أشكر الزملاء المؤمنين على الروح الرياضية العالية في النقاش و استعدادهم للحوار بالرغم من أنه بطبيعته يطعن في مقدساتهم، و هذا يدل على أنكم موضوعيون و لستم متزمتون في ارائكم.

الزميل فلسطيني كنعاني يسأل عن الانبياء والرسالات السماوية. أولا دعني أقول أني لا أعتبر محمدا او المسيح او اي نبي أنهم دجالون. أعتقد أننا اذا أردنا أن نكوّن رأيا موضوعيا في هؤلاء الاشخاص، فيجب على المرء أن يفترض حسن نواياهم على الأقل، فإذا قلنا هذا كذاب و ذاك دجال و هذا مخادع، فهذا يؤدي بنا الى الاستنتاجات المبنية على الكراهية بدل الدراسة الجدية.

أنا أرفض الرسالات السماوية المزعومة لأسباب عدة، أذكر هنا بعضها:

1- التاريخ يثبت أن غالبية هذه الرسالات، مثل غيرها من الديانات الاخرى، مبنية على طريقة التضخيم الاسطوري. مثلا يأتي امبراطور صيني و يحتل أراض كثيرة و يعم في زمنه الخير، فيتناقل الناس الاقاصيص حوله و يبالغون في تبجيله و يضخمون الاقاصيص حوله، و بعد عقود من الزمن يصبح هذا الامبراطور إلها من آلهة الصينيين و يعبده الناس، فما بالك بمحمد الذي جعل من العرب امبراطورية عظيمة؟ بالتأكيد سيعتبرونه نبيا! يا زميلي الديانة البوذية و الهندوسية أيضا فعلوا نفس الشيء. المسيح نفسه بدأت قصته كمصلح ديني دعا الى التجديد في الديانة اليهودية، فأثارت دعوته مشاكل مع اليهود و الرومان مما أدى الى اعدامه. بعد هذا بعقود، تطورت قصته و بالغ الناس في نسبة المعجزات إليه، و رفّعوه إلى درجة مخلص ذو رسالة عالمية، و بعد مئة عام ظهر أمثال يوحنا الانجيلي الذين طبقوا الفلسفة اليونانية عليه و جعلوا منه إلها مساوٍ للـه في ألوهيته! هكذا و هلم جرا.

2- يوجد على الارض عشرات الاديان المشهورة، و مئات الاديان المغمورة، و آلاف الاديان التي لم يعد يتبعها أحد. و معظم هذه الاديان هي أديان أحادية النظرة، تعد الخلاص لتابعيها، و العذاب لرافضيها. فإذا كان الإله أو الآلهة يتوقعونني أن أتبع واحدا من هذه الاديان لكي أخلص، فأنا خاسر لا محالة لأنني لو اخترت دينا دون غيره من الاديان، فالاحتمال الاكبر أن يكون اختياري خاطئا بسبب كثرة الاحتمالات. و اذا لم يكن الإله يشترط أن أتبع دينا من الاديان لكي أخلص، فلماذا نتبع الاديان اصلا؟


ثم ذكر الزميل فلسطيني كنعاني أن محمد و المسيح ضحوا كثيرا في سبيل رسالتهم.

التضحية يا زميلي العزيز ليست دليلا على صحة الرسالة. جنود اليابان كانوا ينتحرون في الحرب ضد الامريكان، معتقدين أن آلهتهم ستمنحهم الجنة ان فعلوا ذلك، و دفعوا حياتهم ثمنا لتضحيتهم. فهل هذا يجعل من الديانة اليابانية صحيحة يا ترى؟ الحضارات البشرية حافلة بأشخاص ضحوا الكثير و تألموا كثيرا لتأدية رسالاتهم التي آمنوا بها، فهل عليّ أن أتبعهم كلهم يا ترى و أؤمن برسالاتهم؟ ملايين الناس دفعوا حياتهم ثمنا للآلهة التي عبدوها، و الكثير غيرهم تألموا أكثر مما تألم المسيح و محمد بألف مرة، فهل هذا يجعل رسالاتهم أكثر مصداقية و آلهتهم او دياناتهم اكثر صحة؟

أنا شخصيا معجب جدا بأي شخص يقوم بأداء رسالته التي يؤمن بها في الحياة، و يتألم كثيرا بسببها و يضحي من أجلها (و ربما يدفع حياته ثمنا)، لكن هذا لا يعني أنني سأتبع أفكارهم و أؤمن بها أيضا! أنا معجب جدا بتضحيات غاندي العظيم، لكني لن أصبح هندوسيا، و مانديلا، و لكن لا أكترث بالسياسة الجنوب افريقية، و أيضا جيفارا، و لكني لست شيوعيا. اذن فالتضحية لا تدل على صحة الرسالة و لا تدل على وجود الإله، مع أنها تدل على عمق شخصية صاحبها احيانا مما يدعو للاعجاب و التأمل. من النادر جدا أن يمتلك الشخص حياته و يدفعها ثمنا لمواقفه بكل حرية و قوة.