سأستمر في وضع التعليقات على مبادئ الحرية التي وضعها جون ستيوارت مل لعل و عسى يشاركنا أحد الزملاء في البحث عن أسس الحرية و روحها كما يفهمها الرجال و النساء في المجتمعات المتحضرة حقا .

ثانيا : فكرة تقييد سلطة الحاكم على المحكومين حتى لو كانت ديمقراطية .
الفكرة الأساسية في ذلك هي أن سلطة الحاكم في أفضل الحالات لا تمثل الإرادة العامة و لكن إرادة الأغلبية ، و بالتالي سلطات الحاكم المطلقة ستمثل ضيما على الأقلية ، كما أن الأسبقية في تفاضل الحريات هي للحريات الفردية و لهذا لا يجب تقييدها سوى في أضيق الحدود و لأغراض محددة واضحة و محل توافق من الجميع و ليس فقط من الأغلبية ، هذا المفهوم يتناقض مع الشعارات التي يطلقها فقهاء السلطة في الشرق الأوسط ، فهم يرون أن الحصول على الأغلبية و لنفترض أنها نتيجة إنتخابات نزيهة ، تبيح للحاكم أن يتوسع في سلطاته بغير حدود طالما يبتغي مصالح الشعب ، هذه الأفكار كلها هي تحايل على الحرية ، فكل مساحة للسلطة تعني انتفاص مساحة مقابلة من الحريات التي هي أغلى ما يمتلك الإنسان ، لهذا يجب ألا تكون هناك سلطات إلا لضرورة قصوى و أيضا تحت مراقبة دائمة فعالة من الشعب نفسه كمصدر كل السلطات . هذه الفكرة ترفض بشكل تام السلطات الإستثنائية ختى لو كانت من أجل تحقيق مصلحة عامة ، كذلك ترفض السلطات الدينية المطلقة بدعوى خدمة الآلهة حتى لو ارتضتها الأغلبية .
أوضح مثال تطبيقي هو محاولة بعض من الأغلبية المسلمة في مصر تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على المسيحيين و العلمانيين المصريين بدعوى أن تلك هي إرادة الأغلبية ، مثل هذا الرأي لا يستوعب روح الحريات الليبرالية التي أفرزت فكرة الديمقراطية و حكم الأغلبية ، فسلطة الحاكم لا تشمل فرض عقيدته الدينية و أحكامها على المحكومين حتى لو كان مدعوما بتفويض الأغلبية ، إن القضايا الأساسية التي تمس الحريات العامة و تكبلها لا تفرض بل تجرى بالتراضي و الإتفاق العام بين جميع عناصر الأمة خلال قواعد وضعية يتشارك فيها الجميع .

ثالثا : لا يجوز منح الحرية للشعوب غير الناضجة .

هذا الرأي يبدوا شاذا كونه يصدر عن أكبر فيلسوف مناصر للحريات الليبرالية ، فهل هناك شعوب معاصرة غير ناضجة كفاية كي تمارس الحرية الكاملة ؟، وهل يمكن إدراج الشعوب العربية أو بعضها ضمن تلك الشعوب ؟. وما هي المعايير التي يمكن أن نقيس بها نضج الشعوب و قدرتها على تبني الحريات الحديثة خاصة الديمقراطية الليبرالية ، أليست تلك المقولات المشككة في أهلية الشعوب هي ما يردده الطغاة كي يبرروا استئثارهم بالسلطة ؟، ثم أيضا ما هو البديل ولم يعد هناك آليات مقبولة لتداول السلطة سوى تلك الليبرالية ، حتى أن مختلف الأنظمة غير الليبرالية كالصين و إيران تحاول التوافق مع المعايير الليبرالية في الحكم ، و لكن ألا نشاهد أيضا كيف تفشل شعوب كثيرة في التعاطي مع الحريات ،و كيف تستغل صناديق |لإنتخاب في إضفاء نوعا من الشرعية على أنظمة قمعية سافرة ، ألا نعاين تخبط شعوب كثيرة في ممارسة الحريات السياسية فتأتي بلصوص و تجار المخدرات و الأميين أو بجماعات إرهابية و دينية فاشية إلى قمة السلطة ، ألا نشاهد كيف تخضع الجماهير للرشوة و الإبتزاز باسم الدين فتتحول لديهم صناديق الإنتخاب إلى شحنات متفجرة تدمرهم و تبعثر أشلائهم ، و تحيل حياتهم إلى نوع من الفوضى المهلكة . ألا يدعونا ذلك كله للتوقف طويلا و التفكير عميقا عن إجابة لسؤال حائر .
ما العمل ؟.

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني