أخي السياب أحسنت..
ما أحوجنا جميعا لغربلة تراثنا ومعرفة الصحيح فيه من السقيم...
ونحن في نقدنا الذاتي لا ننطلق من أهواء وأحكام مسبقة، بل حجتنا هي دلائل العقل والنقل (الصحيح) على حد سواء...
من المسلّمات التي لا ريب فيها أنّ الأئمة الأطهار في أعلى درجات العدالة والتقوى بتقويمنا السني، وهم عندكم في أسمى مراتب العصمة، ومع هذا فقد كانت الأحكام الشرعية ومنها وجوب غسل الجنابة أو اعتبار طهارة البدن واللباس من الخبث في صحّة الصلاة شاملة للمعصوم المصطفى صلى الله عليه وآله، ولغيره من الآل الأطهار والصحابة الأخيار، إذ لم يرد دليل على استثناء المعصوم ولا غيره من هذه الأحكام، ولقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يغتسل من الجنابة ويغسل بدنه ممّا أصابه من القذر وكذلك الآل والأصحاب. وهذا طافح بأدلة كثيرة في تراثنا وتراثكم، وما اشتهرلديكم من قول علي (رضي الله عنه) ـ لا أدري أصابني بول أم ماء وما أبالي إذا لم أعلم ـ ظاهر في عدم استثنائه (كرم الله وجهه) من هذه الأحكام. وبالجملة فثبوت أحكام الطهارة والنجاسة في حقّه وحق جميع الأئمة والآل والأصحاب (رضي الله عنهم أجمعين)لا ينافي طهارتهم الذاتية (ويطهركم تطهيرا) وكمال عصمتهم بصريح النصوص، واللّه الهادي للصواب.
وقد نطقت فطرتك بهذا حين قلت: (لكن عند موتهم يغسلون و هو دليل على أنهم بشر مثلنا تسري عليهم قوانيننا بالطهارة.)
نعم نحن جميعا سنة وشيعة نقول بأن جسد المسلم والآل والأصحاب فضلاً عن النبي (عليه الصلاة والسلام) لا يكون خبثاً، وأمّا تنجّس بدن الإنسان بملاقاة القذر كالبول والدم فهو أمر اعتباري وليس أمراً واقعياً، كما أنّ النجاسة الثابتة لبعض الأشياء كالدم والمني أمر اعتباري أيضاً لا واقعي، وإنّما اعتبرها الشارع لمصلحة تقتضي ذلك أو دفع مفسدة عن العباد، لا لنقص في مورد الاعتبار ولا لكمال في غيره; فمثلاً تنجّس بدن الإنسان عند إصابة القذر كالبول والدم له لا يعني الخبث الذاتي فيه ولا يدلّ على النقص في شخصه، وإنّما هو حكم تعبّدي لملاك معيّن، كما أنّ طهارة مدفوع وبول مأكول اللحم لا يدلّ على فضيلة له. وبالجملة فلا يحتمل أن يكون حكم الشارع بطهارة ميتة ما ليس له نفس سائلة كالسمك والبق ونجاسة ميتة الإنسان تفضيلاً لميتة البق على الإنسان!
ومع هذا ففي المسألة خلاف وآراء منتشرة في مذهبينا...
رأي الجمهور –بخلاف الشافعية- عندنا أن بوله وفضلاته لا صلة لهما بطهارته الشريفة، والرأي الغالب في مذهبكم –وإن خالفه قليل من أئمتكم- أن كل ما يخرج من النبي والأئمة عليهم السلام طاهر لاستغرقه في قوله سبحانه: (ويطهركم تطهيرا!)
انظرمثلا :
أنوار الولاية لآية الله الآخوند ملا زين العابدين الكلبايكاني 1409هـ – ص 440).
حيث قال: (ليس في بول الأئمة وغائطهم استخباث ولا نتن ولا قذارة بل هما كالمسك الأذفر، بل من شرب بولهم وغائطهم ودمهم يحرم الله عليه النار واستوجب دخول الجنة
فساء وضراط الأئمة كريح المسك)

وانظر أيضا الكافي 1/319 كتاب الحجة – باب مواليد الأئمة،
حيث قال:
قال أبو جعفر " للإمام عشر علامات: يولد مطهرا مختونا وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعا صوته بالشهادتين ولا يجنب، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ولا يتثاءب ولا يتمطى ويرى من خلفه كما يرى من أمامه، ونجوه (فساؤه وضراطه وغائطه) كريح المسك

أعتذر عن هذه النقول التي أعافها في مذهبينا ولكنك طلبت مني الدليل على ما أزعمه عن مذهبكم، أما من مذهبنا فهناك جملة من المراجع في مقدمتها كتاب الشفاء للقاضي عياض وروض الطالبين للنووي وكلاهما شافعي، وكتاب الخصائص للسيوطي تطرق لذلك أيضا..

المقصود أخي الكريم أن هذا التراث المسيئ لمذهبينا يجب أن يزال بأسس علمية لا عاطفية، وهناك قواعد منهجية وأصولية يمكن بها رد هذه النقول علميا بعيدا عن طريقة التحريض والاصطياد في الماء العكر والتي يعمد إليها طارح الموضوع هنا وكل من لف لفيفه!

أخي رحمة أجله الله وزاده مهابة واحتراما
عد إلى كلامي واقرأه بروية ثم أخبرني عن هذا التعصب المزعوم، من أين استقرأته وكيف فهمته، وستجدني إن شاء الله رجاعا إلى الحق والاعتدال، فما في عروقي نزعة كراهية لأحد مهما اختلفت معه، إلا من يحرض على الفتنة، ويحرف الكلم عن بعض مواضعه، ويصطاد في الماء العكر...

عصبيتي لم تكن تستهدفك، وإنما كانت تستهدف عنوان الموضوع وطريقة طرحه، ولا أذكر أنني استمرأت الحديث في الفتنة بين المذهبين!
ولكنني في معرض الرد على تقوي الزميل بهجت بطائفة من المسلمين على أخرى أحببت أن أبين له بأنكم لا تختلفون عنا في كل ما أورده من تفاصيل هذه الأحكام الفقهية، بل الأمر عندكم آكد

فلا أعلم أن بيننا خلاف في طهارة بول الإبل وما يؤكل لحمه، وإن كان في مذهبينا خلاف شاذ في هذه التفاصيل..
ولا أعلم أنكم تحرمون أكل الجراد والسمك كحكم فقهي..
ولا أعلم أن بيننا خلاف في طهارة دم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بل مذهبكم وسع هذا ليشمل كل الأئمة الأطهار
والخلاف الشاذ عندنا بطهارة فضلات النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو رأي بعض الشافعية خالفوا به الجمهور، بينما هذا الرأي بعينه، مع توسيعه ليشمل الأئمة الأربعة عشر( المعصومين) هو الرأي الأقوى في مذهبكم..
وأما موضوع رضاع الكبير فقد أجدت جزاك الله خيرا في تعقبه، وأنت تعلم كما يعلم الجميع أن هذا الرأي الشاذ الذي نطق به أستاذ جامعي في مصر لا يعبر عن رأي معتبر، وأن عرف الأمة أنكره منذ خرج، ولو كان ذلك خوفا من سطوة الأزهر فقط كما زعم الزميل بهجت لكان لهذا الأثر من يعمل به في أي بقعة من العالم الإسلامي على اختلاف مذاهبهم، فإن لك يكن للمدعي بينة، فليلزم غرزه، وليدع عنه أسلوب التحريض السخيف، لأن مناطحة طود الإسلام الشامخ لا تكون بهكذا قرون متهتكة، مهما حاول أن يصبغ أدعياءها بهالات العلم والإمامة والاتباع!!

مرة أخرى لم أغضب منك، وليست قضيتي في هذا الموضوع مع الشيعة، بل مع من طرح موضوعه ليحرضهم على النيل من إخوانهم، ولو كان موضوعيا لسأل في هذه القضايا أهل السنة أنفسهم باعتبار الفتاوى صدرت من بعض المحسوبين عليهم، ليعلم حجم هذه الفتاوى في الوسط السني قبل أن يجعلها مسلمات سنية يريد أن يستبصر حولها بالرأي الشيعي المقابل!!!

آمل أن تتفهم حماستي في هذا الإطار
واسلموا لود واحترام:redrose:



بقيت جملة من الأمور الهامشية لن أقف عندها طويلا:

1- أن الشيعة لا يشترطون قيام الدولة الإسلامية! أنت مدعو أخي السياب لمراجعة أصل مذهبكم إذا! أنتم الإمامية، والإمامة أصل من الأصول عندكم، بينما هي فرع من فروع فقهنا السني!
ثم عليك أن تخبرني عن هذا الحكم أهو قبل نظرية ولاية الفقيه أن بعدها؟! جملة من الأحكام الفقهية ترتبت في مذهبكم على موضوع الإمامة والدولة، لعل من أبسطها شعيرة الجمعة، ومن أعظمها الجهاد، مع تعديلات مهمة قامت بها نظرية ولاية الفقيه محل الخلاف الشيعي الشيعي..

2- أنه لا يوجد لديكم صحاح أخي السياب، فهذا إن سلمنا به، غير أن هذا يعني أنه لا علم جرح وتعديل، ولا تصحيح للروايات وهذه مثلبة لو تعلم خطيرة، فتصحيح الرواية لا يعني أن يأخذ بها الفقيه لأن لهذه الرواية أن تنتظم في سياق أصول الفقه وقواعده ومناهجه في الاستدلال بتفصيل تخصصي، لكن دور المحدث في استنباط الحكم الشرعي يشبه دور الصيدلاني في الطب البشري، فالصيدلاني أخبر بأدويته، والطبيب أخبر بتشخيصه، وتنزيل الدواء المناسب للواقعة المناسبة..

تحياتي