لاول مرة يجري إكتشاف خلايا الذاكرة، حيث جرى إثبات ان خلية واحدة قادرة على التعرف على شخص. هذه الظاهرة جديدة للغاية إذ كان العلماء يعتقدون في السابق ان " التذكر" هي عملية تتعاون عليها مجموعة من الخلايا.
منذ فجر علم الدماغ، كان الاعتقاد سائدا ان الدماغ يملك خلايا ذاكرة كل واحدة منها متخصصة بإعادة تذكر شخص معين.
العلماء اختاروا استخدام صورة الجدة كمثال، ولذلك جرى تسمية الخلايا بخلايا الجدة، ولكن بعد فترة، وبفضل تزايد معلوماتنا عن الدماغ في فترة الستينات من القرن الماضي، تناسى العلماء موضوع الخلية "الجدة". عوضا عن هذه الفرضية ظهر إعتقاد جديد بأن إعادة تذكر الوجوه هو عملية معقدة يشارك فيها عدد كبير من الخلايا العصبية، حيث تجمع المعلومات وترسل الى خلايا رئيسية تقف على هرم العملية.
الان تُظهر نتائج الابحاث الاخيرة ان الخلية "الجدة" ليست قصة او اسطورة وانما حقيقة علمية. وبالمناسبة ظهر انه ليس فقط الاقرباء والاصدقاء والقريبين، يقوم كل منهم على حدة بتنشيط " خليته الخاصة".
هذا الاكتشاف تم الوصول اليه كإضافة في مجرى الابحاث على معالجة مرض ابيليبسي، epilepsi, والذي كان يجري في جامعة كاليفورنيا. معالجة المصابين بمرض الابيليبسي كان يجري من خلال قص مناطق من الدماغ المسؤولة عن إطلاق ظاهرة المرض الذي يجعل حامله في حالة إعاقة.
من اجل تحديد المنطقة التي سيتم إزالتها بالضبط يجري وضع دماغ المريض تحت المراقبة الدائمة لعدة ايام. الدماغ يجري ربطه بموصلات كهربائية دقيقة يصل عددها الى 64 واحد، التي تقوم بنقل الاشارات القادمة من 1000 خلية عصبية.
قسم من هذه الموصلات توضع في منطقة الهيبوكامبوس الموجود في مركز الدماغ، وهي منطقة تتحكم بالذاكرة والتعرف على الاتجاهات. مجموعة اخرى من الباحثين سُمح لها ان تستخدم ظروف معالجة مرض ابيليبسي في فترات إستراحة المجموعة الاولى، لتستغل الموصلات في دراستها الخاصة الموجهة لمعرفة "احجار بناء" الدماغ الاساسية في منطقة الهيبوكامبوس وطاقتهم على تذكر الشخصيات.
العالم في التكنيك الطبي Rodrigo Quian Quiroga, من جامعة ليسيستر الانكليزية قام بتطوير برنامج كمبيوتري لإستقبال كل إشارة من الموصلات الموصولات بالنسيج الدماغي. الباحثين قاموا بعرض صور مختلفة المضامين على المرضى. الصور كانت لممثلين مشهورين وحيوانات وابنية معروفة وطعام. عند عرض كل صورة يقوم الباحثين بقياس مستوى النشاط الكهربائي الدماغي في الخلايا العصبية.
المشكلة التي واجهها الباحثين الان هي في كيفية فصل الاشارات الكهربائية من كل خلية على حدة، بإعتبار ان الموصل كان يستقبل الاشارات من عدة خلايا عصبية في نفس الوقت، لتظهر حزمة من الوشوشات الكهربائية.
الابحاث اظهرت انه عندما تكون احدى الخلايا العصبية منشطة وترسل الاشارة الكهربائية، تملك النبضة الكهربائية خطها البياني الخاص بها تماما كالبصمة. من خلال ذلك تم تطوير برنامج كمبيوتري يمكنه استقبال هذه الموجات الصادرة عن عدة خلايا في وقت واحد وترجمتها، الان وعندما اصبح من الممكن تحديد الاشارات الصادرة عن كل خلية ، يظهر لنا انه يوجد خلايا ترسل حوالي 700 إشارة في نصف ساعة، في حين الحلايا الاخرى لاتزيد إشاراتها عن 200 إشارة في الوقت نفسه. لقد تم تعيين خلية تصدر نفس الإشارات في كل مرة يعرص للمريض صورة الممثلة الامريكية جينبفر انيستون. لذلك من الممكن ان تكون هذه الاشارات هي التي تعبر عن خلفية الصورة الزرقاء او شئ اخر يقوم الدماغ بالتعبير عنه، ولذلك جرى تجربة انواع مختلفة من الصور.
جميع الباحثين توصلوا الى نتائج واحدة: فقط صورة جينيفر انيستون جعلت الخلية المعنية ترسل إشاراتها الكهربائية، بغض النظر عما إذا كانت صورة جينيفر بتسريحة عادية او تسريحة معقدة. من هنا جاء الاكتشاف تحت اسم " خلية جينيفر انيستون"، التي احتلت مكان الخلية " الجدة".
من اجل المزيد من التحقيق في هذه النتائج قام الباحثين بخطوة اخرى. عند مجموعة إختبارية اخرى أكتشف الباحثين خلية عصبية اخرى تقود بتقديم ردود الافعال عند عرض صورة هاله بيري. إضافة الى عرض صورة لها قام الباحثيين بعرض صورة كاريكاتورية لها واسمها مكتوباً على الورق.
ومن اجل تعقيد الموضوع قاموا بعرض صورة لها وهي في دور " المرأة القطة"، حيث ترتدي ثوبا اسود يغطيها بكاملها. النتائج اظهرت ان الخلية نفسها تقوم بإعطاء ردود الفعل بغض النظر عن تغيير شكل الصورة، طالما انها للشخص نفسه.
عند الاشخاص الذي جرت عليهم تجربة صورة جينيفر انيستون ، عر الباحثين عليه صور للممثلة الامريكية ليزا كويدرو، وهي نفسها التي شاركت الممجثلة جينيفر بمسلسل الاصدقاء، فكانت النتيجة ان الخلية قدمت رد فعل على هذه الصورة ايضا. من هنا الاعتقاد بأن الخلية تقوم بالربط بين الصورتين لتجعلهم " مفهوم واحد"، بإعتبار ان الشخص قام بالتعرف على الممثلتين من خلال مسلسل مشترك لهم.
الاستنتاج الذي توصل اليه الباحثين اننا نملك خلايا متخصصة بإعطاء ردود فعل والتعرف على هويات شخصيات معينة. معرفة اننا نملك خلايا متخصصة تحدد هوية الاشخاص القريبين، تفتح الافاق والامال لمساعدة الاشخاص المصابين بالعجز التام عن التواصل مع المحيط.
هذه التجربة هي الاولى التي اعطت معلومات دقيقة من خلال قياس نشاط الدماغ مكنت العلماء من التعرف على مايراه الدماغ من خلال النبضات الكهربائية. الخطوة القادمة هي تحديد الخلايا المسؤولة عن الفكرة الممميزة والتفكير التجريدي.
مصادر:
Hjärnforskare hittar minnesceller
One Person, One Neuron
مجموعة مقالات