عن أبي هريرة
GMT 2:15:00 2007 الإثنين 30 أبريل

لن تقتلني الدهشة إذا أفتي أحد العلماء، بأن مهنة الصحافة حرام، كل الطرق تؤدي إلي هذه الفتوي، فبعد أن أفتي شيخ الأزهر والشيخ صفوت حجازي بالأمس، بأن الذي يشتري جريدة «الفجر» يرتكب إثماً، فلن يتواني علماء آخرون عن إصدار فتوي غداً أو بعد غد بـ«حرمانية» بقية الصحف!

ولمن لا يعلم سبب هذه الفتوي أحيطه علماً بأن الزميل محمد الباز المحرر بجريدة «الفجر» تناول بقلمه سيدنا أبوهريرة راوي أحاديث رسول الله صلي الله عليه وسلم وألصق بالرجل ما يخل بالشرف والرجولة والأمانة، ومن ثم لا يجب أن نصدق الأحاديث المروية عنه حتي لو جاءت في صحيحي البخاري ومسلم.

ومن يقرأ أسانيد الباز سيدرك أن الأمر لا ينطوي علي سوء نية، بل علي دعوة -لا أشك في إخلاصها- لإعادة تنقيح كتب التراث الإسلامية لتنقيتها من الأحاديث غير المنطقية التي تسيء إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم.

كنت أنتظر كما يجب أن يحدث في مثل هذه الحالة أن ينتفض أحد علماء الحديث -وما أكثرهم- بالرد علي الباز سواء من باب الانتصار لرسول الله وصحبه أو حتي من باب فضح «جهل وتطاول» الأستاذ الباز، لكن فوجئنا بردود أفعال تصب الزيت فوق النار وتطالب بقطع رأس الباز وبحرق جريدة «الفجر» وتحريم شرائها أو الإعلان علي صفحاتها، أما أن يفند أحدهم أسانيده أو أباطيله فهو الشيء الذي لم يحدث.

المشكلة أن الباز ليس باحثاً في التراث الإسلامي وليس عالماً ولا دارساً لعلم الحديث، وهو لم ينكر ذلك، بل وجه دعوة للمتخصصين لكي يقوموا بما يود القيام به.

لكن ردود الأفعال لما كتبه جعلته مثل المنبت: لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقي، بل تسبب في وضع جريدته، ثم مهنتنا علي المحك في انتظار صكوك الغفران ومحاكم التفتيش.

لست في معرض دفاع عن الباز لأنني مثله غير متخصص وغير متفقه، لكنني أكتب لكي أؤكد أن مجتمعنا في طريقه إلي اعتناق دين جديد قديم اسمه «التربص»، دين لم يهبط من السماء بل هو من نباتات الأرض الست، دين لم يبشر به نبي، بل تدعو له شياطين الإنس وتهدي كل رعاياه خنجراً منقوعاً في سم زعاف، حتي يحسموا به أي مناقشة، وحتي يردوا به علي أي دعوة للتفكير والاختلاف والاتفاق وإعمال العقل.

كيف أصدق أن هذا الذي أفتي بحرمانية جريدة، وبالتالي غلق أبوابها وتسريح عمالها وموظفيها ومحرريها، لمجرد أن أحدهم اجتهد في موضوع فأصبح عرضة للصواب والخطأ؟.. كيف أصدق أن صاحب هذه الفتوي إنسان عادي وليس عالماً في دين يدعو إلي الرحمة والتسامح، والأكثر من ذلك يدعو إلي استتابة المرتد قبل إعدامه؟!

إنها ليست أزمة أثارها محرر مصر علي ألا يوغل في الدين برفق، كما أنها ليست جملة غاضبة أطلقها عالم يغار علي دينه، إنما هي مأساة بلد تساقطت أمامه كل الحصون، فلم يعد أمامه سوي دينه كحصن وحيد لا يجب الاقتراب منه أو إحاطته بعلامات استفهام أو بعلامات تعجب، حيث لا عاصم لنا اليوم من أمر الله إلا بالاعتصام بهذا الحصن الأخير،

خلطنا بين العقيدة الثابتة التي لا اجتهاد فيها وبين أمور خلافية كثيرة في ديننا تدعو في الأساس إلي الاجتهاد وفقاً لحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم «أنتم أعلم بشؤون دنياكم»، خلطنا بين القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبين أحاديث نبوية اتفق العلماء علي أن الموضوع والمدسوس فيها أكثر من أن يحصي.

الشاهد -أيها السادة- أننا نعود إلي الوراء بإصرار لا نلوي علي شيء غيره، وفي الوقت الذي نتشبث فيه بقشة الحوار كخطوة أولي لإصلاح هذا البلد، أصبح الدين الجديد (التربص) يشيع بيننا ويكثر أتباعه.. ويلوحون أمام وجوهنا بخناجرهم في اليوم ألف مرة، يؤمهم شيطانهم الأصم الأعمي!

والآن إذا صدرت الفتوي بحرمانية مهنة الصحافة، علي اعتبار أنها مهنة اغتياب ونميمة وخوض في أعراض البشر، ستكتمل الصورة تماماً.

أقول ذلك وأنا أستعيد تحذير الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب، بأن قانون الإرهاب سيطال الصحفيين، فأوقن بأن بلداً لا يتحمل النقد ولا يؤمن بالحوار ولا يصدق أن الاختلاف طبيعة بشرية إيجابية.. بلد علي هذه الحالة إذا سألوك عنه يوماً.. فقل لهم ما قال عمك عبدالدايم في فيلم «القاهرة ٣٠» عن ولده محجوب: مات واندفن.

عاطف حزين/ المصري اليوم

:Asmurf:

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	القلب ، النمو ، وأشياء أخرى تحير العقل !	إسلام	12	2,698	04-14-2008, 02:34 PM آخر رد: Beautiful Mind