{myadvertisements[zone_1]}
إعجاز سورة الكوثر
عوليس غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,023
الانضمام: Jan 2002
مشاركة: #1
إعجاز سورة الكوثر
بالغ الإيجاز في سورة الكوثر، يصل حدّ الإعجاز.
تبصّر عزيزي في كلام مولانا الزمخشري رحمه الله في إعجاز سورة الكوثر :


وأنا اضرب لك سورة الكوثر ـ وهي أقصر السور ـ مثالا أنصبه بين يديك ، وأجعله نصب عينيك ، فأنت أكيس الاكياس ، ومعك نهية كشعلة المقباس ، وتكفيك الرمزة وإن كانت خفية ، والتنبيهة وإن كانت غير جلية ، فكيف إذا ذللت بأنور من وضح الفلق ، وأشهر من شية الابلق .

أقول وبالله التوفيق : ورد على رسول الله صلى الله عليه وآله عن عدو الله العاص بن وائل ما يهدم مقاله ، ويهزم محاله ، وينفس عن رسوله ، وينيله نهاية سؤله ، فأوحى إليه سورة على صفة إيجاز واختصار ، وذلك ثلاث آيات قصار ، جمع فيها مالم يكن ليجتمع لاحد من فرسان الكلام ، الذين يخطمونه بالخطام ويقودونه بالزمام ، كسحبان وابن عجلان ، وأضرابهما من الخطباء المصاقع والبلغاء البواقع الذين تفسحت في هذا الباب خطاهم ، وتنفس في ميادينه مداهم .

انظر إلى العليم الحكيم كيف حذا ثلاث الآيات على عدد المسليات ، من إجلال محل رسول الله وإعلاء كعبه ؛ وإعطائه أقصى ما يؤمله عند ربه ، ومن الايعاز إليه أن يقبل على شأنه من أداء العبادة بالاخلاص ، وأن لا يحفل بما ورد عليه من ناحية العاص ، ولا يحيد عن التفويض إليه محيدا ، فلا يذره وائبا وحيدا ، ومن الغضب له بما فيه مسلاته من الكرب ، من إلصاق عار البتر بالكلب ، والاشعار بأن كان عدو الله بورا ، ولم يكن إلا هو صنبورا .



ثم انظر كيف نظمت النظم الانيق ، ورتبت الترتيب الرشيق ، حيث قدم منها ما يدفع الدعوى ويرفعها ، وما يقطع الشبهة ويقلعها ، ثم لما يجب أن يكون عنه مسببا ، وعليه مترتبا ، ثم ما هو تتمة الغرض من وقوع العدو في مغواته التي حفر ، وصليه بحر ناره التي سعر ، ومن الشهادة على إلصاقه بالسليم عيبه ، وتوريكه على البريء ذنبه .

وتأمل كيف أن من اسند إليه إسداء هذه العطية ، وإيتاه هذه الموهبة السنية ، هو ملك السماوات والارض ، ومالك البسط والقبض ، وكيف وسع العطية وكثرها ، وأسبغها ووفرها ، فدل بذلك على عظم طرفي المعطى ، وعلى جلال جنبي المسدي والمسدى ، وقد علم أنه إذا كان المعطي كبيرا ، كان العطاء كثيرا ، فيالها من نعمة مدلول على كمالها ، مشهود بجلالها .
وأراد بالكوثر أولاده إلى يوم القيامة من امته ، جاء في قراءة عبد الله : « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أبوهم وأزواجه امهاتهم » وما أعطاه الله في الدارين من مزايا الاثرة ولتقديم في الدارين من مزايا الاثرة والتقديم ، ووضع في يديه من نواصي التفضيل والتكريم ، والثواب الذي لم يعرف إلا هو كنهه ، ولم يعط إلا الملك شبهه ، ومن جملة الكوثر ما اختصه به من النهر الذي حاله المسك ، ورضراضه التوم ، وعلى حافاته من أواني الذهب والفضة ما لا يعاده النجوم .

ثم تبصر كيف نكت في كل شيء تنكيتا ، يترك المنطيق سكيتا ، حيث بنى الفعل على المبتدأ فدل على الخصوصية ، وجمع ضمير المتكلم فأذن بعظم الربوبية ، وصدر الجملة المؤخرة على المخاطب أعظم القسم ، بحرف التأكيد الجاري مجرى القسم ، ما ورد الفعل بالفظ الماضي ، على أن الكوثر لم يتناول عطاء العاجلة دون عطاء الآجلة ، دلالة على أن المتوقع من سيب الكريم في حكم الواقع ، والمترقب من نعمائه بمنزلة الثابت النافع . وجاء بالكوثر محذوف الموصوف ، لان المثبت ليس فيه ما في المحذوف من فرط الابهام والشياع ، والتناول على طريق الاتساع ، واختار الصفة المؤذنة بافراط الكثرة ، المترجمة عن المعطيات الدثرة ، ثم بهذه الصفة مصدرة باللام المعرفة ، لتكون لما يوصف بها شاملة ، وفي إعطاء معنى الكثرة كاملة .
وعقب ذلك بفاء التعقيب ، مستعارة لمعنى التسبيب ، يشتقها معنيان ، صح تسبيب الانعام بالعطاء الاكثر ، للقيام بما يضاهيه من الشكر الاوفر ، وتسليمه لترك المبالاة بقول ابن وائل ، وامتثال قول الله عز من قائل ، وقصد باللامين التعريف بدين العاص وأشباهه ، ممن كانت عبادته ونحره لغير إلهه ، وتثبيت قدمي رسول الله على صراطه المستقيم ، وإخلاصه العبادة لوجهه الكريم ، وأشار بهاتين العبادتين إلى نوعي العبادات ، وصنفي الطاعات ، أعني الاعمال البدنية التي الصلاة إمامها ، والمالية التي نحر البدن سنامها ، ونبه على ما لرسول الله من الاختصاص بالصلاة التي جعلت لعينه قرة وبنحر البدن التي كانت همته بها المشمخرة .

روينا بالاسناد الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة فيها جمل لابي جهل في أنفه برة من ذهب . وحذف اللام الاخرى لدلالته عليها بالاولى ، مع مراعاة حق التسجيع ، الذي هو من جملة صنعة البديع ، إذا ساقه قائله مساقا مطبوعا ، ولم يكن متكلفا أو مصنوعا ، كما ترى اسجاع القرآن وبعدها عن التعسف ، وبراءتها من التكلف .
وقال : « لربك » ، وفيه حسنان ، وروده على طريقة الالتفات التي هي ام من الامهات ، وصرف الكلام عن لفظ المضمر إلى لفظ المظهر ، وفيه إظهار لكبرياء شأنه ، وانافة لعزة سلطانه ، ومنه أخذ الخلفاء قولهم : يأمرك أمير المؤمنين بالسمع والطاعة ، وينهاك أمير المؤمنين عن مخالفة الجماعة .

وعن عمر بن الخطاب (رض) أنه حين خطب الازدية أتى أهلها فقال لهم : خطب إليكم سيد شباب قريش مروان بن الحكم ، وسيد أهل المشرق حسن بن بجيلة ويخطب إليكم أمير المؤمنين ـ عنى نفسه ـ .
وعلم بهذه الصفة أن من حق العبادة أن يخص بها العباد ربهم ومالكهم ، ومن يتولى معايشهم ومهالكم ، وعرض بخطأ من سفه نفسه ونقض قضية لبه ، وعبد مربوبا وترك عبادة ربه .

وقال : « إن شانئك » فعلل الامر بالاقبال على شانه ، وقلة الاحتفال بشنآنه ، على سبيل الاستئناف ، الذي هو جنس حسن الموقع رائعه ، وقد كثرت في التنزيل مواقعه ، ويتجه أن يجعلها جملة للاعتراض ، مرسلة إرسال الحكمة لخاتمة الاغراض ، كقوله تعالى : « إن خير من استأجرت القوي الامين » .

وعنى بالشانئ السهمي المرمي بسهمه ، وإنما ذكره بصفته لاباسمه ، ليتناول كل من كان في مثال حاله ، من كيده بدين الحق ومحاله ، وفيه أنه لم يتوجه بقلبه إلى الصدق ، ولم يقصد به الافصاح عن الحق ، ولم ينطق إلا عن الشنآن الذي هو توأم البغي والحسد ، وعن البغضاء التي هي نتيجة الغيظ والحرد ، وكذلك وسمه بما ينبئ عن المقت الاشد ، ويدل على حنق الخصم الالد ، وعرف الخبر ليتم له البتر ، كأنه الجمهور الذي يقال له الصنبور ، وأقحم الفصل لبيان أنه المعين لهذه النقيصة ، وأنه المشخص لهذه الغميصة ، وذلك كله مع علو مطلعها ، وتمام مقطعها ، ومجاوبة عجزها لهاديتها ، وسبيبها لناصيتها ، واتصافها بما هو طراز الامر كله من مجيئها ، مع كونها مشحونة بالنكت الجلائل ، مكتنزة بالمحاسن غير القلائل ، خالية من تصنع من يتناول التنكيت ، وتعمل من يتعاطى بمحاجته التبكيت ، وكأنها كلام من يرمي به على عواهنه ، ولا يتعمد إلى إبلاغ نكته ومحاسنه ، ولا يلقاك ذلك إلا في كلام رب العالمين ، ومدبر الكلام والمتكلمين ، فسبحان من لو أنزل هذه الواحدة وحدها ، ولم ينزل ما قبلها وما بعدها ، لكفى بها آية تغمر الاذهان ، ومعجزة توجب الاذعان ، فكيف بما أنزل من السبع الطوال ، وما وراءها إلى المفصل ، والمفصل ، يالها من معجزة كم معجزات في طيها ، عند كل ثلاث آيات تقر الالسن بعيها ، لو أراد الثقلان تسلية المغيظ المحنق ؛ لاخذت من أفاصحهم بالمخنق ، إن هموا بإنشاء سورة توازيها ، وثلاث آيات تدانيها . هيهات قبل ذلك يشيب الغراب ، ويسيب الماء كالسراب .
12-10-2006, 11:15 PM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة عوليس - 12-10-2006, 11:15 PM
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة The Godfather - 12-12-2006, 12:52 AM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة عوليس - 12-12-2006, 02:18 AM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة ATmaCA - 12-12-2006, 03:06 AM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة الزعيم رقم صفر - 12-12-2006, 03:09 AM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة The Godfather - 12-12-2006, 10:48 AM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة The Godfather - 12-12-2006, 10:50 AM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة عوليس - 12-12-2006, 08:50 PM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة The Godfather - 12-13-2006, 01:06 AM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة خالد - 12-13-2006, 03:24 AM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة The Godfather - 12-13-2006, 10:06 AM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة خالد - 12-13-2006, 12:38 PM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة عوليس - 12-13-2006, 09:51 PM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة The Godfather - 12-13-2006, 11:38 PM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة الزعيم رقم صفر - 12-13-2006, 11:55 PM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة The Godfather - 12-14-2006, 08:15 AM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة عوليس - 12-14-2006, 08:27 PM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة AL3BASY - 12-14-2006, 08:36 PM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة The Godfather - 12-15-2006, 02:38 AM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة الزعيم رقم صفر - 12-15-2006, 08:35 PM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة ATmaCA - 12-16-2006, 01:35 AM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة The Godfather - 12-16-2006, 10:45 AM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة خالد - 12-17-2006, 04:05 AM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة عوليس - 12-17-2006, 12:20 PM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة The Godfather - 12-17-2006, 01:29 PM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة عوليس - 12-17-2006, 05:06 PM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة fares - 12-27-2006, 09:27 PM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة Futurist - 01-04-2007, 03:15 PM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة خالد - 01-04-2007, 10:48 PM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة fares - 01-05-2007, 04:01 AM,
إعجاز سورة الكوثر - بواسطة خالد - 01-06-2007, 06:51 AM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  بخصوص بعض نصوص سورة المائدة TERMINATOR3 16 3,832 01-08-2012, 08:14 PM
آخر رد: TERMINATOR3
  حاجة في نفس يعقوب قضاها ...لطائف من سورة يوسف . جمال الحر 8 2,625 12-15-2011, 05:37 PM
آخر رد: جمال الحر
  إعجاز علمي أم ضحك على الذقون؟. جمال الحر 5 2,542 12-07-2011, 08:41 AM
آخر رد: فخري الليبي
  الشروط العمرية المستوحاة من سورة التوبة 29 عوني عوني 6 2,418 08-26-2011, 07:14 PM
آخر رد: عوني عوني
  لحظة تأمل فى سورة الكافرون سمط الدرر 10 4,121 06-17-2011, 12:31 AM
آخر رد: يوسف فخر الدين

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS