قصة "القبر" هذه قديمة بعض الشيء، ولقد صدر عنها العديد من الأبحاث والكتب التي لم تستطع أن تثبت شيئاً. فأن تجد قبراً في القدس يحتوي على اسم "يهوشوع ومريم ومعهما ابن يدعى يهودا" ليس غريباً، وإن ألقى ببعض الشكوك فإنه لا يقطع بشيء مطلقاً. فنصف نساء اليهود في ذلك الوقت كن يدعون "مريم" ونصف بني اسرائيل الذكور كانوا يحملون اسم "يهودا"، أما اسم "يهوشوع" فمثله مثل "موشيه وياعكوف ويتسحاق وابراهام" كثير التداول في الأوساط اليهودية بشكل عام.

بالمناسبة، هناك قبران "ليسوع" و"أمه" في "كشمير" معروفان مشهوران. يتوجه إليهما الكثير من سكان تلك المنطقة للشفاعة والضراعة. وهناك رواية تقول بأن "المسيح"، بعد أن فشلت دعوته في فلسطين، هرب إلى "الشرق" ومات في تلك المناطق الهندية أو المتاخمة لحدود الهند.

أمس ليلاً، عرضت القناة الفرنسية السادسة فيلماً "لأنتونيو بونديراس" و"أوليفيا وليامز" و"مكرم خوري" بعنوان "القبر". يتحدث الفيلم عن قصة شبيهة لهذا اللغط الذي يعلو بين الحين والآخر بالنسبة لصاحب المسيحية ومؤسسها. فالفيلم يتحدث عن قبر مكون من ردهتين، واحدة تشكل الواجهة والأخرى تشكل "غرفة خلفية". الواجهة فارغة والغرفة الخلفية تضم رفاة تم صلبها دون تكسير عظامها في زمن المسيح. ولعلها تشير إلى أن "يوسف الذي من الرامة" (الذي دفن المسيح) قد وضعه في غرفة خلفية مقفلة، وعندما جاءت النسوة يبحثن عن المسيح وجدن القبر فارغاً لأنهن دلفن فقط إلى الردهة الأولى الفارغة.
قصة الفيلم مختلقة طبعاً وهي تنتهي عندما يتم نسف العظام الموجودة و"انتونيو بونديراس" يردد : "لا مكان لله في السياسة".

عملياً، أنا حذر جداً من الأفلام الوثائقية، فالكثير منها يشير إلى نصف الزجاجة الممتليء ويهمل النصف الفارغ؛ بمعنى أن "صاحب الريبورتاج" يفعل فعل أي كاتب سيء، فهو يجمع الدلائل والقرائن التي تثبت صحة فكرة معينة تداعب مخيلته، ويترك الدلائل والقرائن الأخرى. ولقد شاهدنا جميعاً أكثر من "فيلم وثائقي" بهذا المعنى.
بالنسبة لي، أعتبر بأنه من الخطر جداً أن نعتمد في معارفنا على "فيلم" أو "رواية" أو "تحقيق صحفي". فالكثير من أصحاب هذه "الأعمال الإعلامية والفنية" ليسوا محترفين ولا باحثين ولا علماء، ولكنهم "هواة" يصدرون عن أفكار مسبقة ويغفلون الكثير من التفاصيل المهمة جداً في "الأبحاث العلمية".

واسلموا لي
العلماني