من المثير جداً والمريب جداً أن نقع في فخ "التهديد الإيراني" للـ"أمة العربية"، وبتحريض مباشر برأيي من أمريكا وإسرائيل، فمن مصلحة هاتين الأخيرتين، أن تصبح إيران (المعزولة دولياً والمشار إليها بالبنان كدولة مناهضة لأمريكا وإسرائيل) أقول أن تصبح إيران أشد خطراً من إسرائيل، وبهذا ننسى قضية فلسطين وتصبح إسرائيل حملاً وديعاً أو بأفضل الأحوال دولة محايدة خطرها يأتي تالياً بعد إيران، ويصبح الجمع مشدودين كنخب وفي الشارع لهذا الخطر الإيراني الذي يتم تهويل دوره وخطره (إن كان خطراً طبعاً).

من السذاجة بمكان أن نعتقد بأن إيران حمل وديع، ومن السذاجة أصلاً في السياسة أن نعتقد أن هناك بلداً واحداً في العالم لا يعمل لمصالحه، لا أحد يعتقد ذلك ولا أحد يدافع عن إيران باعتبارها قديسة أو حاملة للورود للعرب، هي بلد كغيره يبحث عن مصالحه كما أي بلد آخر، بل من البلاهة أصلاً أن يقوم أي بلد بالعمل بما لا يخدم مصالحه.
دور إيران هو دور طبيعي لعبت مثله فرنسا وتلعبه لليوم بلبنان، والمشكلة إذاً ليست بإيران بل بمن يتركها تلعب هذا الدور والمشكلة هي بغياب الدور العربي تماماً بالعراق (راجع أسباب استقالة سفير الجامعة العربية في العراق "مختار لماني")، فليس هناك أدوار متنجانسة عربية، وكيف لا وهي بغالبها تابعة سياسياً لأمريكا، ومستفيدة جميعها من تحويل الأنظار عن السبب الأساسي لأزمات المنطقة وتدخلاتها الدائمة والفجة والوقحة (إسرائيل وأمريكا)، فهل قامت لأي سبب إيران باحتلال بلدان عربية؟ فقضية عربستان مثلاً هي تاريخية أتت حين تقسيم الغرب لبلدان المنطقة، والجزر الإماراتية كما تحدثنا كثيراً هي ناجمة عن اتفاقات سابقة في المنطقة وترك البحرين للعرب، أما حرب العراق إيران فهي جنون "صدامي" مدعوم غربياً لضرب الثورة الإسلامية في إيران وذلك باعتراف الغرب نفسه.
أسباب خراب العراق اليوم برأيي آتية من سببين رئيسيين هما الرئيس الراحل"صدام حسين" ودمويته وجنون عظمته فإنه كـ"نيرون" بغداد أحرق العراق ليشعل غليوناً. وثانيهما أمريكا التي استغلت الفرصة لتعلن من العراق مشروعها عن الشرق الأوسط الجديد والذي يُجهض اليوم ويفشل فشلاً ساحقاً.
إيران بلد إقليمي يمكننا أن نتفاهم معه، هو بلد من ضمن نسيج منطقتنا هو بلد قريب منا كقرب الإنكليز من الفرنسيين، هو بلد لا تجمعنا به ربما علاقات لغة وأخوة، لكنه بلد قريب منا ثقافياً وتاريخياً واجتماعياً، أقرب منا من الغرب والشرق، وهو بلد يدعم في مناطق من بلادنا (وإن كان بالطبع لأسباب مصالحه الخاصة وهذا لا يعيبه) ثورات ومعارضات ومقاومات بحق من يستعمر فعلاً بلادنا ويستغلها ويفقرها ويقتل من أبناءها يومياً.
بالنهاية فإيران بالنسبة لي بلد قريب وقريب جداً ولا بد لنا في يوم من الأيام أن نتصالح معه بل ونتحالف معه وتجمعنا معه علاقات مقربة، أما إسرائيل فهي خطر وجودها خطر مطلق، وكل ما تفعله خطر علينا، لا يمكن أن تربطنا بها علاقات طبيعية إلا بحال اندمجت بمنطقتنا، فهي من نشأتها أصلاً نشاز ولا تعيش إلا على ضعفنا، بينما إيران كانت طويلاً نحن وإياها ضمن حضارة واحدة، وكانت رفعتها برفعتنا ورفعتنا برفعتها، ولا ننسى أن نصف علماء ومبدعي الحضارة الإسلامية وحتى في مجالات اللغة والدين هم من أصول فارسية.

محبتي
(f)