عندما قال الزائر لقاسم بك امين (عاوز الست بتعتك)
في ليل 23 ابريل سنة 1908 مات فجاة قاسم بك امين , فاثار خبر وفاته في نفوس الناس جميعا .. اصدقائه وخصومه , رنة حزن واسى
يقول محمد حسين هيكل باشا , ان مجهود قاسم بك من ابقى المجهودات على الحياة , وان الصحائف المعدودة التي تركها ستظل أبدا موضع اجلال العصور .
امتلات حديقة المنزل بزعيق صاخب..وأطل صاحب الدار من نافذة الطابق الاول .فرأى شجار عنيفا اشتبك فيه زائر ببذلة سوداء وطربوش أحمر وحوله الخدم ينهرونه بالعبارات الصارخة ويدفعونه بالايدي,
كان الزائر يصيح أريد ان اقابل سيادة المستشار , فقال له الخدم امام قاسم بك امين , انت كاذب لقد طلبت مقابلة الست الكبيرة
أمر قاسم الخادمين ان يكفوا عن الضجيج , وامر بدخول الزائر
قال قاسم لما جئت الى هنا ؟؟
الزائر : أريد مقابلة زوجتك , أنا عاوز الست بتاعتك ! ...
قال قاسم بك في هدوء : عاوزها في ايه؟
قال الزائر : ألست تدعو الى اختلاط المرأة بالرجل والقضاء على الحجاب ؟ أعطني امراتك لاخرج معها!!
ابتسم قاسم بك في مرارة وقال للزائر : ان الدعوة الى السفور والقضاء على الحجاب , واعطاء المراة حقها كإنسانة ..لا يعني تحويلها من متاع خاص للزوج الى متاع عام للناس , ودعوتي الى تحرير المراة من رق الحجاب , وسجن الحريم في الوقت نفسه ..دعوة الى تحرير الرجل من مفهومة للمراة ..ولن تتحقق حرية المرأة الا اذا تحقق تحرر الرجل من نظرته الى المراة !!
إاني ادعو الى تحرر الانسان ...والانسان رجل وامراة !!
وبكى الزائر , وأصر على ان يقبل يد قاسم بك امين , ورفض قاسم بك , وقال له لا تمنح قبلتك الا لامراة ..زوجتك , أمك, اختك. واذا كانت ليست الزوجة ولا الام ولا الاخت ..فمن حقك بل من واجبك أن تقبل يدها,
كان ذلك عام 1907 وكانت دعوة قاسم بك امين الى تحرير المراة قد لقيت ضجة في الراي العام.تحمس لها البعض , اوتهمه الاخر شر اتهام
ايد استاذ الجيل أحمد لطفي السيد (باشا) الدعوة بتحفظ وحذر , التزم سعد باشا الصمت , فلما اصبح زعيما للبلاد في عام 1919 ..شجع حركة السفور التي قامت بها في تلك الايام هدى شعراوي وأم المصريين
لقد أحب قاسم بك امين المرأة وراى فيها جوهرة الحب , والحنان , وكان يقول ((اذا كان المال زينة الحياة ...فالحب هو اليحاة بعينها))
وليس حب المرأة هو الذي دفعه الى العمل على تحريرها ورد حقوقها اليها ولكن دعاه الى ذلك عمق تفكيره في الحرية , واتساع نظرته الى الانسانية ..وهو فيما دعا اليه قد تأثر ولا شك بتعاليم الثورة الفرنسية , وثورة جمال الدين الافغاني , وشخصية محمد عبده.
وعندما أصدر قاسم امين كتابه (تحرير المرأة) وخرجت طالبات المدرسة السنية سافرات الوجوه , وسرن في شارع المبتديان , وكتبت الصحف في ذلك الحين , ان الطالبات سرن ...كما تسير العاهرات...بلا حجاب !! ومشى الناس وراءهن يرمونهن بالحجارة
وحمل عليه رجال الدين حملة شعواء , وتصدى للرد عليه في كتاب خاص ..شاب اصبح فيما بعد , من اكبر الشخصيات العظيمة التي بنت الاقتصاد المصري ..هو طلعت حرب باشا !!
وقبل ان يموت طلعت حرب ..كان بين موظفي بنك مصر بضع فتيات , ورفعت ابنته الحجاب , وأعطاها والداها حق الموافقة على الزواج من خطيبها محمد رشدي
هذا ما يعرفه الكثير عن قاسم بك امين , لكن للعلم قاسم بك امين نادى بافكار غير تحرير المرأة , اهمها تطوير اللغة العربية وتسكين أواخر الكلمات وهي الدعوة التي اطلقها فيما بعد لطفي السيد , وسلامة موسى , والسنهوري باشا
وقام من بعده عبدالعزيز فهمي باشا بالدعوة الى كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية , وكانت دعوته متاخرة اربعين عاما
كما دعا قاسم بك امين الى الغاء عقوبة الاعدام , قبل ان تفكر الدول الاوربية بها
هذا هو قاسم امين المصلح المفكر القاضي بالرحمة والعلم ذو الشخصية المهذبة , و وآسفاه على دعوته التي ذهبت مع الريح , واتت لنا رياح لاسعة تحرق احشاءنا وتحولت مدننا الى برية للكبت والخيام ترتديها نساء وعجبي من تشدق البعض بتلك الخيام التي تخلق وحوش نهمة,
المراجع
زعماء وفنانون وادباء (كامل الشناوي)
تراجم مصرية وغربية (محمد حسين هيكل باشا)
امال مهدي (قاسم امين ..الانسان)
|