كان بيرم التونسي نموذجا للفنان الملتزم , واشتراكيا حقا كأن الاشتراكية ميكروب يسرى في دمه , وفي سبيل ذلك الموقف دفع حياته , لم يدفعها مرة واحدة ولكن دفعها بالتقسيط وقضى عشرين عاما يتسول في باريس , وعلى رصيف ميناء دكار ويتجول كالذئب حتى في بلده تونس ويرتعش من شدة البرد تحت جبل ايسون

لقد رفع بيرم سيفه ضد المهلبتية وقطاع الارزاق والاحتلال والعرش , حتى سنت السيوف كلها ضده .

وهذا بعض من اقواله الساخرة , التي تلامس الجروح والحقيقة.

يقول معربا عن المتمصرين الذين ينهبون فلاحي مصر


والقطن برضه لمزراحي ولقرداحي
وابن البلد يقعد ماحي في بلاده يقيم
اقطانه هو اللى زرعها واللي جمعها
ويوم ماباعها ما جابت له حق البرسيم
وبنايوتي يقبض ويحصل ودا بيوصل
ويجري دايما ما يحصل ولا حتى بهيم

وحين كان في بلده تونس أيام المنفى يتحرك ضميره ضد الاستعمار فيكتب

والمغربي المسلم راخر
أبو زر فاشوك
لما انتقدته فزع قاللي
يلعن بابوك
وأنا اللي قصدي أشوف قيده
يصبح مفكوك
لقيته فرحان بيه راضي
طيب مبروك


وعن سبب نفيه من مصر كانت سخريته من فؤاد الاول حين تولى العرش ,

وجابوك الانجليز يافؤاد قعدوك
تمثل على العرش دور الملوك
وخلوك تبهدل في أمة أبوك
ومين يلقوا مثلك مغفل ودون


لكن السبب الاكبر كان في عام 1920 حين كتب قصيدة تتناول ولادة ولي العهد الامير "فاروق" حين سرت شائعة في الاوساط المصرية بأن ولادة الامير الصغير ولد بعد أربعة أشهر من زفاف أمه الملكة نازلي من السلطان "أحمد فؤاد"

مرمر زماني يازماني مرمر
البنت ماشية من زمان تتمخطر
والغفلة زارعة في الديوان قرع اخضر
يا راكب الفيتون وقلبك حامي
أسبق على القبة وسوق قدامي
تلقى العروسة زي محمل شامي
وأبوها يشبه في الشوارب عنتر
وغطى زهر الفل فوقها وفوقك
وجبلها شبشب يكون على زوقك
ونزل النونو القديم من طوقك
يطلع كويس لا الولد يكبر
ويوم ما ينزل في الجاكتة الكاكي
وستة خيل والقمشجي الملاكي
تسمع قولتها ........
العافية هابلة والولد متشطر
الوزة من قبل الفرح مدبوحة
والعطفة من قبل النظام مفتوحة
ولما جت تتجوز المفضوحة
قلت اسكتوا خلوا البنات تستر



بعد تلك القصيدة حشد كل القصر جواسيسه وبوليسه ضد بيرم , لكن بيرم ومن حسن حظه حتى تلك اللحظة لم يكن مصريا , فمن سوء حظ الملك انه كان متمتعا بالحماية الفرنسية , فاكتفوا بضربه , وأستاجروا بلطجيا جزائريا يعيش في مصر اسمه "يوسف شهدي" ليتعقب بيرم ويقتله ...وأدى الرجل مهمته على الوجه الاكمل

ظل يتعقب بيرم ويضربه كلما يلقاه ,ولكن الضرب لم يكن كافيا لقطع لسانه , فأكتفوا بنفيه , وفعلا نفي للخارج

وفي ديوان بيرم قصيدة من أجمل ما كتب عن النساء

في كل عام للورد أوان إلا النسوان
نابتين ألوان ابيض وأحمر
من الخدود اللي لا تدبل ولا تتغير
ودي العيون اللي اشهد لك بها واسجد لك
دي خلت الطاغي انقاد لك بها وأسجد لك
ياست أم زناق محبوك وقميص مفكوك
حطي على القلب المشبوك ايدك يعمر
ويام نص ملايا حرير والنص يطير
على أكتاف أنا عقلي صغير غطي المرمر
ويللي ساقك يسوي رقاب حارة الباب
في لون حقيقته ان كان بشراب ولا مقشر
يا حريم أنا مالي غريم
غيركم أروح وياه في جحيم يوم المحشر



الاستاذ يوسف القعيد يحاور الاستاذ هيكل (عن علاقة ناصر ببيرم)


القعيد : هل تذكر بعض ابيات بيرم التونسي التي كان يحفظها جمال عبدالناصر ؟!

الاستاذ هيكل : طبعا خاصة قول بيرم

قال ايه يكفي ابن آدم ؟ قلت له شقة
قال ايه يعجل بعمره ؟ قلت له زقة
قال حد فيها مخلد ؟ قلت له لأه.

القعيد: بيرم التونسي عاصره – هل دفعه هذا الاعجاب إلى اللقاء به ؟
الاستاذ هيكل: لا أظن

القعيد: ما هي العوامل التي حالت دون ان يلقاه ؟ وهل هناك غيره كان يعجب بأدبهم ولم يلتق بهم؟

الاستاذ هيكل : هناك اثنان لم يلتق بهما برغم اعجابه الشديد بهما , سلامة موسى وبيرم التونسي!

القعيد : مع إنه يقال إن سلامة موسى كان يمر بحالة من المعاناة في زمنه؟!

الاستاذ هيكل :أي معاناة ؟ عن اي معاناة تتكلم ؟ سلامة موسى كان في اخبار اليوم وكان شديد الاعجاب بشخص جمال عبد الناصر, وانا كنت متأكد لولا وفاته السريعة أن عبد الناصر كان سيراه , أما من ناحية بيرم فهو كان يعمل في جريدة الجمهورية – جريدة الثورة , وكان مستريحاً , ولا أعتقد إنه كان يعاني من مشكلات.

***

مات بيرم التونسي في عام 1960 , كان يعيش في حارة شعبية , و زوجته سيدة بسيطة لم تعرف ما هي مهنة زوجها , حتى ان جارتها عندما كانت تسالها عن وظيفته , كانت تقول , آهو بيشتغل مع المزيكاتية , لم يكن يتحصل على اموال تذكر بما كان يكتبه , ورغم ذلك ترك ثروة في الزجل العربي ذات قيمة خالدة

:redrose: