صديقي بهجت:

أشكرك جزيلاً على الاقتباسين الجميلين من جون ستورات ميل، وكم هي منعشة وهذه أشياء نقرأها بتأني ونسأل أنفسنا أين نحن منها. المشكلة يا أخ بهجت أن الشرقي، قبطي كان أو مسلم، صار تقريباً فاقد الأمل في الحياة ولا يعرف أن الحياة يمكن أن تـُعاش لذاتها ويمكن اغتنامها بصرف النظر عن النعيم الأخرويّ. بالأمس قابلت سيدة قبطية في محل حكومي هنا كان شبيه إلى حد ليس بقليل بمستشفيات القرى عندنا. المهم، كان معها شابة وفرحت أني أجد من يتحدث بلغتي العربية والناس لبعضها. قالت لي الشابة بنتها إن زوجها صار مؤمن جداً ( وكأن بالإيمان يتساقط منه رويداً رويداً من الخلف كلما سار! ) إلى درجة أنها لو قالت له: "ربنا يحميك يابني من المصايب وترجع لنا بالسلامة". يكون رده الديني هو: "يا حماتي، دي بركة، إزاي مش عايزة أني أكون في السماء دلوقتي مع المسيح وألزق في الأرضيات.. حد تيجي له السما ويفضل يعيش في الأرض هنا؟!". الحقيقة يا أخ بهجت أن مثل هذه العقلية متوغلة في شعبنا بشكل مزعج ومقزز وصرنا لا نقدس الحياة. كيف أقدس الفردية وأنا غير مؤمن بالحياة وما يمكن أن تهبه لي الآن؟ ولأن الناس تفكيرهم "أخروي" فتراهم كثيرا ما يجنحون للتفكير بعقلية "الأمة" أو "الجماعة" أو "One Christian Nation Under God" كما تسمع من بسطاء العقول في الولايات المتحدة. وهنا لابد أن يبدأ العمل على خفيف وبالتدريج كأنك تقنعه مثلا بأن "لا تنس نصيبك من الدنيا" وأن"النعيم والفردوس السمائي يبدأ هنا على الأرض" إلخ. عندما نستعيد ثقتنا في الحاضر وفي ما نمكن أن نعمله كأفراد ولصالح المجتمع ككل سنعمل بحماس ولصالح "الأمة" بصدق وليس عن رياء.
في الحقيقة يا أخي العزيز لم أجد في حياتي من يشرع الاغتيال ويهدأ له باله لأي سبب من الأسباب من بين الأسوياء. لي صديق لا يزال منزعج من هذا اللاهوتي ديتريش بونهوفر والذي أعدمه هتلر عندما عرف أنه يخطط لاغتياله.. وصديقي الذي أعرفه يقول لي: كيف يكون مسيحي ويؤمن بالمحبة ويخطط لاغتيال هتلر! طبعا أنا شخصيا مقتنع باغتيال هتلر لأن هتلر أزهق أرواح وأرواح ولكن فرج فودة لم يضر إنسان ما ولكن كل ما كان يملك هو القلم وصوته، ولا أكثر من ذلك. لم يضر أحد بالمرة.
أوافقك القول بشدة أن برتراند رسل عملاق ولم يكتب حرف إلا وقرأته بتدبر وتأمل وغيرة لأني أتمنى لو أن لغتي وفكري يصلا إلى ربعه. كنت نزلت تسجيلات صوتية من النت قديما ومن بينها تسجيل كان قدمه لمحطة البي بي سي وأتمنى أني لم أفقده. بالنسبة لكتابه الرائع "لماذا لست مسيحي" فقد فهمت من قراءاتي لمجلة العصور لـ إسماعيل مظهر أن هناك من قام بترجمته وقام بتغيير عنوانه قليلاً. سأحاول قدر الإمكان الحصول على هذا العمل القديم وعمل مسح ضوئيscan له ونشره على النت. تبسمت عندما قرأت اقتباسك لإسم اللاهوتي كارل رانر ولم أكن أعرف أن له حوارات مع جارودي وعادة هذه الحوارات تكون على مستوى راقي ممتع جداً. سمعت مثلا أن هناك حوار بين الكاردينال كارلو ماريا مارتيني وكذلك الروائي الإيطالي العظيم أمبرتو إيكو عن وجود الله. والحقيقة هي أننا نتعلم من اختلافاتهم وطريقة عرض كل واحد لأفكاره وقناعاته وصياغة هذا العرض. استمتعت كثيرا يا أخ بهجت بقراءة مقارناتك الممتعة بين جارودي وغيره وعرضك الشائق له.
من جهة سؤالك:
Array هل نتصور أن يقبل المسلمون اليوم مثل هذه الحوارات التي يشارك فيه كبار فقهاء المذاهب الإسلامية و بحماس و على قدم المساواة بالعلمانيين ؟ [/quote]

وأنا هنا عندي لك خبر سار حيث أذكر عندما كانت تصلني محطة تيلي لوميير من لبنان مجاناً وكانوا يعقدون لقاء بين أب كاثوليكي وشيخ مسلم كنت أنبهر كثيرا بأخلاق الشيخ المسلم وأراه أحيانا يتفوق على الكاهن الكاثوليكي في هدوئه ورقته وطيبته. حتى زوجتي كانت تشاهد كل ذلك وتنبهر من جمال نفسه وهدوء سريرته. باعتقادي يا صديقي أن الشيعة في لبنان أحرزوا تقدم غير عادي وانطلقوا لخطاب الفلسفة والفكر والوجدان وهذا شيء يفرح القلب جداً. أعرف أصدقاء من الأباء الجزويت تربطهم حوارات ممتازة وعلاقات تعاون مع مشايخ الشيعة وبل رؤساء مثل الرئيس خاتمي ويتحدثون دوما عن "التعايش". أنا متفائل جداً لمستقبل المجتمع المسلم في الشرق لأجل ما أراه من تحركات الشيعة المنفتحة فكرياً واجتماعياً. يكفي أن دار رياض الريس للنشر المنفتحة ليبرالياً تطبع للشيعة ومفكريهم الكثير من الكتب القيمة والتي أحرص على اقتنائها وقراءتها:
http://www.elrayyesbooks.com/
أذكر أني تصفحت الإنترنت ذات مرة بحثاً عن مقولة أعجبتني وهي "لا مقدس في الحوار وأن المتحاورون هم القدس الوحيد" وإذ بي أجدها في مقولة لـ السيد محمد حسين فضل الله على هذا الموقع:
http://arabic.bayynat.org.lb/

الحوار معك ثريّ ولم أشأ أن أرد بسرعة وخاصة لو كنت أشعر بدوخة ما أو إرهاق ولكني اليوم سررت جداً بقراءة كل ما كتبت. طاب يومك جميلاً.
صديقك:
إبراهيم

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	أحداث صغيرة انعطفت بالتاريخ	الوطن العربي	1	481	09-02-2014, 09:22 PM آخر رد: فلسطيني كنعاني
	وردة لفلسطين في ذكرى "نكبتها" (62 عاماً على نكبة فلسطين) ...	العلماني	12	3,919	04-04-2011, 12:16 AM آخر رد: أبو نواس
	ضريح ميشيل عفلق وضريح جورج واشنطن وما بينهما	عزالدين بن حسين القوطالي	28	7,836	12-29-2009, 08:37 PM آخر رد: أبو نواس
	منتدى العلمانيين العرب ...مدينة دكتاتورية صغيرة	القلعة	9	5,767	10-06-2008, 01:38 AM آخر رد: صانع المطر
	مفتي مصر :بول" الرسول /تقبيل ضريح الإمام الحسين /ختان الإناث	arfan	7	1,832	05-25-2007, 11:54 PM آخر رد: Serpico