أنا لا ابدي رأياً هنا و إنما فقط أريد أن أوضح بعض المفاهيم و أن أطرح بعض الآراء المأخوذ بها في مجالات أخرى و ثقافات أخرى و في الأخير أريد أن أطرح سؤالاً.

أولاً: يرفض معظم العلماء فكرة الخالق الأول من منطلق رفضهم لفرضية أسبقية ما هو معقد لما هو بسيط ذلك أن جميع المشاهدات تشير إلى أن المعقد يتطور مما هو أبسط في منظومة مفتوحة تتبادل الطاقة و المادة مع المحيط.

و يوجد لدى العلماء من الأدلة التجريبية المرضية لمعظمهم بأن نظرية الانفجار العظيم تفسر بشكلٍ مرضٍ عملية تكون المجرات و النجوم و الكواكب و بأن نظرية التطور البيولوجي بالانتخاب الطبيعي فقط ( أو بالانتخاب الطبيعي زائداً آليات أخرى ) أيضاً تفسر بشكل مرض نشوء الحياة على الأرض و تطورها إلى الأشكال و الأنماط التي نراها اليوم.

و لكن ظل السؤال؛ كيف بدأ الانفجار العظيم و لماذا بدأ أصلاً ؟

هنا، بالنسبة للعلماء و تحديداً الفيزيائيين الذين لن يقبلوا إلا بتفسير مادي لكل ما هو محسوس و قابل للقياس ( أو غير قابل للقياس و لكن نتائجه قابلة للقياس )، فقد رضي بعضهم بالتعايش مع هذا الغموض في الكون و قالوا بأن محاولة الإجابة على هذا السؤال تأخذنا إلى خارج المجال العلمي و تدخلنا إلى مجال الفلسفة و هو المجال الذي يمقتون عادة الخوض فيه ( يعتبرونه مضيعة للوقت حيث أنه لا يؤدي إلى بحوث قابلة للنشر في دورياتهم العلمية التي يعترفون بها. )
و لكن قليل منهم فضل أن لا يترك هذا السؤال مفتوحاً؛ ربما لأنهم لا يريدون أن يتركوا حتى و لو ثقب صغير يمكن رجال الدين من الولوج منه بمفهوم الإله الخالق و المدبر فقالوا بأن هذه الانفجارات تحدث باستمرار في الفراغ و لكنها لا تلبث أن تتهاوى مرة أخرى إلى الفراغ و لكن في حالات نادرة جداً جداً، كما في حالة نشوء الكون من الانفجار العظيم، يحدث أن هذا الانفجار لا يتهاوى و يضمحل و إنما يستمر في التضخم. و لكن في الواقع حتى الآن لا يوجد من أي من التجارب أو المشاهدات التي تؤيد أو تنفي هذه الفرضية.

و من الجدير بالذكر هنا أن أوضح بأن انبعاث الطاقة و المادة من الفراغ المطلق مقبول و ثابت بالتجارب. فالفيزيائيون لا ينظرون إلى الفراغ على أنه وسط خامل بل هو وسط نشط تتكون فيه ثم لا تلبث أن تضمحل و تختفي جميع الجسيمات الأولية كالإلكترونات و البروتونات. و في هذا فإن الفراغ المطلق هو أشبه بالماء الذي يغلي و الجسيمات الأولية هي كفقاقيع البخار التي تنبثق بكافة الأحجام الممكنة.

ثانياً: ليست جميع الأديان تؤمن بوجود الإله الخالق و المدبر للكون كما لاحظت أنه مفترض و مسلم به من النقاشات حول هذا الموضوع. فالبوذية مثلاً لا تؤمن بهذه الفرضية و قد اعتبر بوذا أن الكون أزلي لا بداية له و لا نهاية و لكنه أيضاً اعتبر التفكير في هذا الموضوع و التناقش حوله هو من قبيل إضاعة الوقت و شبه ذلك بمن يحترق بيته و بدلاً من تدبر إطفاء الحريق يُشغل نفسه في السؤال عن من بدأ الحريق و كيف بدأ و ماذا سيفعل عندما يأتي الحريق على كافة ممتلكاته و الكثير من الأسئلة التي لا تجدي نفعاً في هذه الظروف.

ما أود توضيحه هو أن هناك نظم روحية و أخلاقية قائمة و على مدى آلاف السنين ترفض فكرة وجود خالق و مدبر للكون.

ثالثاً:أود أن أوضح نقطة مهمة جداً و هي أن هدف العلم التجريبي يختلف تماماً عن هدف الدين بمفهومه الأعمق. من المحتمل أنه في حقب زمنية سالفة كان هناك نوع من التداخل بين الهدفين و لكن الآن و بعد ترسخ و ثبات فعالية العلم التجريبي في ما يتعلق بتفسير الظواهر المادية و التنبؤ بتصرفها مستقبلاً فإنه يجب الفصل بين الهدفين بشكلٍ واضح.

هدف العلم التجريبي هو الخروج من المشاهدات و التجارب و التفكير و الحساب بنماذج مادية تصف الظواهر الكونية و قادرة على التنبؤ بظواهر جديدة لم تشاهد من قبل يمكن التحقق منها بالقياس. و من هذا المنطلق يرفض العلماء إدخال مفهوم الإله المسبب في الكون لأن هذا المفهوم أو النموذج لا يمكنهم من استخدامه للتنبؤ بأي شيء قابل للقياس. و حتى أولئك العلماء الذين يؤمنون بوجود أله للكون لا يدخلونه في حساباتهم إطلاقاً عند دراستهم للكون المادي. هدف العلم التحريبي إذاً هو الوصول إلى نموذج أو نماذج حسابية تماثل أو تحاكي طبيعة الكون المادي.

من هذا المنطلق فإن هدف الدين لا يمكن أن يكون تقديم نموذج أو نماذج عن الكون المادي المرئي و المحسوس لأن الدين لا يملك الأدوات أو الآليات المادية و الفكرية للتحقق من هذه النماذج و يجب أن يترك هذا النشاط للعلم التجريبي. و لكن هدف الدين يمكن أن يأخذ شكلاً مغايراً تماماً ... ما هو ؟

أريد أن أترك هذا سؤالاً لكي يتفاعل معه، و ليس بالضرورة كي يجيب عليه، كلٌ على حدة لأنه قد لا تكون هناك إجابة واحدة كما أن الإجابة أو محاولة الإجابة هي رحلة الحياة التي ستختلف من شخص إلى آخر.

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني