عن اللوموند ديبلوماتيك - النشرة العربية لشهر 11 الحالي.
(f)


أوهام الشباب اللّبناني الضائعة

آلان غريش



"بيروت، حقائق وأكاذيب وأفلام فيديو"، فيلم لميّ مصري

بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير 2005، تحرّك جزءٌ كبيرٌ من اللبنانيّين للمطالبة من جهة بانسحاب القوّات السوريّة ومن جهةٍ أخرى بـ"الحقيقة" عن عمليّة الاغتيال. وطوال أشهر، سارت تظاهرات كبيرة في البلاد أدّت إلى خروج الجيش السوري. وقد أُقيمت قرية من الخيم في ساحة الشهداء الرئيسة في بيروت، حيث قام مئات الشباب بالتحرّك والنقاش حول مستقبل بلادهم.

تتابع السينمائية اللبنانية مي مصري، عبر عينيّ "نادين"، الطالبة الشابّة، ما أسمتْه بعض الصحافة "انتفاضة الاستقلال". وعلى مثال غيرها من الشبّان المسلمين والمسيحيّين المتوحّدين، تتظاهر وتُناقِش وتعارِك وتضحَك وتبكي وتتخيّل لبناناً جديداً. يرسم الفيلم إذاً صورة صادقة مؤثّرة لجيلٍ (طلابيٍّ خصوصاً) ولرغبته في القطيعة مع الماضي ولطيّ صفحة الحرب الأهلية نهائياً. ولكن ينتهي به المسار إلى إحباطٍ على قدر أحلامه: فقد قرّرت أحزاب المعارضة التي أطاحت بالحكومة وحصلت على انتخابات جديدة "إقفال القرية" دون الوصول إلى تعديل أي شيءٍ في النظام السياسي.

ذلك أنّ المشهد الذي يدور في ساحة بيروت ليس سوى مسرح ظلٍّ يجتذب وسائل الإعلام العالمية التي تسارع لاعتباره تكراراً للثورات الملوّنة في أوروبا الشرقيّة. فالشعارات ("حقيقة"، "حرّية"، "استقلال") تخفي وراءها فراغ برامج الأحزاب التقليديّة التي تحرّك اللعبة من الكواليس مع دعمٍ مُفترض من الولايات المتحدة وفرنسا. وهكذا يقرّ أحد المتظاهرين: "نحن نعيش فيلماً أميركيّاً طويلاً". فالهدف الوحيد لأحزاب المعارضة هو رحيل الجيش السوري وليس بالتأكيد الإصلاح في لبنان - ويجب ألاّ ننسى هنا أنّه باستثناء العماد عون، أنّ كلّ هذه الأحزاب تعاونت في مرحلة من المراحل مع سوريا.

وستؤدّي الانتخابات التشريعيّة، في نهاية ربيع وبداية صيف 2005، إلى تعزيز النظام الطائفي وإبرام تحالفات غير طبيعيّة هدفها فقط إيصال نوّابٍ معيّنين إلى البرلمان. وسيأتي تشكيل الحكومة برئاسة السيّد فؤاد السنيورة، مدعومة من الأغلبيّة المُناهضة لسوريا، ليُبعد أيّ فكرة إصلاحيّة: فبعد عامٍ، جاءت محصّلة هذه الحكومة رهيبة: لا إصلاح اقتصادي ولا إصلاح سياسي؛ نظامٌ سياسيّ ما تزال تهيمن عليه العائلات الكبرى، آل جنبلاط، جميّل، فرنجيّة الخ... من خلال رجالٍ أيديهم ملوّثة بالدماء. والحرب الإسرائيليّة الجديدة على لبنان والتي يقفل الفيلم عليها تفتح أبواب أزمةٍ جديدة.

إنّ الانحياز الشخصيّ لمي مصري - التي حصل فيلمها على الجائزة الكبرى للأفلام الطويلة في "بيينال" السينما العربيّة الذي نظّمه معهد العالم العربي في باريس - يرسم صورةً جميلة لضياع قسمٍ من الشبيبة اللبنانية. لكن ليس مؤكّداً أنّ الفيلم يوضح كافّة التباسات هذه الحركة بالنسبة للذين لا يعرفون عن كثب تاريخ لبنان..