لا أعرف متى بدأ هذا الجنان المستحكم ..
ما هي أول حادثة صار لها المسلمين بسبب رواية او رسم أو عمل فني أو أدبي أو تصريح أو كلام ..
المسألة فعلا تزيد عن حدها يوما بعد يوم ..
دائما هناك ما يغضب المسلمين و يثير جنونهم ..
دائما هناك ما يجعل آلاف المسلمين يتجمعون في مظاهرات غاضبة و حانقة ..
دائما هناك رجل شارع مسلم واخداه الجلاله يظهر في الفضائيات يسب و يلعن في أحد ما ...
دائما هناك مؤامرة صهيونية صليبية شيوعية إمبريالية ضد الإسلام الحنيف و العفيف و الخفيف ..
هناك دائما من يحتج و يثور و هناك دائما من يكشف مؤامرة ما تقبع في جريدة أو محاضرة أو رواية ضعيفة الإنتشار ...
و لكن متى بدأ هذا ؟
بدات ألاحظ تلك الإحتجاجات و الثورات على بكورية الإسلام من المساس منذ فيلم المهاجر ليوسف شاهين و كيف أن هذا الكافر قد جسد شخصية يوسف الصديق ب"خالد النبوي" ..
سمعت بعد ذلك عن رواية نجيب محفوظ أولاد حارتنا ..
و قرأت عن في الشعر الجاهلي لطه حسين ..
ثم شاهدت مظاهرات "وليمة لاعشاب البحر" بعيني ..
مئات الطلاب المجانين ثائرين بسبب مقالة حمقاء لم يقرأوها عن رواية عادية لم يسمعوا عنها أصلا ..
قرأت بعدها عما فعله المسلمون و كيف ثاروا بسبب "آيات شيطانية" ..
و لن أنسى أحداث مسرحية "كنت أعمى و الآن أبصر" المثيرة للغثيان ..

من الطبيعي جدا و بعد كل هذا الكم من التخلف و الهمجية التي يرتع فيها المسلمون و المستعربون منهم على وجه الخصوص أن يثوروا بسبب كل شاردة أو واردة لا تسبح بحمد جمال و حلاوة و نقاء و جود و كرم الإسلام أعزه الله آمين.
لكن كان قمة الصلف و الغباء في الآن ذاته أن يحاصروا بقية العالم و أن يمارسوا همجيتهم على العالم المتحضر و كأنه ليس كافيا أن يعيشوا في الدرك الأسفل من عالمنا بل أنهم يريدون أن يجذبوا إليهم بقية العالم المتمدن أيضا ..
أن تمنع الرقابة المصرية روايات و دراسات لمصريين و عرب لأنها مسيئة للإسلام فذلك هو عين التخلف و الرجعية ..
أن يتسلط الأزهر على كل كتاب يصدر لكي يجيز و لا يجيز فهو قتل للثقافة بإسم منبر متخلف لدين متخلف ..
و لكن أن يثور المسلمين بسبب رسوم كاريكاتورية في الدانمرك فهو يكشف عن وقاحة مدهشة يندر أن يتمتع بها أي جماعة من الناس ..
و أن يثور المسلمون ينظمون المظاهرات و يحرقون الكنائس و يقتلون الراهبات بضع كلمات قالها البابا بنديكتوس كان يقصدها أو أنتزعت من سياقها فهذا لا يطاق و يجعل المرء يلعن هكذا إسلام متخلف على هكذا مسلمين همج ..

أهم ما يميز كل ثورات و هبات الرأي و التعبير تلك أن هؤلاء الناس لا يقرأون و لا يعرفون ..
و هم تحت شعار : إضرب الأول و إسأل بعدين.
يعني من حاول إغتيال نجيب محفوظ لم يقرأ روايته .. هو مجرد شاب يبحث عن بطولة وهمية بغض النظر عن أي شيء.
و من تظاهروا بسبب رواية الوليمة من طلاب الأزهر .. لم يقرأوها.
و من أحرقوا الكنائس في الأسكندرية لم يشاهدوا المسرحية ..
و بالتأكيد أستطيع أن أجزم أنه ليس كل من ثار او تظاهر أو أحرق أو قتل بسبب كلام البابا قد إطلع على ما قاله ..

طبعا السر في هذا يكمن في طبيعة الإسلام نفسه ..
الإنسان المسلم في طبيعته عقله في أذنيه ..
مع قناعتي بفردانية كل إنسان و خصوصيته و لكن بوجه عام تلك هي الطبيعة الغالبة للمسلمين.
لأن سنة الرسول نفسها هي عبارة عن .. "عن فلان عن علان, رواه ترتان"
القرآن نفسه كان محفوظا في الذاكرة قبل أن يكتب و حين كتب إضطر عثمان إلي حرق العديد من المصاحف المختلفة ليترك لنا واحدا.
مثل عربي قديم قرأته ذات مره " أنزل الله الحكمة على عقول الأغريق و أيدي الصينيين و ألسنة العرب"
منذ البداية إعترف العرب أنهم أهل كلام و فقط ..
عبقريتهم في لسانهم .. فنهم في شعرهم و فقط.
كان طبيعيا جدا أن يكون دينهم معجزة كلامية لانهم أساسا فنجرية بق ..
و بحسب قوانين الطبيعة أن كل عضو لا يستخدم يضمر و كل عضو يستخدم يقوى, مات العقل العربي في مهده بينما اصبح لكل عربي لسان كالبساط و أذنين كاذني الفيل يستخدمها كمراوح في هذا الحر ..
لهذا حين كان الشعراوي يتكلم عن أن الله قد سخر الغرب ليعمل و ينتج و أعطى البترول للمتقين ليتسيدوا على الغرب باموالهم كانوا يستمتعون بكلامه ..
لهذا يسهل على كل مسلم أن يتكلم عن كل الأبحاث العلمية التي أثبتت أي كلام فارغ من الذي يمتلئ به القرآن أو السنة ...
كل الأبحاث العلمية أثبتت أن في أحد جناحي الذبابة داء و في الثاني دواء ..
كل الأبحاث العلمية أثبتت أن بول الرسول يشفي من كل الأمراض ...
كل الأبحاث العلمية أثبتت ان سماع القرآن يشفي من كل الأمراض و يعطي للمرء سلاما داخليا و يطيل العمر و يقضي على أمراض الشيخوخة و يقلل خرق الأوزون ..
و لأن العرب أهل كلام و فقط .. و لأن لهم لغة تسمي "الأسد" بثمانية عشر لفظا و تعجز عن تسمية المخترعات الحديثة بغير الألفاظ الخرقاء.
و لان العرب عقلهم في أذنهم ... تقوم القيامة عندهم بسبب التفاهات.
"هناك رسوم شريرة تسيئ للرسول في الدانمرك" قاله أحمد عن عمر عن فتحي عن سعدية الشغالة عن عبدو البقال عن شيخ الجامع عن مقالة تعبانة في الأسبوع أو الفجر ... رواه "شاكر جارنا"
إذن هو الغضب و الثورة ..
شيخ الجامع يندد ..
شيخ الأزهر يشجب ..
الناس تغضب و تثور ..

شعوب خرقاء و دين متخلف حين يجتمعان ماذا يكون الناتج ؟