ليس سهلآ أن تموت ..

ليس سهلآ كذلك أن تواجه الموت ..

ليس سهلآ على الإطلاق أن يختار الموت ألا يفاجئك بوصوله .. أن يمد يديه إليك ودودآ ويخبرك بموعد زيارته التقريبي وربما يبتسم لك ويربت على كتفيك .

شخصيآ لست أخاف الموت وفي أوقات معينة عندما أجابهه وأرفض أن أموت إنما أرفض أن أموت على هواه .. إن كان لابد من الموت فليكن على هواي أنا أو فمن الأفضل ألا يكون على الإطلاق .. لست أخافه لكن هزيمته ورفضه كانا خياران للقوة لا للضعف أمامه .


أي الأمرين حقآ أفضل : موت مفاجيء أم موت يحجز موعده مسبقآ ويقبع منتظرآ الأوان تاركآ لك فسحة من الزمن لتختتم حياتك بالطريقة التي تشاء ؟

يقول الموت لك : ( قد آن أوان رحيلك .. إنها اللحظة المناسبة لحزم الحقائب .. توديع الأحباء .. تصحيح ماتيسر من الأخطاء .. إنهاء مايمكن من الأعمال والأهم الأهم : ترتيب أوضاع الذين سيكون عليهم أن يعيشوا بدونك بعد أن قضوا عمرآ بجوارك ..


الإنتقال من عالم إلى آخر أو من عالم إلى العدم أيحتاج حقآ أي إستعدادات مسبقة ؟ أم إن مايستحق الإستعداد حقآ هو هذا العالم الباقي بعدك ؟ أن يستعد أحباؤك لغيابك عن عيونهم .. لغياب ضحكاتك ونظرات عينيك وكفك التي ترسل أصابعها محملة بالحب لأيديهم أو تربت بها على أكتافهم .. أن يتعودوا على غياب لحظات الشجار ولحظات المرح ولحظات الحب ولحظات الحزن وكل المشاعر الجميلة التي نسجت نفسها مابينهم وبينك .. أن تستعد جدران البيت لغيابك فتبدأ بتدريب نفسها على ألا تتنفس رائحتك ..ألا تحس بملمس يدك وأنت تستند عليها أو تربت عليها بحب فهي جزء منك أما أنت فكيف تستعد وأنت تعلم إن غياب كل هذا الأشياء الجميلة التي تجعل للحياة معنى ليس إلا مرادفآ لغيابك أنت نفسك؟

لتكن البداية إبلاغ هؤلاء الذين تحب بأنك راحل .. إمنحهم الفرصة كي يتشربوا كل مايحبونه فيك كي يكون زادهم وقت الحاجة .. أترك الدموع تترقرق في عيونهم فمجرد مشاركتك لهم هذا الألم يخفف منه كثيرآ عليهم .. أتركهم يحبونك فهم وأنت بحاجة لهذا الحب المشترك .. كم من الأخطاء إرتكبت في حياتك ؟ كم من الأخطاء مازال بالإمكان تصحيحها أو على الأقل الإعتذار عنها ؟ يالها من فرصة لاتمنح لكثير من البشر .. فرصة محاسبة الذات ومصالحتها قبل فوات الأوان .. فرصة مداواة من ربما تكون جرحتهم قاصدآ أو غير قاصد .. فرصة مغادرة هذا العالم بأقل قدر ممكن من الأحزان والخطايا.

المسافة مابين هذا العالم الكائن وذلك الذي ربما لن يكون سوف يكون بإمكانك إجتيازها عالمآ بكل سنتميتر فيها وحين ستصل إلى باب المغادرة سيكون بإمكانك أن تتأكد بإنك أنجزت الكثير مما كنت لن تنجزه لولا علمك بوقت الرحيل .. سوف يكون بإمكانك أن ترنو إلى عيون أحبائك كل الوقت الذي تشاء .. سوف يكون بإمكانك معانقتهم وإلقاء بسمة وداع راضية تليق بهذا الفراق ) .

أيها الموت الصديق .. أنت بهذا التصرف إنما تختار نهاية جديرة بسنوات الشد والجذب التي مرت بيننا فمارأيك أن أختار بدوري نهاية مناسبة ؟ مارأيك أن أرفض أن أبقى في هذا السرير البارد أنتظر يدك الباردة تمتد إلي كي تساعدني على إجتياز العتبة بكثير من الود الذي تظهره الآن لي و ربما بكثير من الشفقة ؟ مارأيك أن أحمل حقيبتي على كتفي وأذهب لأموت اليوم أو غدآ في المكان الذي أشأ وبالطريقة التي أشأ تاركة لك مهلتك تلك تتجرع لحظاتها المرة وحدك ؟ آه لكم سوف تكرهني وتحنق على كل هذا الود الذي بادرتني به .

ياصديقي ..

أنا وأنت نعلم في النهاية شيئآ واحدآ أكيدآ : ليس بإمكاني خيانتك فلن يكون بإمكاني قط إجتياز العتبة إلا وأنت بجواري تلتقط يدي بيدك وباليد الأخرى تفتح لي باب الخروج وربما لايعجبني كثيرآ الموعد الذي منحتني إياه ولا الطريقة وربما لايعجبك موعدي ولاطريقتي ولكن دعنا نتفق كما يجدر بصديقين قديمين أن يفعلا على حل وسط يكون هو موعدنا الأخير .