{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
هل الشريعة الاسلامية صالحة لكل زمان ومكان ؟
الليبرالي غير متصل
عضو فعّال
***

المشاركات: 149
الانضمام: Jan 2002
مشاركة: #34
هل الشريعة الاسلامية صالحة لكل زمان ومكان ؟
(f)(f)

فسحة معرفية مع التصوف وأخوان الصفا
وتمازج بين الفلسفة والروحانية والعلم والتعبد ..


الثقافة لكي تكون شمولية يجب أن تجمع بين الأصالة ومُواكِبَة للعصر – وبالتالي تكون ثقافة الإنسان في أبعاده كلِّها.

ففي ظلِّ تنامي العقلانية وقدرة الإنسان المتعاظمة على تطويع الطبيعة في جميع الحقول، أصبح من الملحِّ جدًّا أن ينكبَّ الإنسان على البحث في حيِّز الـ"لماذا"، دون أن يتخلَّى عن تحكُّمه في حيِّز الـ"كيف".

أي ثقافة "الكيف"، مهجوسة بثقافة الـ"لماذا".

فالحلُّ ليس إلا في الموقف الجدلي بين "الواقع" و"المعنى".. فـ"الواقع"، أو المستوى التقني للحياة – الفردية والجماعية – هو شأن العقل، أو العقلانية، ومن مهمَّات العلمانية .

أما "المعنى" فهو من شأن الإيمان، الذي يعبِّر عن ذاته، ثقافيًّا، بالمنظومة الدينية.

لكن المستويين والشأنين يجب ألا يتناقضا ويتعارضا، وألا يمتزجا ويتماهيا، بل أن يُقيما فيما بينهما علاقة جدلية.

فالعلم والتقنية، عندما يسيطران على "الواقع"، إنما يسعيان إلى الوصول إلى "المعنى" المحقَّق في الواقع أو الظاهر فيه. وما نفع المثال الخُلُقي إنْ لم يرتبط بضرورات الواقع؟!

وعليه، فإن ثقافة الإنسان في أبعاده كلِّها لا بدَّ أن ترتكز على إجراء تمييز واضح بين الله والإنسان، بين الإيمان والعالَم، بين الوحي والتاريخ.

على هذا الأساس، فإن علاقة الإنسان مع الله – بالإيمان – وعلاقة الإنسان مع العالم – بدراسة الطبيعة وفهم قوانينها – هما علاقتان مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا.

ومن الممكن أن يؤدي فكُّ الارتباط بينهما إلى إحداث اختلال في التوازن الأمثل. فعلى الإنسان أن يحافظ على طهارة الإيمان وعلى دنيوية العالم. فللَّه وحده ملكية المعنى الأخير؛ ولله وحده ملكية وحدة التاريخ أما العقل فهو يتجه دوماً إلى سؤال كيف، يفسر الظاهر ويبحث في الأجوبة ومن ثم الإثبات .

من هنا أنطلق إلى التصوف الذي يعتبر أقصى درجات ذوبان الإنسان بالخالق ..

ويعرف التصوُّف بـأنه تعبد الله، لا طمعًا في ثواب، ولا خوفًا من عقاب، بل أن تعبد الله حبًّا في الله – مما يعني انتفاء الغرض؛ وهو ما تقتضيه طبيعةُ الإخلاص. بذلك ينهض التصوف على ركن أساسي هو الحب والإخلاص فيه .

رَدْمُ الهوَّة بين الله والإنسان والعودة (التوبة) إلى الحال التي كان عليها "قبل أن يكون"، على حدِّ تعبير الصوفية – لكن مع إقرار منه بأنْ ليس له وجود منفصل عن الله – العودة إلى حيث ينعدم التناقض، ويسود انسجام كوني وسلام دائم؛ وهو ما يمكن أن نسميه "الحالة الفردوسية"، حيث "تحيتهم فيها سلام".
***
فالتصوف في النتيجة تنميةَ البُعد الإلهي في الإنسان .

فالتصوف، من هذه الناحية، يلتقي مع سائر الأديان، من حيث إنها تهدف إلى الارتقاء بالإنسان إلى ما فوق شرطه البشري، الذي يتمثل في الخضوع إلى غرائز حبِّ التملك والسيطرة والانغماس في ملذات البطن والفرج إلخ.

، عندما يعرف اللهُ نفسَه من خلال معرفة الصوفي له، تمامًا مثلما يحب اللهُ نفسَه من خلال حبِّ الإنسان له. وهذا هو الهدف من الخلق: أن يعرف الإنسانُ ربَّه من خلال تعريف الله له بنفسه، وأن يعرف اللهُ نفسَه من خلال معرفة الإنسان لله. يقول الله تعالى: "وما خلقت الجنَّ والإنس إلا ليعبدون."

يقول ابن عباس: "إلا ليعرفون"، تفسيرًا لختام الآية السابقة. وفي حديث قدسي (غير ثابت) يتناقله الصوفيون، يقول الله تعالى: "كنت كنزًا مخفيًّا، فأحببت أن أُعرَف، فخلقت الخلق، فبي عرفوني."

لكن عدم ثبوت هذا الحديث لا يقدح في صحة مضمونه، من حيث إن باعث الخلق حبٌّ فاض عن إنائه، حتى كَشَفَ عن مكنونات ذاته في هيئة كائن تجتمع فيه جميع الأسماء الإلهية ("الإنسان الكامل")، هو آدم وحواء، أو "حوادم"! وهذا ما ذهب إليه الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي في فصوص الحكم إذ يقول:

(من "فص حكمة إلهية في كلمة آدمية"):

إن رؤية الشيء نفسَه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسَه في أمر آخر يكون له كالمرآة؛ فإنه يُظهِر له نفسَه في صورة يعطيها المحلُّ المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحلِّ ولا تجلِّيه له.

ومن الصوفية أبحر إلى أحد حركاتهم الفلسفية الرائعة أخوان الصفا لأتوقف لديهم قليلاً ..

تشير أغلب المصادر إلى أن الخليفة المأمون كان قد جمع المنجِّمين وأنفق عليهم الأموال الجمَّة لعمل الزيج الذي باسمه – وولاة الأمر مكتومون، داخلون في كهف التقيَّة. وقد ظنَّ المأمون، لعتوِّه وكِبَرِه، أن الفاطميين قد انتهوا، ولم يبقَ للشريعة مَن يُقيم دعائمها ويوضح مراميها، وطمع في إبطال الشريعة، وأراد أن يُظهِر علم الهيئة، وجعل معرفتها الدين، وأن الهيئة المبدأ والمعاد، على معرفتها الحساب والعقاب والثواب، ليرى الخلقُ أن ما جاء به الرسول لا أصل له، وأن الصحابة، لما تيقَّنوا ذلك، عملوا بعليٍّ ما عملوا، وأنهم في ذلك مصيبون، لا ذنب لهم ولا عَنَتَ يُنسَب إليهم في قتل ذرية النبوة.

فلما علم وليُّ الحقِّ ذلك صنَّف الرسائل، وأظهر فيها ما أظهر من علوم الفلسفة الأربعة، ما هم عنه عاجزون، وشدَّ أركان الشريعة، فوطَّد قوانينها بالمقابلات والشواهد التي لا تختل ولا تستحيل عن المعاني بين الآفاق والأنفس، حتى أقبلت الأمَّة على حدود دينه، يُدارسونهم هذه العلوم، ووليُّ الحق عنهم مكتوم. وصنَّف الرسائل، جاعلاً أولَّها

الرياضيات، ثم الطبيعيات، ثم النفسانيات، ورابعها الناموسيات الإلهيات،

وذلك في توفيق عجيب بين ما وَرَدَ على ألسنة الحكماء من الرياضيات والطبيعيات وبين الكتب المنزلة، كالتوراة والإنجيل والقرآن وغيرها من صحف الأنبياء. وثالثها الكتب الطبيعية، وهي صور أشكال الموجودات، بما هي عليه الآن من تركيب الأفلاك وأقسام البروج وحركات الكواكب ومقادير أجرامها وفنون الكائنات وأصناف المصنوعات على أيدي البشر وبواطنها الخفية؛ ورابعها الكتب الإلهية التي لا يمسها إلا المطهَّرون، وهي جواهر النفوس.
وتبدو غايتهم في التقريب بين الدين والفلسفة بيِّنة، في عصر ساد فيه الاعتقاد أن الدين في وادٍ والفلسفة في وادٍ آخر، وذلك بتعريف الفيلسوف على أنه الحكيم، وأن الفلسفة هي التشبُّه بالإله على قدر الطاقة البشرية، وبالاستشهاد بأقوال الفلاسفة، كسقراط وأرسطوطاليس وأفلاطون وفيثاغوراس وغيرهم، التي تصبُّ في نهر الحكمة الواحد الدافق، بما يتوافق مع أقوال الأنبياء كافة، التي استهانت بأمر الجسد ودَعَتْ إلى خلاص النفس من أسْر الطبيعة وبحر الهيولى بالعلوم – وأولها علم الإنسان بنفسه، ثم علمه بحقائق الأشياء.

وقد أكدوا أن علومهم التي طرحوها في الرسائل هي مفاتيح للمعرفة، لا ينبغي التوقف عندها، بل الترقِّي في سلَّم الصعود إلى الحالة الأخيرة الملكية، التي نرى أبدع وصف لها بقولهم:

أو هل لك، يا أخي، أن تصنع ما عمل فيه القوم كي يُنفَخ فيك الروح، فيذهب عنك اللوم، حتى لا ترى إلا يسوع عن ميمنة عرش الربِّ قد قرَّب مثواه كما يُقرَّب ابن الأب، أو ترى مَن حوله من الناظرين.

أو هل لك أن تخرج من ظلمة أهرمن حتى ترى اليزدان قد أشرق منه النور في فسحة أفريحون.
أو هل لك أن تدخل إلى هيكل عاديمون حتى ترى الأفلاك يحيكها أفلاطون – وإنما هي أفلاك روحانية، لا ما يشير إليه المنجِّمون – وذلك أن علم الله تعالى محيط بما يحوي العقل من المعقولات، والعقل محيط بما تحوي النفس من الصور، والنفس محيطة بما تحوي الطبيعة من الكائنات، والطبيعة محيطة بما تحوي الهيولى من المصنوعات؛ فإذا هي أفلاك روحانية محيطات بعضها ببعض.

أو هل لك أن لا ترقد من أول ليلة القدر حتى ترى المعراج في حين طلوع الفجر، حيث أحمد المبعوث في مقامه المحمود، فتسأل حاجتك المقضيَّة، لا ممنوعًا ولا مفقودًا، وتكون من المقرَّبين – وفَّقك الله، أيها الأخ البار الرحيم وجميع إخواننا، لفهم هذه الإشارات والرموز.


وعن تسميتهم بأخوان الصفا فعلينا التمعن في رسائلهم ، لنستشف من خلالها معنى "الأخوة" في نظرهم، وكيف يكون الصفاء:

واعلم، يا أخي، أن حقيقة هذا الاسم هي الخاصة الموجودة في المستحقِّين له بالحقيقة، لا على طريق المجاز. واعلم، يا أخي – أيَّدك الله تعالى – أنه لا سبيل إلى صفاء النفس إلا بعد بلوغها إلى حدِّ الطمأنينة في الدين والدنيا جميعًا. واعلم، يا أخي، أن حقيقة الصفاء أيضًا هي أن لا يغيب عن النفس الصافية الزكية شيءٌ من الأشياء التي بها الحاجة إليها.

إن الصفاء إنما يُعرَف بالكدورة، والعدل بالجور، والصحة بالسقم. وإنما صفاء إخوان الصفا لما أخلصوا الصبر على البلوى في السراء والضراء.

أما "الأخ" الحقيقي الذي ينصحون به:

فينبغي لك، إذا أردت أن تتخذ صديقًا أو أخًا، أن تنتقده كما تنتقد الدراهم والدنانير والأرضين الطيبة للزرع والغرس، وكما ينتقد أبناءُ الدنيا أمر التزويج وشري الممالك والأمتعة التي يشترونها.

واعلم أن الخطب في اتخاذ الإخوان أجلُّ وأعظم خطرًا من هذه كلِّها، لأن إخوان الصدق هم الأعوان على أمور الدين والدنيا جميعًا، وهم أعز من الكبريت الأحمر. وإن وجدت منهم واحدًا فتمسَّكْ به، فإنه قرة العين، ونعيم الدنيا، وسعادة الآخرة؛ لأن إخوان الصدق نصرة على دفع الأعداء، وزين عند الأخلاء، وأركان يُعتمَد عليهم عند الشدائد والبلوى، وظهر يُستنَد إليهم عند المكاره، في السرَّاء والضرَّاء، وكنز مذخور ليوم الحاجة، وجناح خافض عند المهمَّات، وسلَّم للصعود إلى المعالي، ووسيلة إلى القلوب عند طلب الشفاعات، وحصن حصين يُلتجأ إليه يوم الرَّوْع والفزعات. فإذا غبتَ حفظوك، وإن تضعضعتَ عضدوك، وإن رأوا عدوًّا لك قمعوه. والواحد منهم كالشجرة المباركة، تدلَّتْ أغصانُها إليك بثمرها، وأظلَّتْك أوراقُها بطيب رائحتها، وسَتَرَتْك بجميل فيئها. فإن ذكرتَ أعانك، وإن نسيتَ ذكَّرك. يأمرك بالبرِّ ويسابقك إليه، ويرغِّبك بالخير ويبادرك إليه ويدلك عليه، ويبذل ماله ونفسه دونك.
فإذا أسعدك الله، يا أخي، بِمَنْ هذه صفتُه، فابذلْ له نفسك ومالك، وقِ عرضَه بعرضك، وافرشْ له جناحك، وأودعْه سرَّك، وشاوِرْه في أمرك، وداوِ برؤيته عينَك، واجعلْ أُنسَك – إذا غاب عنك – ذكرُه والفكرُ في أمره. وإن هفا هفوة فاغفرْ له، وإن زلَّ زلَّة فصغِّرْها عنده؛ ولا توحشْه فيخاف من حقدك؛ واذكرْ من سالف إحسانه عند إساءته ليأنس بك، ويأمن غائلتك – فإن ذلك أسْلَم لودِّه وأدْوَم لإخائه.





مبادئهم الأولية
"النظام الداخلي لجماعة الإخوان"

أ. اعتُمِدَت التقيَّة كمبدأ أساسي في تنظيم إخوان الصفا، لضمان انتشار فكرهم وتفويت الفرصة على العدوِّ المتربِّص بهم – حتى وإن اضطرتْهم إلى التفرُّق في البلاد ومفارقة الأحباب الأصحاب – لأنهم فهموا عصرهم فهمًا دقيقًا، وأدركوا سلطان الدولة العباسية وخطر أية مواجهة للسلطة، وأن أيَّ إعلان منهم يعني نهايتهم. وكانت التقيَّة تنطبق على كوادر التنظيم كلِّها، من أدناها لأعلاها.

وهكذا ساعدت التقيَّة على رواج رسائلهم واستمرار فكرهم لقرون عديدة، وبقائه كمنهل ثرٍّ لكلِّ الفلاسفة الذين أتوا بعدهم، كابن سينا، والفارابي، والسجستاني، والكرماني، وناصر خسرو، ونصير الدين الطوسي، وغيرهم.

ب. وقد حدَّدوا سنَّ القبول بسنِّ الخامسة عشر، أي سنِّ الشباب الذي عليه الاعتماد، باعتباره قوة خلاقة فاعلة متقبِّلة لجديد الحياة. فهم يؤمنون أن الله ما بعث نبيًّا إلا وهو شاب، ولا أُعطِيَتْ حكمةٌ إلا لشاب، وأن المشايخ أول مَن كذَّب الرسل والأنبياء:
ينبغي لك ألا تُشغَل بإصلاح المشايخ الهرمة، الذين اعتقدوا منذ الصبا آراء فاسدة، وعادات رديئة، وأخلاقًا وحشة؛ ولكن عليك بالشباب السَّالمي الصدور، الراغبين في الآداب، المبتدئين بالنظر في العلوم، المريدين طريق الحقِّ والدار الآخرة، والمؤمنين بيوم الحساب، المستعملين شرائع الأنبياء – عليهم السلام –، الباحثين عن أسرار كتبهم، التاركين الهوى والجدل، غير متعصِّبين على المذاهب.

ج. ولكنهم، في الوقت نفسه، لم يقبلوا عضوية أيِّ متقدم إليهم مباشرة؛ بل كانوا ينتقدونه كما تُنتقَد المعادنُ والدراهم، ليتَّفق معدنُه وجوهر دعوتهم الإلهية. وحدَّدوا صفة أساسية للعضو المرشَّح، ألا وهي الصدق، بكلِّ ما تعنيه الكلمة: من صِدْق ولائه، وصِدْق عقيدته، وصِدْق طاعته لحدِّه الأعلى، وصِدْق تعاونه وتجاوُبه مع إخوانه.

د. واعتمدوا مبدأ الشك، لاستجلاء كافة جوانب شخصية المرشَّح، وعدم الاطمئنان إليه إلا بعد اختبار أخلاقه وآرائه وتربيته، حتى لا يقعوا في شرك الاندساس، فيمرُّ بمراحل عديدة قبل أدائه القسم وأخذ العهد عليه.

هـ. أما اجتماعاتهم فكانت تتم في صورة دورية، كلَّ اثني عشر يومًا، لا يتخلَّف عنها المريد إلا لعذر قاهر، بحيث يأتيها نظيفًا متطهرًا، ليستمع من المرشد إلى تلاوة للـرسائل، رسالة رسالة.

ويتم الحضُّ خلال الاجتماع على تعاون الإخوان وتواصُلهم ومحبتهم بعضهم لبعض، وفق منهاج وشرائط تربوية تحكم علاقتهم الداخلية: الخارج عنها خارج على أحكام العقل، وبالتالي الإمام والشريعة برمَّتها، وعقوبته الطرد بالتي هي أحسن:
نخرج من صداقته، ونتبرَّأ من ولايته، ولا نستعين به في أمورنا، ولا نعاشره في معاملتنا، ولا نكلِّمه في علومنا، ونطوي دونه أسرارنا، ونوصي بمجانبته إخوانَنا، اقتداءً بسنَّة الشريعة، كما ندبنا إليه ربنا – جلَّ وعزَّ – فقال: "لقد كان لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه، إذ قالوا لقومهم إنا براءٌ منكم وممَّا تعبدون من دون الله."

و. كما استطاعت حركة الإخوان أن تجد لها ركائز وخلايا في طبقات المجتمع كافة، بدءًا من المُعدَمين وانتهاءً بهرم السلطة العلوي، فاكتسبت جماهيرية واسعة. وقد اختاروا من كلِّ فئة مسؤولاً عنهم من نفس الفئة، لأنهم وعوا تفاوُت مستويات الناس وطباعهم وسجاياهم؛ لذلك اختاروا داعيًا من وسط هذه الفئات، عارفًا بخفاياها. فنجدهم يقولون:

وقد ندبنا لكلِّ طائفة منهم أخًا من إخواننا ممَّن ارتضينا من بصيرته ومعارفه، لينوب عنَّا في خدمتهم، بإلقاء النصيحة إليهم بالرفق والرحمة والشفقة عليهم، وليكون عونًا لإخوانه بالدعاء لهم إلى الله وإلى ما جاءت به أنبياؤه – عليهم السلام – وإلى ما أشار إليه أولياؤه من التنزيل والتأويل لإصلاح أمر الدين والدنيا أجمعين.

ز. وللمرشد أو الداعي أيضًا يتوجَّهون بمجموعة من التوصيات والتعاليم، ويحضون على تحلِّيه بمجموعة من الصفات:

أن يكون أبًا شفيقًا، وطبيبًا رفيقًا، لا نزقًا ولا خرقًا ولا منحرفًا ولا متجبرًا ولا متكبرًا ولا متغيرًا، ولا يحمِّل أحدًا فوق طاقته، ولا يكلِّفه فوق وسعه، يبرز لمريديه بروز النفس الكلِّية للنفس الجزئية، في جليل هيبته وجميل هيئته، ويخرج إليهم بسكينة ووقار ليعرِّفهم أمور دينهم ودنياهم، و...


... أن أصلح الأعمال وأجلَّ الأفعال تفقُّد إخوانهم وتدبير أمورهم، ومعرفة السياسات الدينية والدنيوية، وما يجب أن يعملوه ويعامِلوا به أهل الدنيا في معيشة الدنيا، وما يجب لهم وعليهم، من أداء الأمانة وترك الخيانة ومحبة بعضهم بعضًا في الله – عزَّ وجلَّ.


وهكذا، حتى يستخلص طائفةً منهم ويمتحنهم في فرقة الأولاد والنساء والأوطان ونفقة الأموال في سبيل الله؛ فإن صبروا على هذه المحن، أوْقَفَهم على الأسرار والأمثال والإشارات والعبارات، حتى إذا ما رأى انتقاشَها في نفوسهم وتصوُّرها فيها، أطلقهم كدعاة لاستجلاب إخوان آخرين بأسلوب الترغيب والإقناع.

دولة أهل الخير
والرسائل، في مجملها، تتوجَّه أساسًا إلى "الأخ البارِّ الرحيم"، باعتباره اللبنة الأولى لبناء مدينتهم الفاضلة، الذي ينبغي أن تتوفر فيه ابتداءً أربع أحوال:

- إقرار باللسان؛
- تصوُّر لهذا الأمر بضروب الأمثال للوضوح والبيان؛
- تصديق بالضمير والاعتقاد .
- تحقيق له بالاجتهاد في الأعمال المشاكِلة لهذا الأمر.

وهذه المدينة يدعونها "مدينة أهل الخير"، محدِّدين بعض ملامحها، قائلين:
لا ينبغي أن يكون بناءُ هذه المدينة في الأرض، حيث تكون أخلاقُ سائر المدن الجائرة؛ ولا ينبغي أن يكون بناؤها على وجه الماء، لأنه يصيبها الأمواج والاضطراب ما يصيب أهل المدن التي على السواحل من البحار؛ ولا ينبغي أن يكون بناءُ هذه المدينة في الهواء مرتفعًا، لكيلا يصعد إليها دخانُ المدن الجائرة، فتكدِّر أهويتها. وينبغي أن تكون مشرفة على سائر المدن، ليكون أهلُها يشاهدون حالات أهل سائر المدن في دائم الأوقات؛ وينبغي أن يكون أساس هذه المدينة على تقوى الله، كيلا ينهار بناؤها، وأن يشيَّد بناؤها على الصدق في الأقاويل، والتصديق في الضمائر، وتتمَّ أركانها على الوفاء والأمانة، كيما تدوم، ويكون كمالُها على الغرض في الغاية القصوى التي هي الخلود في النعيم.

وكأني بهذه المدينة مدينة روحية، تخلَّص أبناؤها من أسْرِ عناصر الدنيا الأربعة – الماء والتراب والنار والهواء – بصفاء النفس واستقامة الطريقة، صعودًا في المقامات. أهلُها، كما يرون، قوم أخيار حكماء فضلاء، مستبصرون بأمور النفس وحالاتها، وما يتبع ذلك من أمور الأجساد وحالاتها. لهم سيرة جميلة كريمة حسنة، يتعاملون بها فيما بينهم؛ ولهم سيرة أخرى يعاملون بها أهل المدن الجائرة. وهي مسوَّرة، لا يدخلها إلا من عَرَفَ نفسَه وجوهرها ومبدأها ومعادها. تُنصَب دعائمُها على أربع قواعد، أسُّها: معرفة العقل وما يحيط به، والنفس وما تضمَّنتْه، والطبيعة وما أيَّدها، والهيولى وما تصوَّر فيها، ليصل الفرد في آخر المطاف أن يصير عقلُه كعقلها المدبِّر، صاحب الناموس الأكبر – الإمام – وهو تمام الغاية والمرام.




ونحن على مشارف الألفية الثالثة، حين نأخذ هذه الرسائل، في عمقها الفلسفي والروحي وفي بُعدها الرمزي، فنحاول استنباط الحكمة منها، للجمع بين البشر. فهي، دونما ريب، مازالت من هذه الناحية تحتفظ إلى اليوم بمصداقيتها كاملة.

لذلك خرجنا قليلاً عن ما طلبه الصديق جادمون لتحديد بعض الضوابط وسلم للنقاش .
لكن كان لا بد وانطلاقاً من هذه المداخلة أن نستريح قليلاً من جهالة الكون الفسيح ومن شواهد التاريخ لنقف مع أجمل ما قدمته الحقبة الإسلامية من روحانية انبثقت من الفلسفة والعلم والصوفية

آملين أن تشكل هذه الإستراحة فسحة تأمل للأصدقاء لنتابع من بعدها تسلسلنا الذي سنقدمه في مشاركتنا القادمة .
وليسامحنا الجميع إذا شططنا خارجاً فالنقاش لا بد أن يدخلنا إلى فسحة معرفية جديدة .

دمتم
الليبرالي
(f)(f)


01-24-2005, 01:37 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
هل الشريعة الاسلامية صالحة لكل زمان ومكان ؟ - بواسطة الليبرالي - 01-24-2005, 01:37 PM

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS