فطمطم امرأة ستينية تعاني من ارتفاع في الضغط والسكري.. قد يدور في عقولكم الآن إنني السبب.. لا، السبب هو أبي..
أبي هذا الذي أحبه بهبل.. وأمي التي انهبل بحبها..
أمي التي علمتني كيف استنشقها بدل أن أبوسها وأنا رايحة وجاية للمدرسة أو للعمل أو لسفر أو لطلعة صغرت أو كبرت ..
أمي اللي علمتني أن آكل أولاً ثم أناقش..
أمي التي علمتني وهي ممدة ونائمة أمام التلفزيون وبيدها تمسك العصا أن أكمل واجباتي المنزلية دون حراسة!
أمي التي علمتني أن المكياج للبنات الهبلان.. وأن الفساتين للبنات المدلعات.. وأن ربطة الشعر للبنات الفاضيات.. وأن الزوج للبنات قليلات الأدب!
أمي التي تصحى مبكراً في نفس الوقت منذ ستين عاماً.. وأمي التي تقوم بنفس الدور منذ ستين عاماً.. تطبخ وتنظف وتغسل، وتغسل ملابسي – بالذات- ماظهر منها وما بطن..
أمي التي تقدم الدعم اللوجستي ومن وراء حجاب لضيوف أبي الكثاااار في الفطور وعلى الغذاء وأثناء جلسات القات وفي العشاء وليناموا.. وليصبح أبي زعيماً ولتمرض هي..
أمي التي تلاحق أخوتي بعصا خشبية ثخينة اسطوانية تستخدم لفرد العجينة وصنع الخبز.. خبز أمي لذيذ.. لذيذ ويصلح ليكون ماركة عالمية!

أمي التي لا تفارق البسمة وجهها، شاخت وداهمتها جلطة..
أمي التي شاخت.. لازالت تنام أما التلفزيون ممدة ولا تحرس ابنة أخي وهي تذاكر دروسها..
أمي التي لا تفارق البسمة وجهها، لازالت تعتقد أن المكياج للهبلان وأن القات والتدخين يدمر الصحة وجمال الوجه فتهاجمني بمزيد من وجبات التغذية القسرية ومن ثم تناقش..
وأمي التي شاخت مرضت البارحة..
ومرضت في يوم العيد..
ومرضت قبل ذلك..
أمي التي مرضت لم تذهب لعيادة الطبيب غير مرة واحدة..
أمي التي ذهبت لعيادة الطبيب لم تذهب لولا أني اصطحبتها وإن كان لديها من البنات والأبناء والأحفاد عشرة غيري..
أمي الأم والجدة أصرت أن أذهب معها للطبيب البارحة، وذهبنا.. رغم أن لديها من الأبناء والبنات والأحفاد عشرة كانوا يأكلون الخبز في البيت..
أمي التي تطعمنا، أصرت أن أذهب معها إلى المختبر صباح اليوم وأن أتغيب عن عملي ساعة، وذهبنا، رغم أن لديها من البنات والأبناء والأحفاد عشرة كانوا ينامون في انتظار الخبز في البيت..
أمي التي في المختبر، كانت تنتظر وكنت أنتظر معها فحص المختبر، وكان الفحص مطمأناً، فأعدتها للبيت..
أمي العائدة للبيت كانت تجلس على يميني في السيارة وضوء الشمس يغطي وجهها فانخفضت رموش جفنيها قليلاً وارتسمت خطوط النبل على جبهتها، وكان فمها مبتسماً كالعادة..
أمي المغطاة بالشمس والنبل والبسمة فتحت باب السيارة والتفتت إلي وقالت: شكراً!

لك فديت رجلك يا أمي على أيش شكراً!!!