{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
وقفة مع المهلهل
الختيار غير متصل
من أحافير المنتدى
*****

المشاركات: 1,225
الانضمام: Jun 2001
مشاركة: #1
وقفة مع المهلهل
تحياتي للجميع

قبل ايام قرأت ديوان المهلهل ، و قد استوقفتني الكثير من الأبيات التي وجدت فيها براعة و بلاغة و صور شعرية مدهشة ، لذلك رغبت في مشاركتم بها .

قبل أن أدخل مباشرة في شعر المهلهل ، لا بأس من تعريف سريع به .

هو امريء القيس بن ربيعة من تغلب (غير امريء القيس صاحب المعلقة) ، أخو كليب زعيم تغلب في زمنه ، و الذي أشعل فتيل حرب دامت 40 سنة بين التغالبة و البكريين ، ابتدأت بمقتل كليب التغلبي على يد جساس بن مرة البكري ، و الذي صهر كليب أيضاً ، و انتهت بموت المهلهل أخي كليب .

و هو خال امريء القيس صاحب المعلقة ، و جد عمرو بن كلثوم صاحب المعلقة الأخرى ، و توفي تقريبا في 525 م ، أي قبل الدعوة المحمدية بـ 85 سنة ، أو حوالي 98 ق.هـ

المهلهل هو لقب لشاعرنا ، و لُقّب أيضاً بالزير ، و ذلك لأنه كان كثير الزيارة للنساء ، و الذي لقّبه بذلك هو أخوه كليب ، و الزير سالم هو لقب أطلقه عليه القَصّ الشعبي الذي حاك ملحمته بكثير من الخيال خلال العصر المملوكي ، بهدف التشويق و الإثارة .

اختلف المؤرخون في اسم المهلهل و سبب تلقيبه بهذا اللقب ، و أشهر الأسباب أنه "هلهل الشعر" أي "أَرَقَهُ" ، أي جعله رقيقاً ، و هو فعلاً كذلك ، فيدهشك كم هو سلس هذا الشعر و رقيق في أغلب مواقعه ، و مع اختلافهم في سبب جعله المهلهل فقد اتفقوا أن كنيته هي "أبو ليلى" .

و السبب الرئيس في شهرة المهلهل هو شعره في الحماسة و مراثيه لأخيه كليب ، و لولاً حرب البسوس و ما حدث فيها من إراقة للدماء لربما ما عرفنا شيء عن المهلهل ، لأن شعره ما قبل قتل كليب يكاد يكون معدوماً ، فلا نجد له شيئاً يُذكر في الغزل أو النسيب كغيره من الشعراء الجاهليين (مع التحفظ على وصفهم بالجاهليين و عصرهم بالجاهلي) .

و قصة حرب البسوس مشهورة ، و لا بأس من التذكير بها في هذا المقام . يقال أن البسوس هي خالة جساس البكري كان لها ناقة ، و أخذت هذه الناقة ترعى في مراعي كليب التغلبي ، فقلم كليب بضرب ضرعها فقتلها ، فصاحت البسوس "وا ذلاه ! وا جاراه ! " ، مما دفع الحميّة في قلب جساس ليثأر من كليب ، فكان أن كمن جساس و ابن عمه عمرو بن الحارث لكليب و قتلاه غدراً ، و عندما سمع بهذا الأمر المهلهل ، حمل على بكرٍ و من والاها من القبائل تقتيلاً و تذبيحاً بحرب لا هوادة فيها دامت أربعين عاماً كما يقول المؤرخون ، أربعين عاماً كاد أن يفني فيها المهلهل قبيلة بكرٍ جميعها ، و كل هذا خلّده فيما تركه لنا من قصائد تصور معاركه و حروبه .

طبعاً هناك بعض الاختلافات في هذه الأخبار ، و هناك من ينكرها جميعها كطه حسين ، و لكن هذا لا يعنينا هنا ، فنحن سنتكلم عن جمال اللغة و الصور الشعرية عند المهلهل ، فسواء كان هو صاحبها أم غيره فهذا لن يغير من جمالها شيئاً .

الآن سأقتبس بعض الأبيات التي قالها المهلهل ، و التي استوقفتني لسبب أبينه في حينه ، و من شاء قراءة الديوان كاملاً ، فعليه بكتاب "شرح ديوان المهلهل - شرح و تحقيق محمد علي أسعد - دار الفكر العربي - الطبعة الأولى" و الذي اعتمدته في هذا الموضوع .

ملاحظة : رغم أن ما أقوم به هو شيء متعلق بالأدب ، إلا أنك قد تجد لي ملاحظة هنا أو هناك لها علاقة بأفكاري اللادينية .
فالطبع يغلب التطبع يا عزيزي القاريء .

سأجعل الأبيات مرتبة حسب مواضيعها لا حسب ذكرها في الديوان ، و التي هي مرتبة حسب القافية ، أي قافية الألف فالباء فالتاء فهكذا .


يقول في رثاء كليب و وصف أحزانه :

ويْح أمي و وَيحـها لقتيــلٍ *** من بني تغلبٍ و وَيحاً و واحا

الويح : كلمة تقال رحمة و توجعاً لمن تنزل عليه بلية .

لاحظ كم مرة ذكر الويح و ويح أمه ليصور لنا مدى وجعه في فقد أخيه و ما يعتصر في قلبه من ألم بتكرار كلمة ويح بتصريفات مختلفة .

و يقول :

أبت عينايَ بعدكَ أن تكفّـــــا *** كأنّ غضا القتـادِ لهـا شِفارُ

الغضا : شجر صلب
القتاد : شجر له شوك
الشِّفار : أصل منبت الأهداب (الرموش) في الجفن

هنا يصوّر الشاعر حالته النفسية بوصف عينيه اللتين لا تكفّا عن البكاء ، و كأن أهدابها عبارة عن أشواك ، تخيّل عيون تحفها الأشواك بدل الأهداب كيف يكون حالها ؟

تصوير رائع و موفّق لحالة الحزن الدائمة المستديمة التي يغرق فيها المهلهل .

و يقول :

فدُرتُ وقد عشا بصري عليهِ * * * كما دارت بشاربها العقارُ

هنا يصوّر الشاعر ما آلت إليه عيناه من كثير البكاء ، فقد عشيتا ، أي أصبحتا ضعيفتي الإبصار في الليل ، و يصوّر حاله كحال المخمور الذي أصابه الدوار من هول فاجعته .
هذا البيت يذكرني بابيضاض عيني يعقوب من البكاء على يوسف .


يقول :

كأني إذا نعى الناعي كليباً * * * تطاير بين جنبيَّ الشرارُ

صورة غاية في الإتقان للتعبير عن مدى الغضب و الحرقة التي تملأ صدر هذا المهلهل كلما نعى أحدٌ أخاه كليباً ، فالصورة مليئة بالحركة التي يثيرها تطاير الشرار ، كذلك يمكننا أن نسمع صوت هذا الشرار و فرقعته ، فلا يوجد شرار بلا صوت ، مما يوحي بقوة هذا الغضب الذي يعتمل في صدره .

و يقول :

لمّا نعى الناعي كُليباً أظلمتْ * * * شمس النهارِ ، فما تريد طلوعا

و يقول في وصف ليله الطويل المليء بالأحزان :

وصار الليل مشتملاً علينا *** كأن الليل ليس له نهارُ

هنا يصف الليل و شموله لهم و كأنه ليلٌ بلا نهار ، كناية عن طوله .

و يقول في نفس القصيدة :

و ابكي و النجــوم مطلّعـاتٌ *** كأنْ لم تحوِها عنّي البحارُ

مطلّعات : أي طالعات
لم تحوها البحار : في اعتقادهم أن ما بين الأرض و السماء بحاراً .

هنا يصف الشاعر طول ليله و دوام نجومه و كأنها تأبى أن تذهب لتغرق في بحار السماء ، فهي ساهرة أبداً ، فليله طويل و النوم يجافيه و الألم يخنقه .

و يقول :

نعى النُّعاةُ كليباً لي فقلت لهم : * * * مالتْ بنا الأرضُ أو زالت رواسيها
ليت السماءَ على من تحتها وقعتْ * * * وانشقّت الأرضُ فانجابت بمن فيها
الحزم و العزم كانا من صنيعتهِ * * * ما كل آلائه يا قومُ أحصيها
لا أصلحَ الله منّا من يصالحكم * * * ما لاحت الشمس أعلى مجاريها


في هذه الأبيات ينعى المهلهل كليباً ، فيصوّر الأرض و كأنها تميل به من شدة هول الموقف ، أو كأن رواسيها (الجبال) قد زالت ، و نلاحظ هنا أن المهلهل كان يعتقد بأن الأرض ثابتة لا تتحرك ، بل و الجبال رواسي فيها .
كذلك هو يتمنى سقوط السماء عليه و من معه ، و انشقاق الأرض من تحته ، و تحدث عن جريان الشمس ، و كل هذه التعابير نجد القرآن استعملها من بعد .

كذلك لفت انتباهي وصفه لمزايا و فضائل كليب بأنها لا تُحصى ، هذا يذكرني بقول القرآن : وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها


و يقول في إصراره على الثأر :

ولستُ بخالعٍ دِرعي و سيفي *** إلى أن يخلعَ الليلَ النهارُ
وإلا أن تبيدَ سَراةُ بكرٍ * * * فلا يبقى لها أبداً أَثارُ

السراة : سادة القوم

ها هو يصوّر لنا إصراره على لبس الدرع و السيف إلى أن يبيد سادات بكر جميعاً ، أو يخلع النهارُ الليلً .
و متى يخلع النهارُ الليلَ و ينسلخ منه ؟
تصوير ناجح لإصراره على المضي في هذا الأمر أبداً حتى يقضي ثأره .

و يقول :

فقتْلاً بتقتيلٍ و عقـراً بعَقركـم *** جزاءَ العُطاسِ ، لا يموت من اثّأَرْ

العقر : القتل و الهلاك
جزاء العُطاس : تشميته
اثّأر : أخذ ثأره

و كأنه يصوّر سرعة انتقامه و ثأره لأخيه بأسرع من تشميت شخصٍ لآخر قد عطس .


و يقول :

يا لَبكرٍ أنشِروا لي كليباً * * * يا لَبكرٍ أين أين الفرارُ

هنا يطلب من بكر أن ينشروا كليباً أي يعيدوا خلقَه ، من النشور ، إعادة البعث . و هذا طلب تعجيزي و يجيبهم في عجز البيت بأنه لا فرار لهم ، و كأنه يقول :
أحيوا لي كليباً و لستم بفاعلين فأين تفرون مني ؟

و يقول :

كلا وأنصابٍ لنا عاديّةٍ * * * معبودةٌ قد قُطّعتْ تقطيعا

يقسم بأنصاب معبودة منسوبة إلى قوم عاد في القدم .

حتى أَبيدَ قبيلةً و قبيلةً * * * وقبيلةً وقبيلتينِ جميعا

لاحظوا كيف يكرر كلمة قبيلة لتخدم فكرته في الإصرار على إبادة كل هؤلاء الذين تحالفوا على قتل أخيه .

وتذوقَ حتفاً آل بكرٍ كلُّها * * * ونهُدَّ منها سَمكَها المرفوعا

سمك البيت سقفه .
المعنى واضح

حتى نرى أوصالهم وجماجماً * * * منهم عليها الخامعاتُ وقوعا

الخامعات : الضباع

ونرى سباع الطيرِ تنقرُ أعيُناً * * * وتجُرُّ أعضاءً لهم وضلوعا

سباع الطير : الطيور الكواسر

والمشرفيّةُ لا تُعرّجُ عنهمُ * * * ضرْباً يقُدُّ مغافراً ودُروعا

المشرفية : سيوف منسوبة إلى "مشارف" في اليمن ، و هي مشهورة بحدتها و قوتها .
يقدّ : يشطر
المغافر : جمع مغفر و هو زرد يلبسه الفارس ليحمي رقبته و أعلى ظهره .

هنا يقول المهلهل أن السيوف المشرفية لن تحيد عنهم و هي تشطر دروعهم و مغافرهم ، فلا شيء يحميهم اليوم ، لا الدروع و لا المغافر .

و بنفس المعنى يقول :

حتى تبيدَ قبائلٌ و قبيلةٌ * * * و يعَضَّ كلُّ مثقّفٍ بالهامِ

المثقف : هو الرمح المسنن
الهامات : الرؤوس

و يقول أيضاً :

ولأَقتلنّ جَحاجحاً من بَكْرِكُم * * * ولأُبكِيَنَّ بخا جفونَ عيونِ
حتى تظلّ الحاملات مخافـةً * * * مِن وقعنا يقذفنَ كلَّ جنينِ


الجحاجح : السادة الشجعان ، وقد صرفها ضرورةً .

يقول المهلهل في التحريض على القتال :

أنادي بركْب الموتِ للموت غلّسوا *** فإن تلاع العَمْقِ بالموتِ درّتِ

غلّسوا : أي سيروا في آخر الليل
تلاع العمق : أرض مرتفعة قرب يثرب .

ما شدّني في هذا البيت هو أسلوبه في تحريض فرسانه على القتال ، فيسميهم "ركب الموت" ، و لا يخفى على أحد ما لهذه التسمية من وقع على أذن السامع ، فهم الموت نفسه يمضي في ركب في آخر الليل ، و يحرضهم بأن الأرض (تلاع العمق) غزيرة بالموت ، تدرّ الموت كما تدرّ الناقة لبنها ، و كأنه يعرف ضمناً أن النتيجة واحدة ، قتلى و قتلى و قتلى كدرّ اللبن من آل بكر .

لقد أبدع هنا في التحريض على القتال ، أبدع في تصوير ما سينجم على المعركة و كأنه نتيجة ضمنية ، فالمنطقة التي يذهب إليها مع فرسانه تدرّ الموت درّاً ، مما يشجع فرسانه للمضي و يملؤهم حماسة بتحقيق هذا الأمر الذي يصفه كتحصيل حاصل .

و يقول :

وقصيدةٌ شَعْواءَ باقٍ نورُها * * * تبلى الجبالُ وأثْرها لم يُطمَسِ

قصيدة شعواء : منتشرة فاشية

هنا نقف أمام نبوءة من نبوءات المهلهل ، فهو يقول بأن قصيدته ستبقى خالدة أبد الدهر ، بل نور قصيدته سيبقى خالداً ، حتى أن الجبال تزول و لا تزول تلك القصيدة .

و كان كما قال .


و في المعارك و أهوالها :

يقول في وصف جيشه :

تلمَع لَمْعَ الطّيـــرِ راياتُهُ * * * على أواذي لُجِّ بحـــرٍ عميـقْ
وقد علتْهــم للِّقـا هَبــْوةٌ * * * ذات هيــاجٍ كلهيــب الحريـــقْ

أواذي : أمواج ، مفردها الآذي
لجّ : موج عالٍ
الهبوة : الغبار

يشبّه المهلهلُ رايات جيشه و كأنها طيور تلمع على أمواج بحر لجّيٍ عميق ، صورة حية ترينا أمواج الجيش الغزيرة و الرايات البيضاء فوقهم . أقول بيضاء رغم أنه لم يقل ، لأن هذا اللون الغالب على طيور البحر .
و يصوّر جيشه و قد علاه غبار المعركة بلهيب الحريق .
صورة غزيرة غنية بالصوت و الحركة ، أمواج البحر و طيورها و قعقتها و لهيب الحريق و ما فيه من شراسة لالتهام كل شيء و جنون و قوة و إصرار .

و يقول في نفس القصيدة :

ذبحاً كذبح الشاةِ لا تتَّقي * * * ذابحَها إلا بشْخبِ العروقْ

الشخب : هو السيلان ، و شخب العروق يعني سيلان دمها .

ما الذي يمكن أن ينقذ الشاةَ من ذابحها ؟
لا شيء إلا سيلان دمها
فمصير الشاة محتوم ، و راحتها بذبحها ، كذلك مصير آل بكرٍ محتوم ، فلا شيء يقيهم من ذبّاحِهم إلا سيلان دمائهم . أي ذبحهم .

و يقول :

ولَعَمري لقد وطئتُ بني بَكْـــ * * * ـــرٍ بما قد جَنَوْهُ وَطءَ النِّعالِ

لا تحتاج إلى أي شرح .

و يقول :

قد ذبحنا الأطفـالَ من آلِ بَكــرٍ * * * وقهَرنا كُماتَهُمْ بالنضالِ
ونبكي ، حين نذكركم ، عليكم * * * و نقتلـكم كأنّـا لا نبالــي


ما هذه القسوة يا شاعرنا !!!
و تبكي عليهم !!!
ولا تبالي !!!

أي حالة نفسية تلك التي تجعله يجمع كل هذه المتناقضات ؟!!!

لو كنتُ أقتل جِنّ الخابلَيْنِ كما *** أقتلُ بكراً لأضحى الجنّ قد نفدا

الخابلين : الليل و النهار

هنا يصور لنا المهلهل كم قتّل من بكر بدمِ أخيه ، فلو كان يقتل الجن في الليل و النهار كما يقتل بني بكر لأضحى الجن قد فني من الدنيا .

و يقول أيضاً :

أكثرتُ قتـل بني بكـرٍ بربـهمُ *** حتى بكيتُ ، و ما يبكي لهم أحدُ

بربهم : بسيدهم ، يقصدبدم كليب سيدهم .

هذا البيت استوقفني كثيراً ، فكأننا نقرأ إنسانية هذا الرجل خلف هذه الكلمات ، فها هو يبكي لكثرة ما قتل من بني بكر بدم كليب ، حتى أنه لم يُبقِ أحداً منهم يبكي عليهم ، مما أثار في نفسه الحزن للبكاء لهم .

لا أدري هل هو بيت على سبيل السخرية ، أم التلوّع حقيقة ، لكنه تصوير جميل يبيّن لنا بوضوح المدى الذي غلا فيه المهلهل ليثأر لأخيه كليب .

و يقول :

أتغدو يا كليبُ معي إذا ما * * * حُلوقُ القومِ يشحذها الشِّفـارُ ؟

يشحذها : يحدها و يصقلها
الشفار : جمع شفرة وهي السكين أو النصل

و هنا يخاطب أخاه كليباً الغائب ، و يطلب منه أن يكون معه ساعة يشحذ نصاله و سيوفه بحلوق القوم من بني بكر ، صورة موفقة جداً تدل على مدى الحقد و الغضب الذي يملأ على المهلهل عقله .

فهو جعل من حلوق القوم مشاحذ لشفار سيوفه .


و يقول :

ولكنّا نهكنا القوم ضرباً * * * على الأثباجِ منهم و النحورٍ

نهكنا القوم : أجهدناهم
الأثباج : الأوساط

و البيت واضح المعنى ، و أعجبني تعبيره "نهكنا القوم ضرباً" لما فيه من تصوير واضح لما حلّ بأعدائه من كثرة الضرب .

و يقول :

و صبّحنا الوُخومَ بيوم سَوءٍ * * * يُدافعنَ الأسنّةَ بالنحورِ

الوخوم : من القبائل المعادية

ها هو يقول أنه هاجم الوخوم صباح يومٍ سيءٍ عليهم ، فكانوا يصدّون السيوف بنحورهم !!!
هل يوجد أكثر من هكذا تصوير لإظهار تفوّق جيش المهلهل عسكرياً !!!
و هل يوجد أكثر من هكذا صورة لتخبر كم هم ضعفاء عزّل هؤلاء الوخوم أمام المهلهل و جيشه !!
فهم يدافعون عن أنفسهم بصد السيوف بنحورهم .

و يقول :

ولقد خبطتُ بيوت يَشكُرَ خَبطةً * * * أخوالنا وهمُ بنوا الأعمــامِ
ليســت براجعــةٍ لهـــم ايامُهـــم * * * حتى تزولَ شوامخُ الأعلامِ
حتى تلـــــفَّ كتيبــــةٌ بكتيبــــــةٍ * * * ويحُــلَّ أصـرامٌ على أصرامِ
حتى ترى غُرراً تُجَرُّ وجُمَّــــةً * * * وعِظامَ رُوسٍ هُشّشمتْ بعظامِ

الأصرام : الجماعات ، جمع صرم
الغرر : جمع غرة ، و هو الشريف في قومه
الجُمّة : مجتمع شعر الرأس
روس : أصلها رؤوس ، خففت للضرورة الشعرية .

و يقول :

فالإنس قد ذلتْ لنا و تقاصرتْ * * * و الجنُّ من وقع الحديد الملبَسِ

بيت آخر يصوّر فيه انتصاراته و قوة جيوشه المجلَّلة بالحديد ، فالإنس قد ذلت لتغلبَ بل تقاصرت عن بلوغها ، و الجن كذلك حاله أمامه .

و يقول ليومٍ دارت فيه عليهم الدائرة و كانت الغلبة لبني بكر :

غلَبــونا ، ولا محالةً يوماً * * * يقلبُ الدهرُ ذاكَ حالاً فحالاً

نعم غلبهم البكريون في ذاك اليوم ، لكن المهلهل يُطلق نبوءته بأن الدهر سيقلب هذا الحال يوماً ، و يكون الغلب لهم لا للبكريين .

يذكرني هذا الأمر بما يعتبره الإعجازيون في آية "غُلِبَتْ الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيَغلِبون في بضع سنين" بأنه نبوءة معجزة !!

أي نبوءة و أي إعجاز و هو ما يمكن أن يقوله أي إنسان حين يهزم هو أو من ظنّ أنه سيفوز ، كما قالها المهلهل من قبل .

و يقول :

ولقد شفيتُ النفسَ من سروَاتِهمْ * * * والخيلُ تعثرُ في الدماءِ وتعبِسُ

السروات : مفردها السري و هو الرفيع و السيد في قومه .
تعبس : تتجهم

يقول أنه أراح نفسه بعد أن أتى على سادات بكرٍ و قتّلهم تقتيلاً ، حتى أن الخيول باتت تتعثر من كثرة الدماء و تعجز عن المواصلة ، بتعبس و تتجهم لكثرة الدماء التي تعوقها عن مواصلة الحرب .

أنظروا كيف أشرك الخيول بل أنسنها و جعلها تتوق إلى مواصلة الحرب و تعبس و تتجهم لكثرة الدماء التي تعوقها عن مواصلة جزّ رؤوس أعدائه .

فإن كانت هذه هي إرادة الخيول المُسوسَةُ و هذا موقفها ، فكيف هي إرادة الفارس الذي يسوسها و يمضي بها للحرب !

صورة عجيبة !

و بنفس المعنى قال :

والخيلُ تقتحمُ الغبارَ عوابساً * * * يوم الكريهة ما يُردْنَ رجوعا



و يقول [SIZE=4]في وصف الحياة و الموت
:

يعيش المرء عنـد بنـي أبيـهِ *** و يوشك أن يصيرَ بحيث صاروا
أرى طول الحيـاة وقـد تولّى *** كمـا قـد يُسلـبُ الشـيء المُعـــــارُ


يقول هنا أن الحياة قصيرة ، فينشأ الفتى بين أبويه حتى يوشك أن يصير بحيث يصيرون إذ يواريهم الموت ، كناية عن قصر الحياة و سرعة الفناء فيها ، فما يكاد المرء يولد حتى يموت .

و في البيت الثاني يشبه الشاعر الحياة بالشيء المُعار و الذي لا بد من إعادته .

و قال :

جَلَّلوني جِلدَ حَوْبٍ ، فقــد * * * جعلوا نفْسـيَ عند التّراقي

جلد الحوب : أي جلد البعير الضخم .

يلفت انتباهي بلوغ نفْسه عند التراقي ، كناية عن اقتراب الموت، و هو تعبير نجد مثله في القرآن حيث يقول في سورة القيامة :

كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ 26 وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ 27 وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ 28


بهكذا يكون الموضوع قد انتهى
10-20-2006, 02:51 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
وقفة مع المهلهل - بواسطة الختيار - 10-20-2006, 02:51 AM
وقفة مع المهلهل - بواسطة إبراهيم - 10-20-2006, 04:40 AM,
وقفة مع المهلهل - بواسطة الختيار - 10-20-2006, 11:51 AM,
وقفة مع المهلهل - بواسطة Arabia Felix - 10-20-2006, 06:31 PM,
وقفة مع المهلهل - بواسطة إبراهيم - 10-20-2006, 08:35 PM,

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 5 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS