تقول أحلام مستغانمي في ذاكرة الجسد .
هذا زمن حقير ، إذا لم ننحز فيه إلى القيم سنجد أنفسنا في خانة القاذورات و المزابل . لا تنحز لشيء سوى المبادئ .. لا تجامل أحدا سوى ضميرك .. لأنك في النهاية لا تعيش مع سواه ".
هذه إذا هي الوصية الحادية عشر التي لم تأت بها التوراة ،و لكن يوعظنا بها ضميرنا الحي ، هذه هي الوصية التي قادت فرج فوده إلى الإستشهاد و الخلود .. و غمرتنا بالحزن .
الأخوة الأعزاء .
أعتقد أن فرج فوده مرشح للبقاء ،و أن التاريخ سوف ينصفه ، أقول ذلك ليس لأنه صديق عزيز و إنسان رائع فقدته ، فأنا لا أنطلق في ذلك من مشاعر شخصية رغم نبلها و أصالتها ، و لكن لأنه تجسيد لأفضل ما في جيلنا من قيم ،و لأنه الرمز المضيء لأجيال قادمة ،و لأنه متفرد بشجاعته و نبيل بأصالته و بطل بوطنيته .
فرج فوده لم يكن مجرد مفكر ،و لكنه بطل حقيقي تصدى وحده بفكره و جسده لتيار الغيبوبة الدينية و الدجل العقائدي و عملاء السعودية الوهابية و نقودهم الملوثة .ففي الوقت الذي انهارت فيه كل السدود أمام طوفان الإسلامية الأصولية الغيبية و المتعفنة ، كان فرج فوده هو السد الأخير ، الذي صمد للتيار الكاسح حتى توقف مؤقتا .
فرج فوده لم يتكسب مليما واحدا من موقفه بينما كان هؤلاء الشيوخ الأفاعي يزحفون على بطونهم لهبر الدولار البترولي بلا حياء ، خسر فرج فوده الكثير بسبب موقفه ، و أخيرا فقد حياته ذاتها ،و لكنه كسب الخلود ، و أتذكر في أول زيارة لأسرته عقب عودتي لمصر ، أن قالت السيدة المحترمة أرملة فرج :" ألم يكن وجوده بين أبنائه الآن أفضل ؟"، و أجبتها يومها أننا جميعا ماضون بشكل أو بآخر ،و لكن فرج وحده باق طالما كان هناك مصري يؤمن ببلاده و حقها في الحياة ، سيبقى فرج فوده في ضمير مصر ووجدانها ، سيحتل مكانه الطبيعي بين سعد زغلول و طه حسين ، كما أضع صورته في مكتبي بينهما .
إن فرج الإنسان مضى ،و فرج الفكر سيمضي يوما ،و لكن فرج الرمز و الموقف سيبقى دائما في قلوبنا – نحن أصدقائه و محبيه - كأعز ما نملك . و لو كان فرج فوده حيا بيننا اليوم لظل هو فرج فوده الرجل الشجاع الذي يقاتل الظلامية و الردة الحضارية بنفس القوة و الصلابة ، و لكنه سيكون أكثر سعادة و تفاؤلا عندما يرى أن تضحياته لم تذهب هباء و ان هناك تيار ليبرالي جديد بدأ يظهر حاملا مشعل التنوير في العالم العربي و حتى في معاقل الأصولية في السعودية و مصر – و إن كان على حياء – منتسبو هذا التيار يعلمون أن معجزة هذا الميلاد الجديد كانت مستحيلة لولا تضحيات فرج فوده و رفاقه من أبطال التنوير .إني أشعر بالسعادة و الفخر عندما أجد أن اسم فرج فوده لم يعد اسما مصريا فقط بل أصبح مثله في ذلك مثل طه حسين رمزا عربيا و علما على حركة التنوير و عندما أجد محبوه بامتداد العالم العربي كله ربما بأكثر مما هو حادث في بلاده ذاتها .
إن تكريم فرج فوده لن يتم بواسطة الطغاة ولا الظلاميون و لن يكون بإقامة تمثال له في بلد لا تقيم تمثالا لطه حسين ولا لمحمد علي ،و لكن تكريم فرج هو في بقاء فكره ملهما لجيل جديد عليه ان تقدم الصفوف حاملا مشعل التنوير غير هياب .

كثيرا ما كنت أخاطب فرج فوده بعد رحيله قائلا :" لماذا يا بني لم تطعني عندما قلت لك دعك من هؤلاء الذين يعيشون في الآخرة كأنهم لم يولدوا للحياة ، لماذا عصيتني عندما قلت لك هم لا يستحقون النصيحة و لا التضحية .. لا تطعمهم الكافيار لأنهم أدمنوا البرسيم و الحشيش و الغباء .
لماذا تصدق الشعراء ، ألم تعرف أنهم كذابون ،و أن دواوين الشعر نوع من الأفيون .؟
لماذا أتيت من بلاد غريبة ، بلاد سواك ما أليها سبيل ؟.
أما علمت بأن عصور الجهل عادت بأرضنا
و لكن محال أن يعود رسول ؟.
لماذا أخلفت موعدنا
.. أن نستقبل سويا النهاية على شاطئ بحر وثني لم يعرف ربا سوى الفضاء البعيد ،و أن نسخر من الأحياء و ننثر الذكريات على الأمواج ؟.
لماذا مضيت إلى الفراغ اللامتناهي و تركتني وحيدا في الجحيم .. جحيم الآخرين .. جحيم المؤمنين ‍المرتشين الخائفين الضائعين ."
فيجيبني الصدى .

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	أحداث صغيرة انعطفت بالتاريخ	الوطن العربي	1	481	09-02-2014, 09:22 PM آخر رد: فلسطيني كنعاني
	وردة لفلسطين في ذكرى "نكبتها" (62 عاماً على نكبة فلسطين) ...	العلماني	12	3,919	04-04-2011, 12:16 AM آخر رد: أبو نواس
	ضريح ميشيل عفلق وضريح جورج واشنطن وما بينهما	عزالدين بن حسين القوطالي	28	7,836	12-29-2009, 08:37 PM آخر رد: أبو نواس
	منتدى العلمانيين العرب ...مدينة دكتاتورية صغيرة	القلعة	9	5,767	10-06-2008, 01:38 AM آخر رد: صانع المطر
	مفتي مصر :بول" الرسول /تقبيل ضريح الإمام الحسين /ختان الإناث	arfan	7	1,832	05-25-2007, 11:54 PM آخر رد: Serpico