مع اسفي الشديد من استفادة النظام السوري من سقوط حكومة السنيورة، ومن امكانية عودة نفوذه الى لبنان لكن حكومة السنيورة ستسقط ولم يبق بينها وبين الهاوية سوى برهة من الزمن.

أكتب، وقد انقطعت عن الكتابة لضيق شديد في الوقت، ولقرف أشد من الحالة التي وصلت اليها أوضاع الشرق الذي غدا بين علقم وحنظل. أكتب، ولا اريد بذلك أن أقارع أحد الحجة، ولا أن أعقلن لأحد خيار، ولا أن أدخل في حرب داحس والصحراءالتي لا تعنيني بشيء بين النواصب والروافض في العراق او لبنان .. أكتب فقط "لأفش خلقي" وأسطر ما يعتمر في ضميري من مشاعر وما يستقر في فكري من رأي لم ولن يزعزعه قول مهما كان.

عندما كانت قنابل المحافظين الجدد تتساقط على أهلينا في لبنان الصيف الماضي لتدك الجسور، والمباني والقرى .. وتعجن الجثث الأطفال (أطفال أهلينا) والنساء (نساء أهلينا) .. تعجنهم مع االحجارة ودقيق الإسمنت المطحون، حزنت ودمعت عيناي وغضبت لكن حزني و غضبي والمي لم يخرج عن المألوف فقد خبرنا جرائم الصهاينة من قبل، وخبرنا وطأة آلة الدمار الإسرائيلو-أمريكية. لكن موقف السعودية بالذات في تلك الحرب كان هو الخنجر الذي اندسّ بين اللحم والعظم ليمزق أكبادنا من الهمّ والألم.

وبالرغم من كل الجعجعات والخطابات الفارغة التي سمعناها وقتها من كل الفرقاء، وبالرغم من الدماء والدموع ودولارات التماسيح، ما انجلى عنه غبار المعركة في لبنان هو فريقان : فريق قاوم بنجاح آخر محاولة صهيوصليبية لفرض مشروع الشرق الأوسط الجديد، وفريق قاتل من أجل احقاقه. فريقان لا ثالث لهما، أحدهما في الصف الصهيوصليبي وآخر في الصف الآخر.

السعودية، وبالتالي حكومة فؤاد السنيورة كانت للاسف في صف المحافظين الجدد الصهيوصليبي. لم نتفاجأ طبعا أن يكون بعض الفرقاء في مجموعة 14 آذار في ذلك الصف فهؤلاء كان لهم تاريخ في الممارسة، لكننا تفاجأنا طبعا أن نرى فرقاء في ذلك الصف كنا نحسبهم على الصف الوطني وحتى القومي !

عندما تجلت لي تلك الحقائق خلال الحرب الأخير الصيف الماضي، كنت، أذكر، أول من توقع سقوط حكومة السنيورة. كان ذلك قبل أن يتحدث أحد من الفرقاء عن المحاسبة والحساب. لكنني كنت أخشى أن تتحول هذه المواجهة الى صراع مسلح داخلي.

البارحة وأنا أشاهد الأخبار أحسست بشعور عارم من الفرح والفخر حتى. فمن الواضح جدا أننا نعيش مرحلة حاسمة ومفصلية في تاريخ لبنان تذكرني بمرحلة الإستقلال. ومن الواضح جدا أن حكومة السنيورة ستسقط بدون أدنى شك، لكنني سعيد أن هذا الحراك كله يأخذ طابعا سياسيا وليس طابع المواجهة المسلحة.

هل يقود نصرالله-عون لبنان والوطن العربي الى مستقبل ديمقراطي حيث التغيير والتحول الى إرادة الشعب يحدث سلميا ودون إراقة دماء؟ آمل ذلك فعلا وإن كنت أشك أن تجربة لبنان بإمكانها أن تتردد خارجه في الشرق.

في النهاية، سقط المحافظون الجدد، وستسقط معهم حكومات الإحتلال في العراق ولبنان .. وستبقى، للأسف، مملكة الظلام وكل ممالك القهر والظلام التي تحيط بها.