تحياتي للجميع،

ليس الأمر تقليداً لموضوع "العلماني" العزيز، بل انبثاقاً من ضرورة دعت لها بعض المداخلات في موضوع "العلماني" وغيره على ضوء خطاب البابا الشهير. فقد أعلن بعض الزملاء والزميلات بكل بساطة أن جميع الأديان انتشرت بالعنف ومنها المسيحية. ويستشهدون على ذلك ببعض الحوادث التاريخية التي ينبغي فحصها جيداً قبل أن نحكم عليها بالمساواة مع مآتي وفظائع انتشار الإسلام بحد السيف.

أولا، الحديث عن انتشار المسيحية بالسيف يجد أن يتجه في مساره الأولي إلى مؤسس هذه الديانة، أي شخص السيد المسيح له المجد.

وهنا يتفق الجميع على أن المسيح، بحسب المصادر التاريخية مجتمعة، لم يرفع سيفاً ولا سكيناً ولا حتى قبضة في سبيل نشر ديانته.

يحتج بعض المسلمون علينا ببضعة آيات منها:

"ما جئت لألقي سلاماً على الأرض بل سيفاً" (متى)
"ثم قال لهم حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية هل أعوزكم شيء. فقالوا لا. فقال لهم لكن من له كيس فاليأخذه ومزود كذلك ومن ليس له فاليبع ثوبه ويشتري سيفاً, لأني أقول لكم إنه ينبغي أن يتمّ فيّ أيضا هذا المكتوب وأحصي مع الأثمة لأن ما هو من جهتي له انقضاء فقالوا يارب هوذا هنا سيفان فقال لهم يكفي" (لوقا).

والواقع دون الدخول في شرح مسهب- أن المسيح لم يقصد إلى السيف الحقيقي، لأنه أمر بطرس برد سيفه عندما استله إبان القبض عليه، وأيضا، ليس هناك أي ذكر لعنف طوال حياة يسوع المسيح وعذابه وموته على الصليب.

إذن، حياة مؤسس المسيحية تخلو من العنف، اللهم إلا العنف المرتكب بحقه.

ثانيا، تلاميذه

ليس هناك أية إشارة في كتب الدين المسيحي والتاريخ المسيحي وغيره إلى أن أيٍّ من تلاميذ المسيح استخدم العنف في نشر رسالة المسيح. فبطرس لم يفعل، ولا متى ولا يعقوب ولا حتى بولس ولا أحد منهم. بل إن الجماعات التي اهتدت إلى المسيحية في القرن الأول والثاني إنما اهتدت بحسب الشهادات المسيحية بسبب "العجائب" و"الأعمال الصالحة". فسفر أعمال الرسل ينقل لنا ردة فعل غير المؤمنين بقولهم: "انظروا كيف يحبون بعضهم بعضا". فالمحبة وأعمال المحبة والمعاملة الحسنة هي العامل الرئيس في جذب غير المسيحيين إلى المسيحية.

ثالثا، ما بعد المسيحية وحتى قسطنطين

الأمر نفسه يتكرر في كتب التاريخ. فلدينا جماعات مسيحية كبيرة. انتظمت الكنيسة في أبرشيات لها أساقفة ومطارنة وكهنة وجماعة مؤمنين. لا ذكر لسيف أو عنف أو إرغام على اعتناق الديانة. بل العكس صحيح، كانت المسيحة ديانة مضطهده باستمرار، وأتباعها يصارعون الأسود في colosseum ويُحرقون ويقتلون. أما هم فيحتملون كل الاضطهادات محبة بمن بذل نفسه لأجلهم على خشبة الصليب.

قسطنطين نفسه كان وثنياً، وهناك من يقول أنه مات على الوثنية. ماذا فعل؟! يبدو أنه ولسبب ما (فلنترك المعجزات جانبا)، قرر اعتماد المسيحية ديانة رسمية. لم يُذكَر عن أحد أنه هدده أو حاول قتله أو أرغمه على ذلك. وبما أنه الامبراطور، فقد باتت الديانة المسيحية معترف بها رسميا وغير مضطهدة منذ العام 333 تقريبا بل وباتت ديانة الإمبراطورية الرسمية.

البدع المختلفة

كانت الكنيسة تحاجج أصحاب البدع. فإن أصروا على بدعهم، كانوا يطردون من الكنيسة. نسطوريوس -أشهر أصحاب البدع- أسس في العراق وبلاد العرب كنيسة كبيرة لم تندحر إلا مع الإسلام.

فرغم حضور قسطنطين - راعي المسيحية - مجمع نيقية، وإقرار العقيدة بشكل رسمي، وإصرار أصحاب البدع على بدعهم، لكن أحداً لم يقطع رأس أحد.

فهل عند أحد تعليق أو اقتباس تاريخي مغاير حتى نناقشه؟!

تحياتي القلبية