و يحدثونك عن هوية الامة .

كلما طرحت موضوعا عن الحداثة برز احدهم ليحذرك من المساس بالهوية الثقافية للامة العربية المجيدة . و كلما طرحت موضوعا عن الحرية الليبرالية برزت لك جماعة من المطالبين باحترام الهوية الثقافية لديننا الحنيف . و كلما طرحت موضوع الوطنية غير المتورمة ، هب عليك الوطنجية من كل مكان بالويل و الثبور وهم يتكلمون عن الهوية الوطنية التي فصلها عليهم القائد الملهم و حزبه الاستبدادي في يوم ما ، و اعتادوا عليه . ترى ما هي الهوية وما هي العروبة و ما هي القومية ....الخ ؟
في فترة من فترات تاريخنا الاغر كانت هويتنا هوية دينية اسلامية لا تعترف بمقياس سواها لتمييز سكان مجتمعنا العربي عن غيرهم حيث كان التعريف التالي خير مقياس :
" لا فرق لعربي على اعجمي الا بالتقوى " !
ثم اتت مرحلة اتخذت فيه الهوية أكثر من تعريف جديد منها ما كان فيه المقياس هو الانتماء الى الماضي الى امة استطاعت ان تفعل شيئا في وقت ما من عمر التاريخ ! و اصبح فيها التعريف التالي مقياسا :
امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة !
ومنها ما كانت الهوية تاخذ طابعا شموليا امميا يضيع فيه الفرق بين الفرد و الفرد حيث تختلط الهويات من شتى بقاع الارض و تذوب لصالح فكرة غير واقعية هي توحيد كل عمال العالم لنتمكن من القضاء على الشيطان الراسمالي :
يا عمال العالم اتحدوا
ومنها ما كانت الهوية قزمة بمقياس ارتباط الفرد بقومية صغيرة من قياس القومية السورية الاجتماعية ، حيث يظن اصحاب هذه النظرية بانهم سيعيدون عجلة التاريخ الى الوراء و يقيمون دولة تشمل بلاد الهلال الخصيب و يضمون اليها جزيرة قبرص و يحررون ارضا من تركيا لضمها الى الدولة الطوباوية التي يحلمون بها و هكذا تكون الهوية سورية خالصة بقدرة قادر .
وهكذا نجد الايديولوجيا الفارغة تفعل فعلها اذ تريد خلق شيء من عدم . و بما ان السياسة هي فن الممكن ! يصبح علينا ان نبحث عن هوية تحترم وجودن اكافراد ، هوية تسمح لنا بتمييز ذواتنا الواقعية و التي تفرض وجودها علينا بقوة كل يوم . هوية تسمح لكل منا ان يعي ذاته و انه ينتمي الى مجتمع مدني واقعي ، و الى دولة معينة موجودة رغما عنه ، و الى وجود وطني ينعكس علاقات خبرها من حوله تعيد تشكيل وجوده كل يوم . فليست الهوية هي مجرد التحدث عن دين ما او عرق ما او قومية ما او تاريخ مجيد معين او هيمنة طائفة على غيرها لفترة خلال زمن ما .
الهوية هي كائن واقعي متغير تابع للتغيرات الثقافية الاقتصادية و السياسية التي يمر بها الفرد . و ان التحدث عن هوية ثابتة لا تتغير هو نوع من الجمود الفكري الذي يقوم على ثوابت نظرية لا وجود لها في عالم الواقع . لقد كانت هويتنا الاسلامية افضل من هويتنا القبائلية التي سبقتها تاريخيا ، ثم كانت هويتنا القومية اصدق من هويتنا الدينية التي لم تحترم الاقليات او الطوائف الضعيفة . هوية ذات بعد شمولي تسلطي . هوية عرقية بل و اثبتت مذهبيتها بعد مرور خمسين سنة على ظهورها في اكثر من بلد عربي و اثبتت وجودها المشوه للفكر و الثقافة و الحس الانساني . هوية وضعت الشعب امام مفترق طريقين : فاما القومية الاستبدادية او الفوضى و الحرب الاهلية .
اما عن الخصوصية فحدث ولا حرج ! اكثر ما تثير هم السلفيين و القوميين ! و هي تجعل من العرب جنس نقي بدا منذ الازل و سيستمر الى الابد ! هي خصوصية وهمية لا تنتج الا اوهاما تقوم على مفهوم امة ن\قية لا اقليات فيها ولا اثنيات ولا طوائف ولا مصالح متباينة ولا مسمار جحا في البيت الكبير ! امة يتخيلها السلفي ،تعيش داخل مدينة افلاطونية ، شعبها عظيم ذو تاريخ مجيد ، رجالها جبابرة شجعان لهم طموحات باحتلال الكون و يبكون على تخليهم قسرا عن اراض كانوا احتلوها من غير عرقهم و غير ارضهم و غير طائفتهم !
انها خصوصية امة تعتقد بانها خير امة اخرجت للناس . امة تعتبر انها في قرارة نفسها " شعب الله المختار حقا ، بينما غيرها هم متعصبون لانفسهم و يعتقدون بانهم شعب الله المختار زورا " ! انها خصوصية امة تؤمن بان هذا الوطن هو لذلك الديكتاتور الذي هيمن عليه وفرض على بقية افراد شعبه الولاء و البراء كما يراه هو وقيادته الحكيمة . حزب قومي استبدادي عطل القوانين التي تضمن حرية افراد مجتمعه و فرض انظمة و قوانين تبيح تمسكه بالسلطة الى الابد و رفع شعارات على طريقة :
الى الابد يا حافظ الاسد .... الخ
انها خصوصية احزاب تسلطة باسم الشعب و القوى العاملة و تعاونت مع الاستعمار للوصول الى السلطة ثم تعملت مع شعوبها على انها مجموعة من الا5فراد التي تتراوح ما بين الموالي و العميل للخارج او للعدو او لاحزاب تريد تدمير السلم الاهلي .
اخيرا نسال عن اية هوية يتحدث اولئك الطوباويون ، هل لنا من هوية افضل من الهوية التي تحترم حريتنا . الحرية التي هي أثمن ما في الوجود . ما معنى ان تكون للمرء هوية الدابة التي يطعمها الفلاح و يسقيها طالما هي تعمل لديه و تنتج ، و لكنه يابى ان يقدم لها حرية المغادرة او السفر او تغيير سيدها و الولاء لغيره . الهوية كائن متغير . و لقد اثبتت الهويات التي حملناها منذ بداية وعينا البشري بانها كانت هويات ناقصة بل زائفة لا تعبر عن حقيقة مشاعرنا و رغباتنا و مصالحنا . هويات كانت تخدم الحاكم اقطاعيا كان ام خليفة ام ملكا ام زعيم حزب شمولي لا يقل عمن سبقه دموية و شراسة . فلنبحث لانفسنا عن هوية تحفظ لنا حرياتنا الاساسية / حرياتنا التي تلزمنا لنكون حضاريين في عالم حضاري . حرياتنا التي تحقق لنا القدرة على مجابهة هذا العصر بكل مصاعبه . حرياتنا التي تم قمعها باسم الولاء للامبراطور او الولاء لفرعون او الولاء لنبي او الولاء للخليفة او الولاء للملك او الامير او الباشا او الضابط الوطني الذي سحق الحريات جميعها على مذبح مصالحه او مصالح طائفته او مصالح حزبه الفئوي باسم القومية او الاشتراكية او الشيوعية . ثم صاغ المفاهيم و شوهها بحيث اصبح الوطن على قياس المزرعة التي يملكها مع اهله و طائفته و بعض رجال حزبه . و اصبحت الوطنية متورمة مقاسة بمدى الولاء لذلك القائد الخالد . و اصبحت الخيانة تقاس بمدى مطالبة ذلك القائد ببعض الحريات او الطلب من اية قوى خارجية المساعدة في التخلص من ذلك الديكتاتور الذي ذاق شعبه على يديه امر العذاب .

هلموا لنبحث عن هوية جديدة !

:Asmurf:

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	قال الطنطاوي : الهوية العربية هي ايضا هوية ابن الراوندي	العاقل	20	4,874	11-28-2010, 06:39 PM آخر رد: طنطاوي
	النقاب في مصر ـ رمز للاحتجاج أم هوية جديدة؟	mafia hacker	16	4,749	08-16-2010, 11:36 PM آخر رد: العلماني
	تخاريف في هوية مصر	lellou	104	21,677	11-15-2008, 10:23 PM آخر رد: caveman
	هوية لبنان ما بين الضاحية وحريصا!	فرج	4	1,148	09-30-2006, 12:05 AM آخر رد: فرج
	دور البعث السوري والعراقي في تأخر الامة وفي دمارها	journalist	1	766	07-03-2005, 10:22 PM آخر رد: journalist