الزميلان فارس والعلماني (f)

بالطبع لدى "الإخوان" ما يخشى من العلمانيون أمثالكما ، لكن ليس من بينه قتل المسيحيين (أو غيرهم من غير المسلمين) وتدمير دور عبادتهم ، وحتى الجماعتين المصريتيين المتطرفتين "الجهاد" و "الجماعة الإسلامية" لم يطرحا أبداً موقفا من المسيحيين يصل إلى قتلهم وتدمير كنائسهم .

المعتدلون كما المتطرفون يستندون إلى مرجع تراثي مشترك يعتبر غير المسلمين في المجتمع الإسلامي "أهل ذمة" أي ـ بلغة حديثة ـ مواطنون من الدرجة الثانية يدفعون الجزية ولا يتوقعون مساواتهم بالمسلين لكن حياتهم وأموالهم ودور عبادتهم محفوظة ومصانة بأحكام دينية إسلامية صارمة .

لكن أين يختلف المعتدلون عن المتطرفين ؟

المتطرفون يأخذون بأحكام أهل الذمة والجزية بالنص وكما هي في كتب التراث ، أما المعتدلون ـ "الإخوان" هنا ـ فلهم اجتهادات معتبرة في التوفيق بين مفهوم أهل الذمة التراثي ومفهوم "المواطنة" الحداثي ، ومن فهمي هويدي إلى محمد عمارة إلى يوسف القرضاوي إلى محمد حبيب إلى عبدالمنعم أبو الفتوح وعصام العريان ، هناك مواقف وكتابات معلنة ومنشورة في هذا الأمر ، ولعل كتاب "مواطنون لا ذميون" لفهمي هويدي يختصر الأمر كله .

عملياً وتاريخيا كان للشيخ حسن البنا مستشار مسيحي وكان للمرشد العام عمر التلمساني جهود كبيرة في معالجة الأثار المترتبة على أحداث إحدى الفتن الطائفية التي وقعت في مصر في السبعينات .

"الوحدة الوطنية" كنقيض للفتن والانقسامات تعتبر ـ من وجهة نظري وفي حدود فهمي للإخوان وفكرهم ومسيرتهم ـ مكوناً مركزياً لدى هذه الجماعة ، وتفسيري الشخصي لهذه الحساسية يعود إلى ظروف نشأة الإخوان أول مرة ، هذه جماعة ظهرت للوجود ـ وضمن أشياء أخرى ـ كرد فعل على سقوط الخلافة الإسلامية ، دعوتهم في الأساس دعوة أممية تسعى إلى إعادة ما يسمونه "الأمة الإسلامية" إلى التوحد الكياني تحت حكم واحد ، فكيف بجماعة تسعى لتوحيد المسلمين على اختلاف بلدانهم أن تعمل على تمزيق البلد المسلم الواحد ؟ كيف تمزق مصر إلى مسلمين ومسيحيين وهي تسعى لتوحيد مصر مع باكستان ؟ وهذا بالإضافة للموقف الفقهي العام الحاض على الوحدة ودرء الفتن .

لا بل إن سيد قطب رمز التطرف التقليدي أشار إلى الأقباط بوصفهم جزء من الأمة التي يسعى إلى إخراجها ـ أو إعادة إخراجها ـ للناس ، تحدث الرجل عن المسلمين "وألئك الذين ارتضوا الإسلام إطاراً حضارياً لهم" .

"الإخوان" ليسوا "طالبان" وليسوا أي شيء آخر ، هذه جماعة الطبقات الوسطى من سكان المدن المتعلمين ، من سيماهم تعرفهم ، يرتدون الملبس الغربي كاملاً ويستخدمون العطور الغربية ويستخدمون الشوكة والسكين (من أدوات المائدة) وتجدهم إما حليقي الوجه أو بلحية قصيرة مهذبة وغالب قياداتهم الفكرية من خارج المؤسسة الدينية ، ليسوا شيوخاً تقليدين ، ومفتيهم التقليدي يوسف القرضاوي يستمع لأم كلثوم ويفتي بإباحة الجنس الفمي بين الأزواج .