المحترم الأديب خوليو..
تحيّة معطرة بمشاعر الود والاحترام(f) ..
أليس غريبا يا صاح أننا نستطيع اتهام بعضنا بذات ما نتهم به فيما لو عكسنا الأمثلة!
تتهربون من مسلمات الأديان لتقعوا فريسة لمسلمة الأساطير...
ولو واجهناكم بعين اتهاماتكم لنا تضايقتم!
وتنفرون من تقديس الأنبياء الخالد ذكرهم منذ عشرات القرون، لتقدسوا أشخاصا معاصرين ما صنعت رسالتهم –إن صح أن نسمي ما يقولون بالرسالة- هامشا ولو ضحلا من مساحة صناعة الحياة والإيجابية التي حرر بها الأنبياء البشر..
تكفرون بالسمو الروحي الرباني، ثم تؤمنون بالتصعيد الجنسي الذي يعيد الحياة لفرضيات تحصر نشاط الطفل بالكوامن الجنسية المزعومة ضمن المراحل الفموية والشرجية والقضيبية! ثم تؤدلجون الحياة وسلوكياتها تبعا لهذه المراحل!

الأزمة يا صاحبي ليست في أن نفلسف الجنس بألوان من التعابير الرشيقة والتي يسهل من خلالها تصوير أفحش أنماط الممارسة الجنسية بمخرجات جمالية إبداعية مصورة أو مقروؤة أو معزوفة!

أنت يا صاح تعلم أن الخريطة ليست الواقع، والكلام ليس هو الوقائع، والعرض ليس هو الجوهر...


لا مشكلة لنا مع الجنس:

دعنا من الكلام المنمق عن الجنس فما قلنا يوما أن الجنس دنس ورجس من عمل الشيطان، هذه على الأقل ليست نظرة الديانة الإسلامية للجنس

الجنس فطرة، والإسلام دين الفطرة

وشريعتنا الإسلامية قد قامت في أحكامها على حفظ المقاصد الخمسة التي وضعت في أعلى السلم وهي الضروريات لتتراتب بعدها الحاجيات والتحسينيات...

في المقاصد الخمسة التي ارتفعت لدرجة الضروريات في شريعتنا الإسلامية كان حفظ النسل مقصد من مقاصد الشريعة مثلما حفظ الدين والنفس والعقل والمال

وحين تكلمت الشريعة عن هذا المقصد توسعت في توضيح العلاقة الجنسية ولم تضيق واسعا، بل شرعت الزواج وأشرعت له الأبواب، وجعلته من سنن النبوة فمن رغب عن سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الزواج فليس منه...

وفتحت الشريعة الباب لذوي الاحتياجات الخاصة حتى يرووا ظمأهم الجنسي بوسائل متعددة، لا تخرج عن الغاية التي خلق الجنس لها، ألا وهي السكن والمودة والرحمة واستمرار الحياة الإنسانية النظيفة بما اصطلح عليه فقهنا بحفظ النسل
(زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين و...)
الذي حبب شهوة الجنس للإنسان وزينهاهو خالق الإنسان وواهب الحياة وفاطر النفوس على هذه غريزة الجنس وسائر الغرائز...

لذلك لم يتورع حتى الأنبياء عن الجنس بل قال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم بإنسانية واقعية مثالية: (حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء)

الجنس في حياة المتدين المسلم سلوك صحي، يتعبد بممارسته فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (في بضع أحدكم صدقة)، قالوا (أي الصحابة): أيأتي أحدنا شهوته ويكون له بها أجر؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أوليس إن وضعها في حرام كان عليه وزر، فكذلك إن وضعها في حلال كان له بها أجر....

والجنس في اهتمام المؤمن رسالة تصعيدية لا تقف عند حاجز الدنيا ومحصناتها من المؤمنات وأهل الكتاب وملك اليمين، بل تسمو لتكون دعاء المتبتل في محرابه، لا يستحيي أن يطلب من ربه في خلواته واعتكافه وصالا لا تنقضي لذته مع الحور العين الذين يتراؤون له حتى يسوقونه إلى طاعة يفتر عنها، أو جهد يتكاسل عنه، أو مهلكة تبرد لها كل الشهوات المسعورة!


الجذور الثقافية لفرضيات فرويد:

إذا دعني أقول بأنه لا عقدة دينية لدينا تجاه الجنس كما لدى ثقافات أخرى منها الثقافة التقليدية لقوم سيجموند فرويد من اليهود والذين ينزهون الدين عن هذه الممارسة، ويرون أن ثمة تصادم بين لذة الجنس، وسمو الروح!!

اليهودية:

فرويد لم يكن مستقلا عن جذوره الثقافية اليهودية، حتى وهو ينقدها نقدا قاسيا ويشكك في أصولها ومعتقداتها في كتابه: «موسى والتوحيد»! تماما مثلما عقدة بعض الملاحدة من ذوي الأصول المسلمة لا تعني أنهم منفكين عن جذور ثقافتهم الإسلامية! وكم رأيت من يتهجم على الإعجاز العلمي بالقرآن مثلا ما يفتأ أن يسمع بنظرية استنساخ أو فك شفرة الحامض النووي ليحدثنا عن إعجاز الإنسان، وكم رأينا من يكتب بطريقة القرآن والحديث ليخدم نهجه الإلحادي، فرويد اليهودي الأصل لم يكن بمنأى عن هذا السلوك الاجتماعي المعهود..
لم تكن عقدة فرويد مع الجنس والديانة اليهودية وحدها المحرك لأفكاره، بل كان لليهودية بعد آخر، ظهر جليا في الفلسفة التي تحمست في الدفاع عنها كعلم تجريبي(!!)

من المؤكد أن مفهوم الأنا العليا الذي حدثتني عنه غير منبت عن الجذور الدينية اليهودية التي ترعرع فرويد في بيئتها الثقافية!
إن هذه الأنا العليا هي القانون المتبطن بدءاً من الشخصية الرئيسية الإلهية باعتبارها أباً أو من شخصية موسى باعتبارها أباً ووسيطاً معاً' بيير فوجيرولا: 256

الداروينية:

طبعا فرويد تأثر بالداروينية وهذه شكلت البعد الثاني في خلفيته الثقافية..

قرأ فرويد لـداروين أنه في عالم البقر تتجه الثيران الفتية للحصول على البقرة الأم، فتجد أباها عائقاً في الطريق فتتجه كلها نحوه لتقتله فإذا فرغت من ذلك عادت فأصطرعت فيما بينها حتى يتغلب أحدها -وهو أقواها- فيفوز وحده بالأم، ويصبح هو السيد الجديد.

ونقل فرويد بخياله الجانح هذه القصة من عالم الحيوان إلى عالم الإنسان ليبني عليها فرضه المزعوم، فهو يذكر في كتابه الطوطم والمحرم أن الأبناء في مطلع البشرية اتجهوا نحو أمهم بدافع الجنس، وإذ رأوا أباهم يحول دون ذلك قتلوه وبعدها أحسوا بالندم على قتله، وعمدوا إلى تقديس ذكراه فعبدوه، وبذلك نشأت العبادة البشرية الأولى عبادة الأب، ثم تحولت إلى عبادة الطوطم وهو الحيوان الذي اعتقد الأبناء أن له صلة بالأب، وكان تحريم أكل الطوطم أحد المحرمين الكبيرين لدى البدائيين، أما المحرم الثاني فهو الزواج من المحارم، وأصله أن هؤلاء الأبناء رأوا أنهم سيتقاتلون من أجل الحصول على الأم، فاتفقوا على تحريمها على الجميع، ومن ذلك نشأ أول تحريم جنسي وظلت البشرية تحرم الزواج منها، ثم انتقل إلى سائر المحارم. ( محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي 159.)


يقول فلوجيل : كان أكثر تطبيقات علم النفس على الأنثربولوجيا إثارة هو بلا شك موقف فرويد الطوطم والمحرم ... وقد حاول فرويد في تطبيقه لتلك الأفكار على الطوطمية أن يشرح أحد المحرمين الكبيرين للمجتمع الطوطمي وهما تحريم أكل الحيوان الطوطم وتحريم الزواج الداخلي، فأرجعهما إلى جانبي مركب أوديب: الرغبة في قتل الأب والزواج من الأم، وبهذا الشكل يبدو عيد الطوطم ومشتقاته...، بما في ذلك تناول الخبز المقدس في الكنيسة المسيحية ضاربة الجذور في اتجاه الرجل البدائي المتناقض وجدانياً ( علم النفس في مائة عام: 233.)


أسطورة أوديب ,اثرها على فرضيات فرويد:

فلنعد إلى عقدة أوديب...

عقدة أوديب يا صاح يصعب هضمها خارج اطارها الأسطوري مهما تجشمت وبذلت.

وهي علاوة على ذلك مجرد وجهة نظر لمؤلفها لم ترتقي إلي حد القانون العلمي حتى وإن كانت تعتبر من التراث النفسي وتاريخ علم النفس الحديث كما تفضلت
وحين أقول بأنها نظرية –تجوزا- إنما أقصد أن خلط الكلام لوضع هذه الفرضيات المشاكسة في دائرة التجريب لا يغني عن العلم شيئا، فالأزمة ليست في محض التجريب، وإلا لقبلت في هذا الإطار تجارب المشعوذين والمخرفين من دعاة علاج المس والسحر والعين واستحضار الأرواح الشريرة، لأن لديهم جملة من التجارب التي يمكن وفق معامل التحليل النفسي المزعومة تنضيدها في دائرة (العلمية!!) وفق التفسير الذي يزعمونه!

إن هذه الفرضيات التي لم تجد في العلم حتى الآن ما يثبت صحتها، والتي كانت وما زالت أقرب إلى إسقاط تخيلات ذاتية على الواقع، وإقحامها ضمن الحقائق الموضوعية!

مؤسس التحليل النفسي يضع قواعد وتفسيرات مؤدلجة لا تميز في تحليلها بين تفسير السلوك السوي والمرضي على حد سواء!
وقد بذل جهوداً ضخمة في البحث عن مرتسمات لأفكاره ومفاهيمه في الحالات المرضية التي أشرف على علاجها، ومن ثم ترتيب كل ذلك ووضعه في قوالب محددة وتقديمها على شكل نظرية تدعي بأنها كشفت عن أسرار اللغز الإنساني، وحسمت الحوار الطويل الذي يمتد إلى تاريخ قديم حول مسألة الدوافع المحركة لنشاط الفرد برمته!

حتى غدت عقدة أوديب (الأسطورية) مصدر الأعراض المرضية، مثلما غدت مرجع لتأويل روائع الإسهامات الإبداعية للفنانين والكتاب وغيرهم!!!

أنت تظن أنه لا صلة بين الأسطورة اليونانية وبين عقدة أوديب إلا الاسم!

دعنا نستقي الكلام من فرويد نفسه بدلا من نذهب بعيدا في نقل أفكاره أنا وأنت كل من موقفه!

فقد عبر عن هذه العقدة بوضوح في إحدى رسائله حين قال:
"... لم يراود خاطري سوى فكرة واحدة لها قيمة عامة. لقد وجدت في، كما لدى أي فرد آخر، مشاعر حب نحو أمي ومشاعر غيرة نحو أبي. وهي مشاعر نجدها، على ما أعتقد، لدى كل الأطفال الصغار حتى عندما لا يكون ظهورها مبكراً للغاية، كما هو الحال لدى الأطفال الذين سيصبحون لاحقاً من الهستيريين. وعليه فإننا، رغم كل الاعتراضات المنطقية التي تجعلنا نستبعد فرضية القدر المحتوم، نفهم الأثر الأخاذ لمسرحية أوديب الملك. فالأسطورة اليونانية قد استحوذت على نزعة قهرية يمكن لأي كان أن يتعرف عليها، إذ وجد الجميع أثراً لها فيهم. فكل مشاهد كان في يوم من الأيام أوديباً بالقوة وبالخيال، ويمتلكه الهول أمام تحقيق حلمه الذي يمثل كحقيقة على الخشبة. ويقيس هولـه درجة الكبت الذي يفصل حالته الطفلية عن حالته الحاضرة. ويتبادر إلى ذهني أننا قد نجد الشيء ذاته في جذور مأساة هاملت. فكيف يمكننا أن نفهم تردد هاملت في الثأر لأبيه بقتل عمه في حين لا يتردد لحظة واحدة في قتل لاييرت؟.. كيف يمكننا أن نشرح ذلك بأفضل من العذاب الذي تحدثه فيه الذكرى الغامضة بأنه فكر في الجرم نفسه(الذي ارتكبه عمه) تجاه أبيه بسبب حبه لأمه؟"..(رزق الله، بلا تاريخ، 70، 71).


علمية فرضيات فرويد!

ومع هذا فدعنا نقف عند مزاعم فرويد ومنفخته الزائفة (الذي باتت في نظركم مسلمة لا يرقى إليها الشك!) بأنه اكتشف المدخل الوحيد والسليم لدراسة النفس البشرية والحكم على سلوكها وهو عقدة أوديب!
يقول فرويد: 'يحق لي أن أقول إنه لو لم يكن للتحليل النفسي إلا فخر اكتشاف عقدة أوديب المكبوتة لكان ذلك خليقا بأن ينظمه في عداد أثمن ما كسب الجنس الإنساني حديثاً' (الموجز في التحليل النفسي: 66).
ماهي الأدلة العلمية (لمسلمة) أوديب؟
وهل كان فرويد يعني بالجنس شيئا آخر بالفعل؟
دعنا نتبين ذلك من كتاباته لا من شروحاتنا...
يعتقد فرويد أنه الفرض القائل بأن الإنسان انحدر عن حيوان ثديي كان يبلغ النضج الجسمي في سن الخامسة.
وهذا الدليل العلمي(!) لا يزودنا فرويد بأية معلومات عنه، ولا يخبرنا عن مصدره التاريخي العلمي.
ولعله اعتمد على موجة رواج فرضية داروين التي بدأ فرويد أبحاثه في عنفوان شبابها، وكانت شهرتها الطاغية المدبرة تقطع أي تساؤل يثار حولها.
وعلى أي حال فإن فرويد يشرح ذلك كما لو كان حقيقة علمية ثابتة فعلاً فيقول: أول عضو يظهر بوصفه منطقة شهوية تعرض مطالبتها اللبيدية (اللبيدو عنده: الطاقة النفسية المتعلقة بالغرائز الجنسية.) على النفس هي الضم منذ الميلاد، فإلحاح الطفل في المص وتشبثه به في مرحلة مبكرة ينم بوضوح عن حاجة إلى الإشباع... يمكن بل يجب أن توصف بأنها جنسية ).
أما المرحلة الثانية فهي المرحلة السادية الشرجية؛ لأن الإشباع فيها يطلب في العدوان وفي وظيفة الإخراج.
و المرحلة الثالثة نسميها المرحلة القضيبية...، ومع المرحلة القضيبية وفي خلالها تبلغ الجنسية الطفلية الأولى ذروتها وتقترب من اضمحلالها، ومن الآن فصاعدا تختلف مصائر الصبيان والبنات، فيدخل الصبي الطور الأوديبـي ويأخذ يعبث بقضيبه عبثاً تصحبه أخيلة أن يزاول نوعاً من النشاط الجنسي ذا صلة بأمه.... [u](الموجه في التحليل النفسي 22-25)

انظر!
يعبث بقضيبه تصحبه أخيلة أن يزاول نشاط ذا صلة بأمه!
أهذا هو الفهم التصعيدي للجنس؟!

يتبع