فهمي جدعان فـي الخلاص النهائي: وعود الإسلاميين والعلمانيين والليبراليين




د. مجدالدين خمش - يقوم فهمي جدعان في كتابه الجديد الصادر عن دار الشروق بعمان بتحليل النظم الفكرية ـ الإيديولوجية الكبرى المهيمنة حالياً على الثقافة العربية، والتي تؤدي أدواراً أساسية في توجيه قرارات المجتمع، وسلوكيات الأفراد والجماعات. وهذه النظم الفكرية المهيمنة التي يحللها جدعان هي: نظام الإسلاميين، ونظام العلمانيين، ونظام الليبراليين. وهو يقدم منذ البداية أطروحته التي تقول: إن هناك تعارضاً قوياً بين هذه النظم الفكرية، بالرغم من أن كلاً منها في حقيقته الخالصة يدعو إلى التعددية، واحترام رأي الآخر. وذلك يعود ـ في رأيه ـ إلى ثقافة أصحاب هذه النظم، فكل منهم يحتكم إلى ثقافة تاريخية تشكلت في فضاء النظم الفكرية نفسها في مسارها التاريخي الممتد عبر القرون، والبيئات، والعصور. كما ينتقد هذه النظم جميعها أيضاً لأنها تحولت إلى إيديولوجيا أحادية،إقصائية ولذلك فهي ... تصطدم بالمبادئ الأصلية للفلسفات التي تقوم عليها .وبسبب هذه المثالب فإن هذه النظم غير قادرة على التفاعل الإيجابي فيما بينها لتنتج نظاماً فكرياً جديداً منفتحاً ومعاصراً يبشر بالخلاص المجتمعي للعرب ، ويبدأ في تحقيقه.كما أن كلاً منها منفرداً غير قادر على تحقيق هذا الخلاص المجتمعي وذلك بسبب تصارعه مع النظامين الآخرين، ورفضه لطروحاتهما. ويقرر فهمي جدعان والحقيقة أننا هنا قبالة نماذج من النظم، كل شيء يفرض عليها أن تستجيب لما يمكن أن أطلق عليه نداءات الخلاص. وكل واحد من هذه النظم مدعو إلى أن يستمع إلى هذه النداءات، لأن الصدود عنها، واحتقارها، أو امتهانها لن يترتب عليه إلا استمرار السير في الطرق التي لا يمكن أن تفضي إلى شيء، أو أن تفضي إلى طرق مسدودة .
وللوصول إلى هذا النظام الفكري الجديد المستمد مما هو مشترك بين النظم الفكرية الثلاثة يبدأ فهمي جدعان رحلته عبر مئات الصفحات ليقدم تركيباً متناغماً من جملة المبادئ والقيم والرؤى المطروحة في كل نظام منها، بحيث يكون هذا النظام الفكري الجديد موضع قبول، أو نقاش، أو تداول بين المعنيين بمسألة الخلاص النهائي. بهدف التوصل إلى حالة من الفعل التضافري، الحيوي، المؤثر بين جملة العناصر التي يمكن اشتقاقها والمستند إلى مجموعة من المبادئ والأفكار والقيم الموجهة لحياتنا حاضراً ومستقبلاً، لا نظاماً إيديولوجياً صارماً مغلقاً.
والمنهج الذي يستخدمه جدعان لتحقيق أطروحاته منهج تفكيكي ـ تجسيري، فهو أولاً يفكك كل نظام من النظم الفكرية الثلاثه التي يتعامل معها إلى عناصره النقية الخالصة من الشوائب السياسية والتاريخية، ثم يعمل على جسر الهوة بينها من خلال استثمار ظاهرة الديمقراطية، وهي هنا ليست فقط صندوق الاقتراع ـ أو بما هي تكنولوجيا سياسية أو طريقة في الحكم ـ فهذا غير كافٍ لجسر الهوة بين هذه النظم، وإنما هي ... كمشروع اجتماعي يهدف إلى النمو، والتطور، والخير الجمعي لكل المواطنين فهي السبيل إلى التقدم والرفاهية . أو بتعبير آخر المطلوب ثقافة الديمقراطية بما تحتوي عليه من مبادئ وقيم إنسانية عامة مثل: التعددية، الحرية، المساواة، التسامح، المساءلة، المرونة، تداول السلطة، والحلول العملية وليس الغيبية للمشكلات الحياتية، واحترام إبداعات الثقافة الإنسانية في كل مكان. ويلاحظ جدعان أن هذه المبادئ والقيم متضمنة في نظم الأفكار التي يحللها، والتي جرى التعتيم عليها خلال مسيرتها التاريخية.وحين يتم استيعاب هذه المبادئ والقيم وتمثلها من قبل المواطنين العرب والمسلمين في أقطار العالم العربي والإسلامي يبدأ تحول هذه المبادىء، والقيم إلى طريقة حياة للناس. ويشرح جدعان ذلك بقوله: وفي الثقافة الديمقراطية يقبل الجميع مبدأ مساواة جميع المواطنين أمام القانون وأن الشعب ذا السيادة المكون من أفراد متساويين رغم تنوعهم يمارس فعلياً كفاياته وقدراته السياسية ويحترم تعدد الآراء والإرادات للمواطنين الآخرين، ولا يقبل بمبدأ عزل المخالفين أو إقصائهم، سياسياً أو اجتماعياً أو دينياً. فإن الوجود الدائم للديمقراطية يتعلق بتكوين كتلة من الرجال والنساء العازمين على أن يفرضوا معاً سيادتهم وإرادتهم بما هم مواطنون .





--------------------------------------------------------------------------------