أسس العنصرية
أسس العنصرية
إن الأنانية والعنصرية والطائفية لها عواملها ومسبباتها وأصولها البيولوجية والاجتماعية , ولها دورها ووظيفتها الفردية والاجتماعية ..
وبالنسبة لنا نحن البشر , الكل يقول : أنا الأفضل, أنا الأحسن, أنا الأهم, أنا الأساس, أنا المرجع, أنا الموجود, أنا الأسمى....., وإذا كان غير ذلك , عندها تصبح نحن الأفضل , أصلي هو الأشر ف , ابني هو الأفضل , بلدي هو الأفضل , ديني هو الأصح , جنسي هو الأفضل....
وعندما يكون تفوق الآخرين واضحاً, أقول هم أحسن في كذا وكذا , لكن هذا غير مهم و غير ضروري, فنحن أحسن في كذا وكذا وهذا هو المهم والضروري, وأهدافنا هي الأفضل , مبادئنا هي الأفضل , أصلنا هو الأفضل...., تبريرات كثيرة والمهم في النهاية أنا , ونحن لا يمكن أن نكون سوى الأفضل .
" ما حدا بيقول عن زيته عكر" , فهذا ما نريده ونرغب به , ونريد أن نشعر به . أن نحقق المكانة الأعلى .
إن دافع أنا أو نحن الأفضل , أو مكانتي أعلى , هو أساس الأنانية و العنصرية والطائفية , وهو أصل ومرجع أغلب الصراعات والحروب والتنافسات والسعي للتفوق على الآخرين .
وللانتماءات دور أساسي في نشوء العنصرية والطائفية , فالانتماء القوي لجماعة أو لعقيدة هو أساس العنصرية . فانتماء الفرد لأي بنية , أكانت ذاته أو أسرته أو جماعته أو بلده عقيدته . . . , تجعله يعطي الأولوية لهذه البنية ويجعلها مميزة وأهم وأفضل من البنيات الأخرى المشابته .
وإذا دققنا في الانتماء فإننا نجده موجود لدى كافة الكائنات الحية . فكل كائن حي هو مهيأ ومدفوع فزيولوجياُ وغريزياً لكي يحافظ على ذاته وعلى تنميتها , ودوماً لبنيته أو ذاته الأفضلية على باقي البنيات . وفي حال كان يعيش ضمن جماعة نراه يعطي الأفضلية لجماعته ويسعى لدعمها وتنميتها والدفاع عنها .
فهناك الانتماء لدى الحشرات التي تعيش جماعات مثل النحل والنمل , وهو انتماء قوي مفروض فيزيولوجياً , ولا يتم وعيه أو الشعور به .
وهناك الانتماء الغريزي للجماعة أو القطيع , الموجود لدي بعض الثدييات , مثل جماعة الذئاب والأسود والضباع وبعض أنواع القرود .
وهناك انتماء المواليد لأمها وهو موجود عند كافة الثدييات ، فالأم تشعر وتعرف أو تفهم غريزياً أن مواليدها جزء منها , أو ينتمون إليها .
وللانتماء عند البشر أصوله البيولوجية الموروثة , وكذلك له أصول اجتماعية تكونت نتيجة تطور المجتمعات وتطور العلاقات البشرية ، فروح الجماعة هي ما ينشأ نتيجة انتماء أفراد هذه الجماعة لبعضهم . وهذا الانتماء يتعزز ويتطور نتيجة العلاقات والصفقات الاجتماعية , وبالفائدة المتبادلة التي يحققها أفراد الجماعة من هذا الانتماء .
ويمكن للعلاقات والأوضاع الاجتماعية أن تقوي وتعزز الانتماء , ويمكن لها على العكس أن تضعفه ، وذلك حسب مردودها وتأثيراتها على أفراد الجماعة , ويمكن أن ينقسم انتماء أفراد الجماعة إلى عدة انتماءات نتيجة اختلاف المصالح .
هناك من يقول بانتماء الدم , وقد ظهر أنه غير دقيق, صحيح أنه موجود وهو موروث وغريزي ولكنه ضعيف وغير كاف ونحن نضخمه نتيجة قوى ودوافع اجتماعية . فالانتماء القوي ينشأ نتيجة العلاقات والتفاعلات الاجتماعية , وتبادل المنافع . وانتماء الدم القوي الوحيد الذي نشاهده هو انتماء الوليد لأمه وهو الذي له أسس بيولوجية قوية ، ومع هذا إذا لم يعزز ويقوى بتربية الأم لوليدها فإنه يمكن أن يضعف أو يزول .
والزوج والزوجة لا ينتميان إلى بعضهما برابطة الدم ولكن بعد زواج وعشرة عشرين عاماً ماذا يحدث ؟
إن الانتماء لابد أن يظهر إن كان قوياً أو ضعيفاً .
وككل انتماء يمكن أن يرفض أو يزول في بعض الحالات ونتيجة بعض الظروف .
فحتى الأم في بعض الحالات يمكن أن ترفض انتماء أحد أبنائها إليها.
إن العقل البشري مجهز لتنظيم وإدارة وتحقيق دوافع وأهداف البنية التي يقودها ، ويمكن أن تكون هذه البنية هي بنية الفرد الذاتية , أو البنية الأوسع والتي يكون هذا الفرد بنية جزئية فيها وهو منتم إليها ، مثل الأسرة أو العشيرة ..., وليس هناك فرق بالنسبة لعمل العقل بين الأنا التي يقودها أو النحن أو البنية التي ينتمي إليها الفرد , عندما يوجد ال ( هو ) أو ال(هم ) أي البنيات المنافسة . ويقود العقل الأنا فقط عند عدم وجود النحن- عدم وجود انتماءات- أي في حالة الفردية .
فالعقل يتعامل مع البنية المنتمية إليها الأنا , مثلما يتعامل مع الأنا , وذلك حسب قوة وطبيعة الانتماء .
" أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب " .
ولكن عندما تحدث عدة انتماءات للأنا أي تكون الأنا بنية جزئية في عدة بنيات وهذا ما هو حاصل ، تحدث تناقضات وتضاربات وتعقيدات في الانتماءات ، وبالتالي تحدث الصراعات .
فالانتماء الأسري والديني والسياسي والاجتماعي والفكري , هو انتماء لبنيات متعددة نعيشه جميعاً.
وهناك الكثير من أنواع الانتماءات مثل الانتماء المزدوج أو المتعدد أي بنية معينة تنتمي إلى عدة بنيات مختلفة، وهناك الانتماء المتعدد المعقد ، أي بنية تنتمي إلى بنيات من مستويات مختلفة متداخلة ، وهناك الانتماء المتكرر أو الدائري ، أي بنية تنتمي إلى أخرى ، وتلك البنية تنتمي للبنية الأولى , وهناك الانتماء المتحرك أو المتغير، والتعامل مع الانتماء المتحرك حسابه صعب ومعقد ، ويحتاج إلى رياضيات وآليات فكرية متطورة .
إن الانتماء لبنية معينة أو عدم الانتماء لها له تأثير كبير على الدوافع والأهداف ، فالأب يعتبر ابنه جزءاً منه , إن ابنه التابع له وكذلك بقية أبنائه هم جزء منه ومن عائلته . أما الابن فلا يعتبر أخوه جزءاً منه ، إنه بنية أخرى تشترك معه في تكوين بنية تشملاهما معاً ، أي أخوه يشاركه في تكوين بنية شاملة لهما ولبقية أفراد الأسرة ، وهذا الانتماء أضعف من الانتماء الأول الذي هو انتماء الابن للأب .
فالانتماء وطبيعة هذا الانتماء له تأثيرات كبيرة على الدوافع والعلاقات . وأغلب الصراعات الاجتماعية يمكن التحكم بها ، وذلك بالتحكم بانتماءات البنيات المتصارعة . ففي مثال أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب , يتحول العدو إلى صديق عند تغير الانتماء , فابن عمي يكون عدواً عندما يكون غير منتم إلى أسرتي , أبي وأمي وإخوتي , ولكنه يصبح صديقاً عندما يوسع الانتماء ويصبح أعمامي وأبي وأبناؤهم بنية واحدة , فتتغير الأهداف وبالتالي الصراعات .
مثال أخر : رجل في بلد أجنبي لغة مختلفة , يقابل رجلاً يتكلم نفس لغته , إنهما فوراً يشعران بانتماء لبعضهما , مع العلم أنهما لو التقيا في بلدهما لما حدث ذلك , ففي البلد الأجنبي يظهر الانتماء اللغوي المشترك لاختلافه عن لغة البلد الأجنبي . وحتى لو كان هذا الرجل من غير بلد , ولكنه يتكلم نفس اللغة فسيحدث شكل من الانتماء .
إن أقوى الانتماءات عادة هو الانتماء للذات للأنا الواعية - الأنانية الغريزية - ، ثم تأتي باقي الانتماءات وبدرجات تختلف من إنسان لآخر ، ويمكن لبعض هذه الانتماءات في بعض الأوضاع أن تكون أقوى من الانتماء للذات كالانتماء للدين مثلاً أو للمبادئ أو للعشيرة أو للوطن... , والانتماءات المتعددة لكل إنسان تتداخل مع بعضها وتتفاعل ، ويمكن أن تنخفض قوة بعضها أو تزداد حسب الظروف والأوضاع.
وكل إنسان له انتماءاته الأساسية المضمرة وانتماءاته المعلنة ، وفي كثير من الأحيان يكونان مختلفين أو غير متطابقين .
وقد تبنى البشر انتماءات أساسية مختلفة , حسب أوضاعهم وظروفهم . فمنهم من وضع الانتماء الأسري أو العشيري أو العرقي أو القومي في الأساس ، ومنهم من وضع الانتماء الديني أو العقائدي أو الفكري في الأساس .... .
يتبع
|