إذا كان الاعتراض على "إعلان" الرسّام عن رسم اخته عارية في مجتمع "مريض" لا يفصل بين اللوحة الفنيّة و"كيلو" البصل .. فهلّموا إلى "العنب" .. واتركوا "الناطور" ..

أما إذا كان الاعتراض على "رسم" الرسّام لأخته عارية .. فلا أرى في ذلك أي مشكلة .. هذه اللحظات هي تعبير عن رغبة مكبوتة (وموجودة تجاه المحارم وإن أبينا) ظهرت بأبهى صورها .. بصورة إبداع فنيّ تصويري .. هذا ما نسمّيه بعلم النفس "التسامي" أو "التصعيد" ..

نظرة الإنسان "الجماليّة" .. هي بالأصل انعكاس لعلاقته الطفليّة بأفراد أسرته .. وحينما يتمكّن الإنسان أن يغوص في الجذور الجماليّة لنظرته الحياتيّة .. ليمثّلها أمامنا لوحة فنيّة .. فهو بذلك قد امتلك من العمق الروحي ما لا نتخيّل أن ندركه .. بل إنّه يبعث فينا الارتباك والحيرة ..

لم يكن التحريم يوماً عن عبث .. فالتحريم هو منع "لرغبة" .. لو لم توجد الرغبة لما وجد "التحريم" .. وأقدم "تحريم" عرفته البشريّة هو تحريم "المحارم" .. لذا .. حينما يهبّ أحدنا على هذا الفنّان .. فلأنّه مسّ فينا رغبة مكبوته .. رغبة الحصول على الأخت أو الأم .. امتلاكها .. والرسم .. هو نوع من الامتلاك .. نحسده عليه ..

لذا .. أستطيع أن أقول أنّ الفنّان في ابداعة ترفّع على الجانب الجنسي الذي يرى به اخته فهو قد تماهى بالريشة ولم يتماهَ بفرج اخته .. وتماهى بروحه الفنيّة .. ولم يتماهَ بشهواته وغرائزه .. تماهى بالجمال حيث تراه أعماق نفسه .. ولم يتماهَ بالجمال حيث يراه عضوه الجنسي .. فتصعيد "الدافع الجنسي" يؤدّي إلى إبداع غير جنسي .. كما يقولون في علم النفس ..
لكنّكم في حكمكم لم تستطيعوا أن تترفّعوا عن الجانب الجنسي .. بل إنّ هذا الجانب المكبوت يعبّر عن ذاته بأبهى صوره من خلال "ردّة الفعل" الواعيّة (ومصطلح رد الفعل مصطلح معروف في علم النفس) .. على ما "يُكبت" في أعماق النفس .. (الهو) .. وهذا هو تفسير ما نراه من ردّة فعل عنيفة تجاه أي قضيّة تمسّ تابو المحارم .. حتّى من أكثر الناس تحرّراً .. ومن أكثر الناس تقديساً للفن والأدب .. (لست أتمنّى أن أتّهم بأنّي أدعو إلى إباحة نكاح المحارم مثلاً .. بل أنا بعيد كل البعد عن دعوة كهذه) ..


لا أرغب من خلال ما قلته أعلاه أن أبرهن عن الهشاشة النفسيّة لمن قفزوا في وجه الرسّام .. ففي الحقيقة الموضوع ليس موضوع هشاشة ولا ما يحزنون .. ولست أبرّئ نفسي من الهشاشة .. بل إنّي أريد أن أبرهن لمن يحدّثنا عن "الأخلاق" وما شابه .. أنّ هذه الأخلاق شبقة جنسياً (والشبق تلاحظة فيما يُحرّم .. لا فيما يُحلّل).. !! .. لذا مكوّناتها الأوّليّة تنفصل تماماً عن مكوّنات "الفن" و"الإبداع" .. ومن قمّة السذاجة أن يفكّر أحدنا بحساب طول جبل .. بالكيلوغرام .. !!

اتركوا الفنّان يبدع واتركوا أخلاقكم لتعاملاتكم اليوميّة .. وحينما يبعث هذا الفنّان الارتباك فيكم .. فقد نجح في الغوص في أعماقكم .. حيث تكرهون أن تغوصوا .. فلا تغضبوا .. بل اشكروه ..
وحينما تحاكمونه انطلاقاً من أخلاقيّاتكم .. فأنتم تغتالون الفنّ .. الذي يترفّع عن "الأسباب" التي من أجلها اخترعتم الأخلاق .. ويسمو عنها .. بل ويغوص في أعماقها ليكتشفها .. ويعبّر عنها ..


خوليو