بدأت قصتنا عندما قررنا الثورة على الأتراك والتخلص من سيطرتهم على بلاد الشام. ودفعت دمشق وبيروت قائمة من الشهداء، توسط من أجلهم أشراف الحجاز وفشلوا، واندلعت الثورة العربية الكبرى.

أعتقد أن الكثيرين من العرب ذاك الوقت لم يأبهوا لما يحصل، وذلك لاهتمامهم بأمورهم الخاصة، وقلة ثقافتهم وضعف اطلاعهم على ما يحصل، أضف إلى ذلك المجاعات التي كانت تسود آنذاك.

تغلب العرب على الأتراك بمساعدة إنجليزية، أو العكس : تغلب الإنجليز على الأتراك بمساعدة عربية. واستقبل العرب في الشام أشراف الحجاز ملوكاً عليهم. ولازال شارع في دمشق يدعى شارع الملك فيصل، حيث دخل الأمير فيصل منه دمشق محرراً !

لم تدم فرحة النصر كثيراً، إذ سرعان ما قرر منتصرو الحرب الكبار : فرنسا وبريطانيا، تقاسم الشرق الأوسط، وسرعان ما أعلن الملك فيصل خيبته واستسلامه بقوله المشهور : " ليس بالإمكان أفضل مما كان"...

انسحب الملك فيصل من دمشق بعد أن حل الجيش العربي في سوريا، تاركاً إياها للجيش الفرنسي الذي استطاع بسهولة التغلب على بضع مائات من الوطنيين في ميسلون، ووئدت قصة أول نصر عربي في العصر الحديث خلال فترة وجيزة باحتلال غربي لأرجاء الشرق الأوسط...

عام 1936 اندلعت ثورة فلسطين الكبرى، بعيد استشهاد الشيخ عز الدين القسام، وبدأت أحداث كادت تودي بالاحتلال البريطاني لفلسطين. منذ بدايات الثورة تدخل الأمير عبد الله من الأردن ونوري السعيد (الذي كان من قائمة المنسحبين مع الملك فيصل من دمشق ) للوساطة وتطمين الفلسطينيين إلى حسن نوايا بريطانيا... فشلت الوساطة، واستمرت الثورة وعمت فلسطين كلها. ولكن قوة بريطانيا، وضعف الدعم العربي للثورة، واقتراب الحرب العالمية الثانية وفرت الظروف المناسبة لإنهاء الثورة والقضاء عليها بعدما حققت انتصارات محلية ملحوظة وسيرطت على مدن مثل عكا وحيفا والقدس...
وقامت الحكومة الأردنية يوم ذاك بالقبض على آخر زعماء الثورة : يوسف أبو درة، وسلمته للبريطانيين لإعدامه...

في عز اليأس العربي من قضاياه وهزيمة الجيوش العربية أمام المد الصهيوني، شهدت الستينات من القرن ولادة منظمة التحرير الفلسطينية، التي سرعان ما حققت انتصاراً صغيراً حجماً، كبيراً أهمية، في معركة الكرامة في العام الذي تلا عام هزيمة 67...
أفرزت معركة الكرامة، قوة وشعبية لمنظمة التحرير، وسرعان ما علا نجم ياسر عرفات قائد تلك المعركة، والتحق بالحركة آلاف العرب من جنسيات مختلفة.
وكان مقر المنظمة الأردن، إذ توجد هناك غالبية فلسطينية.
ولكن سرعان ما ضاق الملك حسين ذرعاً بعمليات المنظمة الناجحة، وتلا عملية اختطافها للطائرات الأربع في أيلول الأسود 1970 حرب من الجيش الأردني على المنظمة وأد نجاحاتها، وشتت وقتل الكثير من أعضائها، ونفى الباقي إلى لبنان...

كم سنئد من انتصارات شعبية، وكم ستجهض الحكومات العربية من انتصارات لشعوبها.
لن أخوض في معركة حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي، ولكن ما أشبه اليوم بالأمس...

(f)