هاهاها .. طيب على شو زعلان يا إيميل؟

ذكرتني بحادثة "قديمة" جرت لي قبل عقدين أو أكثر.

كان هناك في "حيّنا" شاب - دعنا ندعوه "فريد"- حييّ خجول قليل الكلام. قد يمر بجانبي بعض الأحيان فلا يُسلّم من فرط انطوائه على نفسه إلا إن انتبه بأنني أراه؛ عندها يرفع رأسه ويغمغم بـ"مرحبا" متلعثمة ويمضي إلى حال سبيله.
في نفس الفترة، كنت في بدايات "علاقة حميمة" مع "ناهد"؛ الفتاة التي تعرفت عليها بطريق الصدفة كي نصبح مدة شهر أو أكثر مثل الوزن والقصيدة؛ قيمة أحدنا تكتمل في حضور الآخر.

كانت "ناهد" من عائلة محافظة متدينة، تزيّن صدرها بصليب طالما تمنيت أن يعلقوني عليه. وكنت بدوري غرّاً صغير السن عديم الخبرة لا يحس بالكثير ولا يقوى على البوح إلا بالقليل. ومع هذا فلقد استطعت أن أتجاوز تلعثمي أمامها وأطلب رؤيتها على انفراد.
مضيت إلى موعدي وطيّ جيبي إيقونة ذهبية صغيرة للسيدة العذراء، وفي رأسي أخيلة مضطربة كثيرة حول ما يمكن أن يحدث في هذا اللقاء الذي ارتضه "ناهد" في زقاق هامشي في منطقة "هَدار الكرمل" في "حيفا".
لم أمنّ نفسي بالكثير، فالوقت نهار وما من أحد يستطيع أن يستأمن طريقاً عمومياً مهما كان ضئيلاً ومقفرا. مع هذا فلهفتي إلى اللقاء الانفرادي "بناهد" جعلتني أتخيل سيناريوهات كثيرة لا يكتمل أحدها إلا بقبلة طويلة نقضّي من خلالها "لبانات الفؤاد المعذب".
شددّت "ناهد" على الالتزام بالوقت، كي يكون اللقاء في عيون عابري السبيل الممكنين عبارة عن تحية مغلّفة ببعض الكلمات والجمل القصيرة بين شاب وفتاة التقوا صدفة في سبيل شبه مهجور تغمره ظلال أشجار عديدة، يمضي بعدها كل منهما إلى شؤونه.

استبشرت خيراً وأنا أرى الزقاق خالِ من المارة، وتدافع الدم في عروقي وأنا أرى "ناهد" تقبل من الناحية الأخرى، ولم أتعب كثيراً وأنا أستنتج بأن كل مدخل عمارة من العمارات القليلة المصطفة على جانبي الطريق يستطيع أن يكون مسرحاً "لقبلة طويلة أمّلتها".
قلت "لناهد" وقد التقيت بها: تعالي ننتحي في مدخل إحدى العمارات.
رفضت بشدة، وسألتني ماذا أريد من هذا اللقاء.
لم أجب على سؤالها، ولكني أخرجت إيقونة السيدة العذراء من جيبي ومددت يدي أطوق بها رقبتها وأقول: أريد فقط أن تقبلي مني هذه الإيقونة وأطمع أن أعلقها في عنقك.
تلفتت يمنة ويسرة والخجل يسربل وجهها ورقبتها وتركتني أعقد الإيقونة خلف رقبتها وأقترب بوجهي من وجهها رويداً رويداً.
كنت أشعر بأنفاسها تتلاحق وتتدافع وتتكثف ولم يكن حالي بأحسن من حالها. وعندما لم يبق بين شفاهنا إلا "قاب قوسين أو أدنى" كان هناك صوت أجش يقول بوضوح: "صحّه يا علماني" (ناداني باسمي الحقيقي طبعاً) ....

قفزت "ناهد" وهرولت مسرعة دون أن تنظر خلفها. ووقعت الإيقونة من يدي وصوت ضحكة ساخرة يقرع أذني قائلاً: "العز للرز والبرغل شنق حاله" ...

نظرت إلى مصدر الصوت الذي لم يش بصاحبه وأنا أحرق الإرم. لم يكن إلا "فريد"، ذلك الشاب الحيي الخجول القليل الكلام الذي لم "يجد لسانه" إلا كي يحرمني من قبلة أكيدة مضمخة بعواطف ملتهبة وبقايا قصائد زجلية حميمة. ولعلني أتذكر بأنني لم أشاهد قبلها "فريد" في مثل هذه الحالة أبداً، فلقد كان يرمقني بصلابة وثبات وابتسامة عريضة تكلل وجهه وتغدق عليه حبوراً غريبا.

في اليوم التالي، رأيت "ناهد" أمام مكتبة الجامعة وهي تنظر إلي وتبتسم بحياء، فتقدمت منها وقلت دون أن يرف لي جفن: أنا ذاهب كي أطل على "خليج حيفا" من برج الجامعة، وأعلم بأنك تودين أن تذهبي إلى نفس المكان، ما رأيك أن نذهب الآن سويا؟ ابتسمت ومشت دون أن تجيب ...

في المصعد انفردت "بناهد" لثوان معدودات، فوجدت يدي اليسرى تعبث "بزرّ إيقاف المصعد الاضطراري" واليد الأخرى تعبث بشعر ناهد و"زر قميصها".

إيه ... كانت أيام :emrose:

واسلموا لي
العلماني