هل كان الصحابة علمانيين؟
بقلم خالد صلاح ٣٠/٤/٢٠٠٧
لم تنقطع رسائل الاحتجاج التي يرسلها بعض الغيورين علي سمعة جماعة الإخوان المسلمين، اعتراضا علي مقالي «علمانية عبدالمنعم أبوالفتوح»، رافضين بحسم أن ينسب إلي قيادي في مجلس شوري الجماعة، أي تقدير من قريب أو بعيد لمصطلح العلمانية، ومؤكدين النفي الذي نشره أبو الفتوح نفسه علي موقع «إخوان أون لاين» لهذه التصريحات،
ورغم أنني نشرت التوضيح الوارد في هذه الرسائل من قبل، فإن اللافت في الردود التي مازلت أتلقاها يوميا، أن القاعدة الأوسع من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين تنظر إلي العلمانية باعتبارها كفرا بينا، يستوجب الاستتابة أو القتل،
كما أن الوصلات الإلكترونية التي يدعوني محررو الرسائل الاحتجاجية إلي تصفحها تتضمن نصوصا كاملة لدراسات فقهية تدعو إلي تكفير ما سمته المذهب العلماني، وقتال أصحابه، ووضع العلمانية في خانة الأفكار المعادية للإسلام وللأديان جميعا.
ويغلب علي ظني، أن فقهاء الإخوان الذين كفروا العلمانية لم يتوقفوا لحظات ليتأملوا طبيعة التاريخ السياسي الإسلامي ومواقف الخلفاء الراشدين المهديين بعد النبي، صلي الله عليه وسلم، أو منهج الحكم في عهد ملوك وأمراء العصرين الأموي والعباسي، فالآليات التي حكم بها المسلمون الأوائل، أمة الإسلام، بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم، لم تكن سوي آليات علمانية، حتي من قبل ظهور هذا المصطلح في الفكر السياسي الغربي، كانت العلمانية آنذاك هي الاجتهاد في أمور الدنيا للوصول إلي قواعد تحقق مصلحة أمة الإسلام.
أبو بكر، رضي الله عنه، حارب طائفة من المسلمين، لأنهم امتنعوا عن دفع الزكاة، وهو فعل لم يأت به النبي صلي الله عليه وسلم، لكن أبا بكر قضي بأن هذه الحرب لمصلحة الإسلام، وهذه الفكرة يصفها الفقه الإسلامي بأنها (اجتهاد)، فيما يمكن اعتبارها في الفكر الإنساني أنها (علمانية)، إذ خرجت عما ورثه أبو بكر من قواعد الدين، لتحقيق مصلحة ـ هو يري أنها ـ في سبيل الدين نفسه.
وبالمثل، منع عمر بن الخطاب تطبيق حد السرقة في القصة الشهيرة، وهو أمر ينظر إليه أيضا في الفكر الديني، علي أنه (اجتهاد)، فيما يمكن الحكم عليه في الفكر الإنساني بأنه (علمانية) ليس كفرا، ولا خروجا عن القيم الدينية، ولكنه التفكير في أمر دنيوي في ضوء المصلحة، وفي ضوء الظروف الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بكل أمة.
وبنفس المنطق (الاجتهادي) أو (العلماني)، سمح معاوية لنفسه بأن يغير شكل الحكم في الإسلام علي غير ما اتبعه الخلفاء الراشدون، وبالمثل أيضا طور العباسيون منظومة عمل مختلفة لبيت المال وتوزيع أنصبة الزكاة، وغير الفاتحون المسلمون لبلاد المغرب كثيرا من القواعد والتعاليم لتتلاءم مع البيئة التي يطبقون فيها الإسلام، وخرج الفقهاء بنظم جديدة في دفع الزكاة والصدقات، حسب كل عصر وحسب شكل المنتج الاقتصادي في كل أمة.
وبالقراءة العلمية لهذا السلوك السياسي الإسلامي، يمكن الوصول إلي مصالحة بين العلمانية والإسلام، والنظر إليها ليس باعتبارها مذهبا معاديا للدين، بل التعامل معها علي أنها (روح اجتهادية عصرية ومنظومة من القيم والأفكار التي توفر الإطار المناسب لاتخاذ قرارات تحقق مصلحة الإسلام والمسلمين في كل عصر).
وأظن أن تاريخ الخلفاء والصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ يتضمن الكثير من هذه السلوكيات الدنيوية الفريدة والقرارات السياسية الشجاعة التي يمكن البناء عليها لإعادة الاعتبار لمصطلح العلمانية، كما أظن أن نماذج مثل مهاتير محمد صاحب المصطلح الشهير (أنا مسلم علماني) يمكن أن تشكل حافزا علي هذه الخطوة الحداثية، كما أن نموذجين آخرين مثل طيب أردوجان وعبدالله جول في تركيا يقدمان رؤية عصرية لما يمكن أن يكون عليه الفهم الإسلامي للعلمانية.
المصالحة مع المصطلح، قد تكون بداية لحركة حداثية جديدة في أوساط الإخوان وغيرهم من تيارات الإسلام السياسي في العالم العربي.
http://208.109.248.104/article.aspx?ArticleID=56786