سفاح شعوب العراق وغير العراق، والسبب في سقوطه، وفي الأول لا وألف لا، وفي الثاني لهم الفخر في أن يكونوا كذلك، إلى جانب غيرهم من عشاق الحرية والديمقراطية.
نعم، ثمة وقت طويل، لا بد من مروره حتى يستفيق المأخوذون بفتنة الواحد الأحد الدموي، ويدركوا حقيقة ما هم عليه: بؤساً وموات روح.
بوسع الكردي الآن، أن يسمي عطره، حيث أعداؤه منزوعو الرائحة هذه المرة، ومنذ زمان طويل، استنفذوا النفس القادر على مدهم بالطاقة المناسبة، بوسع أي كان أن يتحدث عن عطر الكردي، ليس بوصفه غزال المسك المطارَد في التاريخ، وإنما كائن التاريخ بعطره ولغته وبالصوت والصورة، دون خوف من أي كان، حتى لو كان هناك من يتعقب رائحة كتابتي، ونبرة الكردية الصريحة فيها


محارب النور

صباح النرجس للكل.
09-07-2006, 10:44 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
بوسع الكردي الآن، أن يسمي عطره - بواسطة محارب النور - 09-07-2006, 10:44 AM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  مع أي فريق يقف المسلمون الآن؟‏ neutral 46 12,253 08-10-2009, 11:38 PM
آخر رد: بوعائشة
  أين هؤلاء الفلسطينيون من وطنهم الآن؟ لءيتال 13 2,702 02-22-2009, 08:52 PM
آخر رد: لءيتال
  الآن توريط مسلمي الهند بسام الخوري 21 4,834 12-07-2008, 09:21 AM
آخر رد: الحكيم الرائى
  فقط في السعودية... الضحية تنال العقاب (حتى الآن) أيضًا!! القرامطي 43 6,972 11-29-2007, 07:02 PM
آخر رد: shahrazad
  الديموقراطية الآن . بهجت 24 4,128 11-14-2007, 11:18 PM
آخر رد: بهجت

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS